الجنة ونعيمها.. لا يُمكِن لمفردات الكلام التي يَستعملها البشر أن تصِفها أو تعبِّر عنها...ولاتستطيع العقول استيعابها...ولكننا نحاول أن نرسم لها لوحة بديعة من آيات القرآن الكريم ومن أحاديث نبينا الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم)... في أعلى نقطة من الجنَّة تُوجدُ (قنَاديل العَرش) التي تضفي على الجنَّة نورها الساحر المتلألئ وهناك (المَقام العَالي) و(الوسيلة والفضيلة) و(الدَرجة العالية الرفيعَة) التي نسألُ اللهَ تعالى عَقِب كُل أذان أن تكون من نصيب سيدنا محمَّد صلى الله عليه وسلم وهذا المَقام العَالي يَتمَتعُ برُؤية قناديل العَرش واستقبال أنوَارها ويتمتَّع سَاكنه برُؤيَة وجه الرحمن جلَّ وعلا ليس بينهما حجاب وذلك وقتما شاء ويحتوي على أعظم درجات السعادة والرَّفاهية الموجودة في الجنَّة على الإطلاق.. ثم توجد المنطقة الواقعة أدنَى من مقام (الوسيلة). وتُعدُّ أكبر الأحجام الموجودة في الجنَّة وتُسمَّى (الفِرْدَوْس الأعْلَى) وهو الذي أوصانا رسول اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم إذا سألنا اللهَ تعالى شيئاً من الجنَّة أن نسألهُ (الفِرْدَوْس الأعْلَى) لأنَّ فيه أعلى درجات النعيم المُقيم بعد مَقام (الوسيلة).. وعلى جانبي (الفِرْدَوْس) ومن أسفل توجد (الغُرُفات) الأقلُّ حَجما كُلَّما ابتعدنا وتقِلُّ بالتدريج حتَّى نصل إلى سُور (الأعراف) فنجد (الغُرُفات) التي بالكاد حَصَلَ أصحابُها على أقل درجات النجاح ولكنهم على الرغم من ذلك سُعداء لأنهم من أهل الجنة.. وما بين (غُرفات)أهل الجنة تتهادى أغصان وفروع (شجرة طوبَى) في كل أنحاء الجنة ساقها من الذهب الخالص ولأوراقها صوت حفيف أجمل من الموسيقى كما تتهادى أربعة أنواع منَ الأنهار وصفها الله في كتابه: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاء غَيْرِ آسِن وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَن لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْر لَذَّة لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَل مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ) سورة مُحَمَّد. من أسمَاء أحيَاء الجنَّة: الفِرْدَوْس وعَدْن والنَّعِيم والمَأوَى والخُلد. وقد ورد ذكر (غرفات) الجنة في القرآن الكريم خمسُ مَرَّات : في قوله تعالى: (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا) سورة الفرقان وقوله: (وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ) سورة سَبأ وقوله: (لَكِنْ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ) سورة الزُّمَر وقوله: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) سورة العَنكبُوت و(الغرفة) في المُعْجَم: هي المَكان العَالي المُرتفع وهي الطبقة الثانية من الدَّار. وأمَّا في الجنَّة فهي تُعَبِّرُ عن نصيب الفرد من أهل الجنة المؤمنين وهمُ الذينَ يَرثون الجنَّات فميراث الواحد من أهل الجنَّة يُسَمَّى (غُرْفَة). وهذه الغُرْفَة عُبارة عن لؤلؤة واحدة مجوفة في غاية الاتساع وعن حجمها ما ورد في الصحيح عن عبد الله بن مَسعُود أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إنِّي لأعْلمُ آخرَ أهْل النَّار خُرُوجاً مِنهَا وآخر أهْل الجَنَّة دُخُولاً رَجُلٌ يَخرُجُ مِنَ النَّار حَبْواً فيقولُ اللهُ: اذهبْ فادْخُل الجَنَّة فيَأتِيهَا فيُخيَّل إليْهِ أنَّهَا مَلأىَ فيرجعُ فيَقُولُ: يَارَبِّ وجَدْتَهَا مَلأىَ فيقولُ: اذهبْ فادْخُل الجَنَّة فيَأتِيهَا فيُخيَّل إليْهِ أنَّهَا مَلأىَ فيرجعُ فيَقُولُ: يَارَبِّ وجَدْتَهَا مَلأىَ فيقولُ: اذهبْ فادْخُل الجَنَّة فيَأتِيهَا فيُخيَّل إليْهِ أنَّهَا مَلأىَ فيرجعُ فيَقُولُ: يَارَبِّ وجَدْتَهَا مَلأىَ فيقولُ: اذهبْ فادْخُل الجَنَّة فإنَّ لكَ مِثلَ الدُّنيَا وعَشرة أمْثالهَا أو قالَ: أنَّ لكَ عشرَة أمْثال الدُّنيَا فيقُول: تسْخَر مِنِّي أو تضحَك مِنِّي وأنتَ المَلِكْ؟ فلقدْ رَأيْتُ رسُولَ اللهِ ضَحِكَ حتَّى بَدَتْ نواجذُهُ وكانَ يَقُولُ ذاكَ أدْنَى أهْل الجنَّة مَنزلَة).. كما رَوَى أبو عيسى الترمذي والإمام أحمد عن عبد الله بن عُمَر أنَّ رسول اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إنَّ أدْنى أهْل الجَنَّة مَنزلةً لمَن يَنظرُإلى جنَانِه وأزواجهِ ونعِيمِهِ وخَدَمِهِ وَسُرُرهِ مَسِيرة ألف سَنة وأكرَمَهُم على اللهِ مَن يَنظُرُ إلى وجهِهِ غَدْوَةً وعَشِيَّة ثمَّ قرَأ: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذ نَاضِرَةٌ * إلَىَ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) سورة القِيَامَة. وكذلك روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْر و أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرْفَةً يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا فَقَالَ أَبُو مُوسَى الأشْعَرِيُّ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: لِمَنْ أَلاَنَ الْكَلاَمَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَبَاتَ للهِ قَائِمًا وَالنَّاسُ نِيَامٌ). ويروي الإمَامان البخاري ومُسلم والإمام أحمد عن عبد الله بن قيس عن أبيه أنَّ رسول اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِي الْجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَة وَاحِدَة مُجَوَّفَة طُولُهَا سِتُّونَ مِيلاً لِلْمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ الْمُؤْمِنُ فَلاَ يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا).