سيرة عطرة لأبطال الدولة العثمانية السلطان محمد الثالث.. الشاعر المجاهد هو السلطان محمد الثالث بن مراد الثالث بن سليم الثاني بن سليمان القانوني بن سليم الأول بن بايزيد الثاني بن محمد الفاتح بن مراد الثاني بن محمد الأول جلبي بن بايزيد الأول بن مراد الأول بن أورخان غازي بن عثمان بن أرطغل هو الخليفة العثماني الثالث عشر من سلاطين الدولة العثمانية. ولد فِي 7 ذِي الْقعدَة سنة 974ه / 16 ماي سنة 1566م أمه جارية بندقية الأصل اشتراها السلطان مراد الثالث واصطفاها لنفسه. نال السلطان محمد الثالث تعليما جيدا على يد المؤرخ سعد الدين أفندي وكان مولعا بالشعر مثل أجداده واستخدم لقب (عدلي) في أشعاره. وكان السلطان طيب القلب وكثير التأثر بالغير. إصلاحاته جلس محمد الثالث على سرير السلطنة عام 1003ه / 1595م بعد وفاة والده باثني عشر يومًا لأنه كان مقيمًا في مغنيسا. ولم يسلم محمد خان الثالث من الاتهامات التي وجهت إليه كما وجهت إلى من تولى قبله فقد اتهم بقتل تسعة عشر من إخوته وقتل عشر من أخواته كذلك وقيل عشرة من نساء أبيه كلهم حبالى وقد ترددت تلك الفرية لدى بعض كتاب التاريخ العثماني بل ذهب بعضهم أن من دبَّر ذلك هي أمه صفية البندقية!! ولعمر الله كيف يُقدِم رجل على فعل هذه الأعمال الشنيعة ثم يُنزِل الله عليه النصر؟! ولقد اتهم محمد الفاتح بمثل هذا الاتهام من قبل ونال بشارة رسول الله بفتح القسطنطينية فكيف يرتكب هذه الكبيرة ثم ينزل الله عليه النصر؟! إنها روايات ملفقة عن هؤلاء العظام حتى لا يعرف الناس حقيقة جهادهم وما فعلوه لأجل الإسلام والمسلمين. وَفِي أوائل حكم السلطان محمد الثالث سَار على أثر سلفه فِي عدم الْخُرُوج إِلَى الْحَرْب وَترك سياسة الدولة الداخلية فِي أيدي وزرائه الَّذين مِنْهُم سِنَان باشا وجفالة زَاده الجنوي الأَصْل وَآخر يدعى حسن باشا ففسدوا فِي الأرض وَبَاعُوا المناصب الملكية والعسكرية وقللوا عيار العملة حَتَّى علا الضجيج من جَمِيع الْجِهَات وتعاقب انهزام الجيوش العثمانية أمام ميخائيل الفلاحي فضم لسلطانه بمساعدة الجيوش النمساوية وإقليم البغدان وجزءا عَظِيما من ترانسلفانيا لعدم وجود القواد الأكفاء لصدهم. عندئذ قام السلطان محمد الثالث بإصلاح الأحوال المختلفة في داخل السلطنة وعزل بعض رجال الدولة ونصب مكانهم من وجد فيهم الإخلاص والأهلية. قائد معركة هاجوفا أو كرزت ورغم حالة الضعف والتدهور التي كانت قد بدأت تعتري الدولة العثمانية إلا أن راية الجهاد ضد الصليبيين ظلت مرفوعة فقد نشب في عهده العديد من المعارك مع الأفلاق وبغداد ثم الجر والنمسا واستولى على مدينة بوخارست غير أن جيوش الدولة انهزمت في يركوكي. ومما يذكر للسلطان محمد الثالث أنه لما تحقق له أن ضعف الدولة في حروبها بسبب عدم خروج السلاطين وقيادة الجيوش بأنفسهم برز بنفسه وتقلد المركز الذي تركه سليم الثاني ومراد الثالث ألا وهو قيادة عموم الجيوش فسار إلى بلغراد ومنها إلى ميادين الوغى والجهاد. وبمجرد خروجه دبت في الجيوش الحمية الدينية والغيرة العسكرية ففتح قلعة (أرلو الحصينة) التي عجز السلطان سليمان القانوني عن فتحها في سنة 963ه / 1556م ودمر جيوش المجر والنمسا في معركة هاجوفا بسهل كرزت بالقرب من هذه القلعة في ربيع الأول 1004ه / 26 أكتوبر سنة 1596م حتى شبهت هذه الموقعة بواقعة (موهاكز) التي انتصر فيها السلطان سليمان القانوني سنة 932ه / 1526م. غير أن سرعة عودة السلطان إلى إستانبول حال دون الحصول على نتائج ملموسة من ذلك الانتصار مما دفع إبراهيم أفندي -الذي كان حاضرًا في تلك الواقعة أن يقول: (إنه لو أمضت العساكر العثمانية شتاء ذلك العام بالحدود ثم تقدمت في الربيع لكان أمكن افتتاح مدينة فيينا). وبعد هذه المعركة استمرت الحروب دون أن تقع معركة حاسمة]. ثورة قره يازيجي وَفِي ابْتِدَاء الْقرن السَّابِع عشر للميلاد حصلت فِي بِلَاد الأناضول ثورة داخلية كَادَت تكون وخيمة الْعَاقِبَة على الدولة العثمانية خُصُوصا ونيران الحروب مستعر لهيبها على حُدُود المجر والنمسا وَذَلِكَ أن فرقة من الجيوش الْمُؤجرَة ويسمونها بالتركية (علوفه جي) الَّتِي هِيَ بِالنِّسْبَةِ للإنكشارية كنسبة الباشبوزق للجيوش المنتظمة لم تثبت فِي وَاقعَة هاجوفا أو كرزت بل ولت الأدبار وركنت إِلَى الْفِرَار فنفيت إِلَى ولايات آسيا وأُطلق عَلَيْهَا اسْم (فراري) تحقيرا لَهُم وعبرة لغَيرهم. وَهُنَاكَ ادّعى أحْدُ رُؤَسَائِهِمْ واسْمه (قره يازيجي) أن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَهُ منامًا ووعده بالنصر على آل عُثْمَان وَفتح ولايات آسيا فَتَبِعَهُ كثير من هَذِه الفئة وشق عَصا الطَّاعَة وتغلب على وَالِي القرمان وَدخل مَدِينَة عين تَابَ عنْوَة فأرسل السلطان العثماني محمد الثالث إليه الجيوش التي حاصرته فِيهَا وَلما رأى أن لَا مناص لَهُ من التَّسْلِيم أوْ الْمَوْت عرض على الْوَزير المحاصر لَهُ الطَّاعَة للسُّلْطَان بِشَرْط تَعْيِينه واليا لأماسيا فَقبل شَرطه وَرفع عَنهُ الْحصار. لَكِن بِمُجَرَّد ابتعاد الجيوش عَنهُ رفع راية الْعِصْيَان ثَانِيًا واتحد مَعَ أخيه الْمُسَمّى (دُلي حسن) وَالِي بغداد فَاتبع وَسْوَسَة أخيه وَكفر بِنِعْمَة الدولة وجاهر بعصيانها فأرسل السلطان صقللي حسن باشا مَعَ جَيش جرار لمحاربتهما وانتصر على قره يازيجي وألجأه إِلَى الاحتماء بجبال جانق على الْبَحْر الأسود حَيْثُ توفّي من الْجراح الَّتِي أصابته فِي الْحَرْب تَارِكًا أخاه للأخذ بثأره. وفعلا فَازَ الدلي حسن على صقللي حسن باشا وَقَتله على أسوار مَدِينَة توقات ثمَّ هزم وُلَاة ديار بكر وحلب ودمشق وحاصر مَدِينَة كوتاهية فِي سنة1010ه / 1601م واستفحل أمْرَهْ حَتَّى خيفت الْعَاقِبَة. وَلما رأت الدولة تجسم هَذِه النَّازِلَة أخذت فِي اسْتِعْمَال طرق السّلم والتودد فأجزلت إليه العطايا وأغدقت عَلَيْهِ الهبات ثمَّ عرضت عَلَيْهِ ولَايَة بوسنة فَقبل بعد تعللات كَثِيرَة وَوضع السِّلَاح وأعلن بإخلاصه للدولة العثمانية سنة 1012ه / 1603م وسافر بجُنُوده من انْضَمَّ إليها من أخلاط الأكراد وأوباش القرمان وَاسْتعْمل قوته لمحاربة الإفرنج على حُدُود الدولة من جِهَة أوروبا حَتَّى هَلَكت جيوشه عَن آخرهَا فِي المناوشات المستمرة بَينهَا وَبَين عَسَاكِر المجر والنمسا. ثورة الخيالة وأعقبت هَذِه الثورة الْعَظِيمَة ثورة أخرى فِي عاصمة الخلافة الأستانة كَاد شَرها يتَعَدَّى إِلَى نفس الْخَلِيفَة الأعظم وَذَلِكَ أن جنود السباه أَي الخيالة طلبُوا من الدولة أن تعوض عَلَيْهِم مَا فقدوه من ريع الإقطاعات المعطاة لَهُم فِي بِلَاد آسيا الَّتِي كَانُوا يسمونها (تمارا) بِسَبَب فتْنَة قره يازيجي ودلي حسن بآسيا الصُّغْرَى وَلما لم يكن فِي وسع الدولة تَلْبِيَة طَلَبهمْ لنَقص دَخلهَا هِيَ أيضا بِسَبَب هَذِه الْفِتْنَة تمردوا وثاروا وطلبوا نهب مَا فِي الْمَسَاجِد من التحف الذهبية والفضية فاستعانت الدولة عَلَيْهِم بِجُنُود الإنكشارية وأدخلتهم فِي طاعتها بعد سفك الدِّمَاء وَلَو اتَّحد الانكشارية مَعَهم وساعدوهم على مطالبهم لخيف على حَيَاة الدولة من الدَّاخِل وَالْخَارِج. وفاته كانت وفاة السلطان محمد الثالث رحمه الله في نهار الأحد الثامن عشر من رجب سنة 1012ه / 16 ديسمبر سنة 1603م وَخَلفه ابْنه السلطان أحمد الأول ومده حكمه تسع سنين وشهران ويومان وله من العمر 37 سنة ودفن بجوار مسجد آياصوفيا. وكان السلطان محمد الثالث عندما يسمع اسم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقوم إجلالًا واحترامًا لسيد الكائنات ولجهاده وفتوحاته أطلق عليه لقب (أغري) أي فاتح.