ظاهرة اشتغال الطلبة الجامعيين بالموازاة مع دراستهم تزداد سنة بعد أخرى، لكن الملفت للانتباه أنّ بعضهم لا يعمل لمجرد الحصول على أموال لتغطية مصاريف الدراسة فحسب، بل بغرض الاستفادة من تلك الأعمال المتواضعة لاكتساب حرفة إضافية. هذا ما وقفنا عليه لدى مشاهدتنا لبعض العينات من الطلبة الجامعيين الذين رغم أنهم يتابعون دراسات عليا، إلاّ أنّ ذلك لم يمنعهم من امتهان بعض الحرف الذي قد يراها غيرهم متواضعة وتحط من قيمتهم، أما هم فلا يروها كذلك بل بالعكس، فإنها بالنسبة لهم حبل النجاة في حال إذا ما لم يعثروا على وظيفة بالشهادة الجامعية، فعلى الأقل لن يبقوا مكتوفي الأيدي، بل سيعملون ويربحون قوتهم بسواعدهم، حتى أنّ فيهم من يدرس لمجرد الدراسة والتعلم، وقد حضر لنفسه طريقا غير طريق العمل في المجال الذي يدرس فيه، ومن هؤلاء الطلبة المتمسكين والمقتنعين بضرورة العمل مع الدراسة »أحمد« الذي التحق بالكلية متعددة التقنيات بالحراش، وتابع دراسته في علم الآلات، ورغم ذلك، ورغم مستقبله المضمون، إلاّ أنه لم يتردد حين عرض عليه أحد أصدقائه العمل معه ساعات المساء في المخبزة، ويقول لنا »أحمد« عن الموضوع: »أؤمن بأهمية التجارب في حياة الفرد، هذه التجارب التي لا تأتينا إلاّ إذا تحركنا واندفعنا نحو التغيير، لهذا فأنا أعمل في مخبزة، هو عمل يوفر لي بعض النقود التي تساعدني في دراستي من جهة، لكني أطمح إلى تعلم تحضير الحلويات، فربما أحتاج إليها مستقبلا خاصّة مع قلة العمل في العشر سنوات الأخيرة، بحيث صارت »البريكولات« هي الحل الوحيد لنا نحن الشباب، أمّا العمل المستقر فهو حلم بعيد المنال«. وإذا كان »أحمد« يعمل فترة المساء، فإن »رضا« يعمل تقريبا طيلة اليوم، أي أنه يعمل أكثر مما يدرس في ورشة لصناعة الألمنيوم، لكنه يحاول جاهدا التوفيق بين الاثنين، يقول:»من الصعب أن يركز الواحد في الدراسة والعمل معا، خاصة أنّ ما أعمله يحتاج إلى تركيز ومهارة فائقين، ثم إنه يأخذ مني الكثير من الوقت، حتى أنّ أسرتي عارضت اشتغالي بالتزامن مع الدراسة، لكنها اقتنعت في النهاية بعدما رأت أني ورغم اشتغالي أحصل على علامات ممتازة، أي أنّ هذا العمل لم ولن يؤثر علي، ثم إني وطوال فترة العمل تعلمت الكثير من أسرار تلك المهنة، ما يجعلني قادرا على الاشتغال لرصيدي الخاص مستقبلا«، أمّا »كريم« فهو الآخر يشتغل بالتزامن مع دراسته، لكنّ عمله يأتي في المرتبة الأولى، أما الدراسة فهي لمجرد التعلم، وليس للحصول على شهادات ومن ثمة العمل، فيقول عن ذلك:»التجارة التي أمارسها، وهي نقل البضائع والسلع بسيارتي الخاصة، تدرّ علي والحمد لله دخلا مقبولا، ولا أنوي تركَها، حتى إن تحصّلت على الشهادة النهائية، لكني مع ذلك أبقى متمسكا بدراستي فالعلم نور«.