رسالة إلى الجزائريين في عيد الاستقلال بقلم: الشيخ أبو إسماعيل خليفة تظل أيام المجد في أعمار الأمم نبراساً وشموساً ساطعة تُسْتَلهم منها العِبَرُ وتُسْتَمَدَّ منها العزائم وتزهو بها الشعوب ولنا في وطننا الغالي لنا من هذه الأيام نصيب فعلى ركب الخالدين مجدا تعيش عليه الأمم وتنهل منه الأجيال وتربى عليه الفتية وتبعث به الهمم ورحم الله شاعر الثورة إذ يقول: تأذن ربك ليلة قدر وألقى الستار على ألف شهر وقال له الشعب: أمرَك ربي وقال له الرب: أمرُك أمري ولعلع صوت الرصاص يدوّي فعاف اليراع خرافة حبر أيها الأعزاء: ها هو اليوم يظللنا يوم الخامس من شهر جويلية اليوم الخالد في تاريخ الجزائر بعد ما ظللنا يوم بدر إن هذا اليوم هو الذي وقع فيه (الدّاي حسين) على وثيقة الاحتلال_ وكان ممكنا أن تحتفل الجزائر باستقلالها قبل هذا اليوم لأن قرار توقيف إطلاق النار كان يوم 19 مارس كما أن القوات الفرنسية انسحبت من نفس مكان دخولها شاطئ سيدي فرج بالعاصمة وهذا لغاية نعلمها وهو أن الرجال الأحرار والمجاهدين الأبطال أَبَوْا إلا أن يثأروا لكلّ يوم مَوْتُور من تاريخ الجزائر حتى يحقّقوا للحريّة نصاعتها وقدسيّتها لقد هيّأَ الله الرحيم القادر لبلادنا من أبنائها الأحرار من يأخذُ بيدها ويقيلها من العثار فهبّوا لنصرتها وقدّموا أرواحهم في سبيل حريّتها لا يبغون مُلكا ولا مالا ولا جاها فحقّق الله على أيديهم ما لم يكن في الحسبان دكّوا صروح الظلم والطغيان وأعادوا لبلادهم حريتها المغصوبة وكرامتها المسلوبة بحمد الله الكبير المتعال ونقف اليوم وقفة إجلال وإكبار لنحَيي أولئك الأبطال الذين كانوا يتنافسون في الجهاد ويتسابقون إلى النضال وعُدّتهم في ذلك الصبر والثبات وشعارُهم: (أحرص على الموت توهب لك الحياة) وغايتُهم الدفاع عن أنفسهم وصيانة أوطانهم وحماية دينهم وعقيدتهم قال شاعر الثورة رحمه الله: نوفمبر غيرت فجر الحياة وكنت نوفمبر مطلع فجر وذكرتنا في الجزائر بدرا فقمنا نضاهي صحابة بدر نعم لقد سجّل التاريخ لنا صورا رائعة عن البطولات التي تُثبت بسالتهم في الجهاد وتُبيّن مدى ما وصل إليه إيمانهم القويّ وعقيدتهم الراسخة في ساحات القتال واقرأوا معي في هذه المناسبة الخالدة تلكم الرسالة التي كتبها الشهيد (أحمد زبانة) المولود سنة 1926 بجنين مسكين والذي ألقى البوليس الفرنسي عليه القبض وحكم عليه بالإعدام وليلة التنفيذ صلى ركعتين وقدّم هذه الرسالة إلى محاميه يقول فيها: (أقاربي الأعزاء أمي العزيزة: أكتب إليكم ولست أدري أتكون هذه الرسالة هي الأخيرة والله وحده أعلم فإن أصابتني مصيبة كيفما كانت فلا تيئسوا من رحمة الله إنّما الموت في سبيل الله حياة لا نهاية لها وما الموت في سبيل الوطن إلا واجب وقد أدّيتم واجبكم حيث ضحّيتم بأعزّ مخلوق لكم فلا تبكوني بل افتخروا بي وفي الختام تقبّلوا تحية ابن وأخ كان دائما يحبّكم وكنتم دائما تحبّونه ولعلها آخر تحيّة منّي إليكم وأنّي أقدّمها إليك يا أمي وإليك يا أبي وإلى نورة والهواري وحليمة والحبيب وفاطمة وخيرة وصالح ودينية وإليك يا أخي العزيز عبد القادر وإلى جميع من يشارككم في أحزانكم الله أكبر وهو القائم بالقسط وحده) السجن المدني بالجزائر : في يوم 19 جوان 1956 أحمد زبانا إيمانٌ متأصّلٌ في النفوس وتضحيةٌ بالنفس في سبيل الله جانبان من أروع جوانب ثورة التحرير وكبرياءٌ شامخٌ ميّز الشعب الجزائري الأعزل إلا من إيمانه بحقه وثقته بنفسه مما بثّ الرّعب في نفس المستعمر الجبار المتسلح بكل وسائل التدمير الجهنمية فيا رعاكم الله وأنتم تنعمون بالحرية والإستقلال وتقيمون لذلك أعيادا اذكروا أولئك الشهداء ولتحيا في نفوسكم المعاني التي كانوا يجسدونها ولتتعمق في قلوبكم المبادئ التي وهبوا حياتهم من أجلها أَحيوا جميل مفاخرِ وطنكم وأمجادِه وأحرصوا على الوفاء له وإِسعادِه فإنَّكم عليه أُمناء فكونوا له نعم الأَبناء وذلك بالحرص على تحمُّل المسؤولية في مسيرة البناءِ والإخلاص له وحسن العطاءِ كونوا خير خَلَف لخير سلف سيروا على درب الأُلى الذين ساروا على نهج الهدى وتدربوا على التضحية والفداء صِلُوا الحاضر بالماضي لتبلغوا أرفع مدارج العزّ في العاجلة وخيرَ منازلِ المقرّبين في العقبى