بقلم: عارف أبو حاتم* (فصول مأساتنا الطولى بلا عدد).. كانت تلك نبوءة مبكرة من شاعر اليمن الكبير عبدالله البردوني فمأساة اليمن طالت حتى استبد الألم وتحولت اليمن إلى سجن كبير وتحوّل الشعب إلى سجناء ورهائن بيد جماعة لم تعرف يوما طريق الأخلاق. كان المدنيون هم الضحية الأولى للعنف وفي تعز فقط -وهي مقياس أخلاقي لحروب الميليشيا- خلال الفترة من 21 مارس إلى 5 أكتوبر 2015 أصبح 90 بالمائة من سكان محافظة تعز يحتاجون إلى مساعدات إنسانية وهم الذين تجاوز عدد 3 ملايين نسمة ووصل القتلى إلى 1562 شخص والجرحى 15641 و3276 منزلاً طالتها القذائف الحوثية مما تسبب بنزوح 70 بالمائة من سكان مدينة تعز وتسريح 90 بالمائة من موظفي القطاع الخاص وإغلاق 20 مصنعاً 95 بالمائة من مشافي المحافظة توقفت عن تقديم خدماتها بحسب تقرير ائتلاف الإغاثة الإنسانية. تعز هي النسخة اليمنية من الرقة والزبداني وكوباني والقامشلي.. شوارعها مخيم اليرموك وبيوتها صبرا وشاتيلا وأهلها غزاويون بصبرهم وجوعهم وصلابة عودهم.. تعز لم يعد فيها حجر على حجر تناثرت أحجار المدينة وأحلامها اختلط الدم بالتراب بالصراخ بالجوع بالظمأ بالبارود بحمى الضنك وأصبح اسمه تعز. عاصمة الثقافة ومنبع التنوير أصبحت شقيقة الموت ومأرب هي الأخرى بوابة نصر وبيت عز وكبرياء.. تقدم لنا كل يوم دروس استثنائية في الحياة في النصر في الوفاء في المدنية والسلمية.. جبهة مأرب الأكثر وجوعاً والأعلى نصراً ابن الصحراء البدوي الذي يلف قدميه بالخرق البالية لكي تقاوم حر الرمال صدّر لنا البهجة ومنحنا الابتسامة.. ما اشتكى يوماً من نقص في الغذاء ولا قلة في السلاح رغم حاجته ما قال نفد صبري أو (شق الظمأ كبدي) ما دفعته الحاجة للخيانة أو ألجأته الظروف للتوقف فهو عنوان للصبر ومثال لرجل الشدائد والمحن.. وذاك أمر لا يعفينا من الحديث عنه كإنسان إذا لم يحتاج هو فخلفه ذرية ضعفاء يعانون الأمرين غاب عنهم الدواء والغذاء والماء والأمان والكهرباء والمشفي والمدرسة والطريق والجامعة وحضر الحزن في كل بيت أضأتها القذائف. وزار النصر الحزين عدن تحررت من ميليشيا الحوثي وصالح ولم تتحرر من سلوك كثير من أبناء الجنوب فقطعوا الطرقات وفرضوا الإتاوات ونهبوا المعسكرات ومؤسسات الدولة وجاءت ثلة قليلة لا قيمة لها ولا وزن وسمت نفسها (تنظيم القاعدة) وخنقت حريات الناس وتبجحت عليهم حتى أغلقت كلية العلوم الإدارية منعاً للاختلاط. بين منطقة وأخرى نصبوا نقاط التفتيش وفشلت الدولة في إثبات حضورها وماطلت في استيعاب أبناء المقاومة في مؤسستي الجيش والأمن حتى تفككت المقاومة وتحولت إلى صراعات داخلية ومصدر قلق وعبء على الدولة وأكاد أرى ملامح (يناير جديد) وبوادر تحضيرات هنا وأصوات تنادي من هناك وأجساد تحمل الكثير من السلاح والقليل من العقل كلها ترشحها الظروف المنفلتة ويشجعها الفراغ الكبير وأخشى أن نصحى على مجزرة بينية كتلك التي انتجتها ظروف 13 جانفي 1986. كل تلك المآسي حضرت في عدن وغابت احتياجات الناس وضاق المواطن بهمومه المتراكمة وأحلامه المؤجلة. الداخل اليمني يعيش وضعاً تئن منه الحجار فهذه حرب وليست خلافاً في وجهات النظر وهذا حصار وليس حوارا.. منذ سنة وأكثر والشعب اليمني يعاني من غياب الدولة وحضور الميليشيا ومنذ 8 شهور والجماعة الحوثية وصالح يشنون حرباً لا تستثني محرماً ويحتكرون احتياجات الناس الأساسية ويدمرون بنية الدولة كل يوم ومن خلفهم إعلام (رخيص) يرى النتيجة ولا يبحث عن السبب. وتتجلى مصيبتنا أكثر في البحث عن مخارج للطوارئ عبر أزقة العواصم البعيدة خاصة الغربية منها سنوات طويلة ونحن لم نع بعد أننا في نظر الغرب لسنا أكثر من مشكلة أمنية ولن يتداعى لنجدتنا إلا في الجزء الذي يهمه... سنوات ونحن نشتكي من الفساد وسوء الإدارة والإرهاب وضعف الخدمات وعدم تأهيل العمالة ولم يسمعنا أحد وبمجرد وجود مراهق نيجيري اسمه عمر الفاروق عبدالمطلب فشل في محاولة تفجير طائرة أمريكية عشية عيد الميلاد 2008 تداعى العالم كله خلال يوم واحد لبحث المشكلة الأمنية في اليمن.. صحيح تنامى تنظيم القاعدة في اليمن خلال العقد المنصرم لكن يجب الاعتراف أنه ليس أكثر من 20 بالمائة مما سوقه نظام صالح للغرب من أجل ابتزازهم بالإرهاب وتحويل المشكل الأمني إلى تجارة رابحة. لا يمكنني القول الآن أن اليمن قد انفجر ودخل في طريق اللاعودة لكنه سيذهب إليه إذا ما استمر غض الطرف عن جرائم الميليشا الحوثية التي زادت من وجود تنظيم القاعدة ولم تنقصه ثم أن الفقر يأخذ الناس إلى خياراته هو وإلى حيث لا يعلمون ولا يريدون وإذا ذهبنا إلى (طريق اللاعودة) فهناك لا قوانين تضبط ولا عقول تحكم!.