مبشرات رمضانية في زمن المحن والفتن المتلاحقة رمضان شهر الانتصارات.. فمتى يتحقق النصر؟ عندما يتذكر المسلمون أن شهر رمضان قد تحققت فيها عدة انتصارات للمسلمين على الأعداء قديما، فيتحسرون ويشعرون بالقهر، ويحاولون الخروج من حالة الإحباط واليأس لحالة الأمل، وإعادة الثقة، والوصول لليقين أن المستقبل لهذا الدين، مع البحث عن أسباب الهزائم المتكررة، والإخفاقات المتواصلة التي تلحق بالمسلمين، ويتساءل متى تحقق النصر المبين، كما تحقق قديما خاصة في شهر رمضان الكريم ففي عدة بلاد نجد أن غالبية المسلمين مصابون بالهموم والأحزان، ويبحث بعضهم عن كيفية تخطي روح الهزيمة، واستعادة روح الأمل في النصر، و كيف نتغلب على الأعداء سواء بالخارج، أو في الداخل من العملاء وممن يؤيدون الأعداء، ويريدون عزل الإسلام عن الحياة، مثل أتباع بعض الفرق والمذاهب المنحرفة، والتي تتستر خلف مبادئ حب الحرية، والصواب أنها تحب نشر مبادئ الليبرالية وتقوم بمدح العلمانية، وكلها مذاهب مخالفة للإسلام، ويتمنى المسلم أن يعود للدين مجده، ويتحقق النصر كما حصل في الماضي، ويتساءل المسلمون متى تعود العزة للمسلمين؟ ولكي تتجلى الحقيقة يجب أولا البحث عن الأسباب الحقيقية لتأخر النصر، والسؤال عن أسباب استمرار الهزائم، وسبب ضعف المسلمين وعدم التمكين للدين، والأسباب كثيرة، منها: التسلط من فئة فاسدة تسعى لامتلاك الأموال بأي طريق حلال أو حرام، مع انتشار الظلم من بعض الحكام، وغياب العدل، ومصادرة الحريات، واعتقال الأبرياء، وسجن الشرفاء، وقتل العلماء وإعدام الدعاة، وانتشار الفساد، قال تعالى: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ) سورة البقرة 205، وبعض المسؤولين يعملون بجدية لتوفير الحماية للصهاينة المحتلين، ومحاصرة المستضعفين في غزة، ويمكن تلخيص كل هذا في: البعد عن منهج الله تعالى، مع استمرار حملات الغزو الفكري، ونشر وإحضار مذاهب مستوردة من دول شرقية تارة تتعمد نشر الكفر والإلحاد، أو دول غربية تارة أخرى تعمل على نشر وتشجيع المذاهب الهدامة، في الوقت الذي يتمسك فيه العدو بدينه أو ببعض المبادئ الإنسانية التي تحض على العدل، وتجنب الظلم. "أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ" ولعل الهزائم المتكررة، والعجز والإخفاق للمسلمين في بعض البلاد، تكون موقظة لهم، وتجعلهم يفتشون عن أسباب النصر الحقيقية، ويتخلون عن أسباب الهزائم، والحمد لله فقد بدأت دعوات مخلصة للعودة لمنهج الإسلام القويم، والتمسك بكتاب الله تعالى في شهر القرآن، والعمل بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، واستلهام النصر من المولى سبحانه، مع حركة جادة لتطهير البلاد من الانحراف والفساد، وحسن الإعداد للقوة، وحصول التعاون بين القادة المخلصين العاملين لإعادة المجد لهذا الدين، وللوقوف في وجه العدو الغاشم، ومنع حملات الغزو الثقافي والفكري، وصيانة العقيدة، والحفاظ على الهوية الحقيقة للأمة. وإذا كان شهر رمضان قد تحققت فيه عدة انتصارات، وحصل فيه عبور الهزيمة في عدة مناسبات؛ وذلك لأن المسلمين مهيئون فيه لأن يتنزل عليهم نصر الله تعالى؛ لأنهم أقرب إليه سبحانه في شهر الصيام، وويأخذون غالبا ب أسباب النصر، فرمضان هو الشهر الذي يجاهد المسلمون فيه أنفسهم أولا، ويتقربون إلى الله تعالى بالطاعات، ويعلمون أنهم لن يتحقق لهم النصر إلا إذا نجحوا في جهاد أنفسهم، وقويت شوكتهم، وملكوا إرادتهم، واستطاعوا أن ينصروا الله تعالى أولا في أنفسهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) سورة محمد. والانتصارات الكبرى في تاريخ المسلمين وقعت في شهر رمضان، كغزوة بدر، وكان المسلمون فيها ضعافا مستضعفين، ولم تتمكن دولتهم بعد من الوصول لنصف قوة دولة المشركين المتغطرسة، ولم يمتلكوا بعد الدواب والعتاد أو أسلحة الحرب القوية، وخرجوا فقط للاستيلاء على قافلة تجارية تعوضهم عن خسائرهم في ترك بلادهم، وأموالهم وديارهم. ففرضت عليهم الحرب، فاستغاثوا الله تعالى، وأخذوا بأسباب القوة المتاحة بين أيديهم، وتوجهوا لله تعالى بصدق وإخلاص بأن ينصرهم سبحانه وتعالى بعدما أخذوا بأسباب الوحدة والاتحاد، وابتعدوا عن التفرق والتنازع والشقاق، مع الثبات والإكثار من ذكر الله تعالى، والتحلي بالصبر قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ، وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ، وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ، وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ، وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ، وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) سورة الأنفال. فهذه الشروط من يلتزم بها، مع حسن الاستعداد، يتنزل عليه النصر المبين، ويؤيده الله تعالى بجنود من عنده. وفي فتح مكة لم يغتر المسلمون بقوتهم، ولما أعجب بعضهم بكثرتهم في يوم حنين، وقعت الهزيمة في أول المعركة، ولما استدركوا ما فاتهم تنزل النصر، قال تعالى: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا، وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ، ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ) التوبة26،25، وكذلك انتصر المسلمون في المعارك الفاصلة كمعركة القادسية، وحطين وعين جالوت فلم يعتمدوا فقط على قوتهم، بل علموا أن الله تعالى هو من ينصر جنده، وعباده المخلصين، (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) سورة أل عمران.