بقلم: الشيخ أبو إسماعيل خليفة كنا نرتقب مجيء شهر رمضان ونعدّ لأجله الشهور فجاء الشهر وها نحن نخلفه وراء ظهورنا وها هو العيد يقبل كما كان يقبل كل عام وكأنّ لسان المعايدين اليوم يستلهم هذا الوداع فيقول: ترحّل الشهر والهفاه وانصرفا واختص بالفوز في الجنات من خدم وأصبح الغافل المسكين منكسراً مثلي فيا ويحه يا عُظم ما حرم من فاته الزرع في وقت البذار فما تراه يحصد إلا الهم والندم وبالمناسبة يا قارئي العزيز لو رأيت حال السلف الصالح عند نهاية هذا الشهر المبارك لرأيت عجبا فقد كانوا _ رضي الله عنهم - يظهرون الأسى والحزن على خروجه ويحرصون على أن يوصي بعضهم بعضاً على الاستمرار في الطاعة على مدار العام لأن كل الشهور عند المؤمن مواسم عبادة بل العمر كله موسم طاعة. خرج عمر بن عبد العزيز _ رحمه الله - في يوم عيد فطر فقال في خطبته: أيها الناس إنكم صمتم لله ثلاثين يوماً وقمتم ثلاثين ليلة وخرجتم اليوم تطلبون من الله أن يتقبل منكم. وكان بعض السلف يظهر عليه الحزن يوم عيد الفطر فيقال له: إنه يوم فرح وسرور فيقول: صدقتم ولكني عبد أمرني مولاي أن أعمل له عملاً فلا أدري أيقبله مني أم لا؟. ورأى وهب بن الورد قوماً يضحكون في يوم عيد فقال: إن كان هؤلاء تقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الشاكرين وإن كان لم يتقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الخائفين. وعن الحسن رحمه الله قال: إن الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم ففازوا وتخلّف آخرون فخابوا فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون. وروي عن علي رضي الله عنه أنه كان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان: يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنيه ومن هذا المحروم فنعزيه. وعن ابن مسعود أنه كان يقول: من هذا المقبول منا فنهنيه ومن هذا المحروم منا فنعزيه أيها المقبول: هنيئا لك أيها المردود جبر الله مصيبتك. أيها الفاضل: تخيّل تاجرا جمع أموالا وعقارا ودنيا وهو في جمعها مجدٌّ ومجتهدٌ ثمّ لما بلغ قمّة الهرم واستوفى العزّة والجاه فتح الخزائن للسرّاق وتركها للقوارض والعوادي دونما حفظ أو حراسة أو ملازمة إذن تضيع أمواله وأملاكه التي ربحها لأنه ما حافظ عليها.. فكذلك من اكتسب أعمالا وطاعات وحسنات في رمضان إذا لم يحرسها بالإستقامة ويُلازمها بقفل المداومة ويجعلها في حرز الإستمرار ضاعت وأصبحت هباء منثورا عياذا بالله.. وإن تلكم لمأساة كبرى وخسارة عظمى أن يبني الإنسان ثم يهدم وأن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير نعوذ بالله من العمى بعد البصيرة ومن الضلال بعد الهدى.. نعم أيها الفضلاء ويرحل رمضان وكأنه لم يكن يرحل هذا العام ويترك من يشهد العيد وهو يلبس الجديد غير أننا لا ندري أيعود ونحن شهود أم يعود وقد طمس آثارنا الزمن ووارى أجسادنا التراب واندثرت أخبارنا في كثرة الراحلين؟ . ولا يسعنا أن نقول ولم يبق لنا من رحيله إلا هتاف علي رضي الله عنه وهو يقول: ليت شعري من هذا المقبول فنهنيه ومن هذا المحروم فنعزيه. فاللهم لا تردّنا خائبين..