بقلم: جمال نصرالله* يرتبط موضوع الفساد بموضوع الأخلاق بشكل رهيب ومبطن...ولولا ذلك ماتفطن العلماء إلى الترويج إلى علم هام يكنى بالاقتصاد والأخلاق..وإذ أشرنا في العنوان بأنهما من بطن واحدة فهذا لا يعني بأنهما من منبع مشترك أو من فصيلين متتابعين يولدان معا كالتوأمان ولكن هما في الأصل يشكلان إجابة ناصعة عن السبب والنتيجة في سياق وآنِ واحد أوحد... فالفساد الذي هو من بحر الاقتصاد الأرعن وغير الموجه سبب تواجده وتألقه يكمن في غياب الثاني؟ لذلك سمي بالعلم البائس بينما الأخلاق هي الفضيلة التي يسعى العقلاء لبلوغها. قال الفيلسوف نيقو ماخوس (إن حياة كسب الأموال حياة نعيشها مرغمين. والثروة بالطبع ليست هي القيم لتحقيقها. فالأموال مفيدة بحسب الغرض منها تحقيق شيء آخر. فإن العمل الشريف الذي ينال استحسانك يعود بالفائدة على حواسك وفكرك). وحتى وأنه هناك معارضين للأفكار النبيلة كهذه ممن يُحسبون على اللبيرالية الأمريكية المتوحشة. كتيموتيتايلون الذي وصف بأن العلاقة بين الاقتصاد والفضيلة غير مجدية بتاتا لأنه يرى بأن الاقتصاد لابد أن يكون حرا ومتفاعلا مع نفسه دونما قيود فكرية أو سياسية وهذا في حد ذاته خطأ. لأنه لابد من ضوابط تحكم هذا العلم الذي يحرك حياة الشعوب ليل نهار؟ أرسطو كذلك كان في منطقة وسطية حين قال لابد من فصل الاقتصاد عن الحياة الهنية المطمئنة والتي كان يُقصد بها الفضائل. لكن التطورات العالمية والتاريخية أوجدت لنا حجم العلاقة بينهما. فصحيح هناك قسط كبير من الحرية يجب أن يسود عالم الاقتصاد ولكن القيم الأخلاقية دائما تكون الرفيق الملازم زيادة عن أنها تصبح هي القاضي والحاكم على مستوى الأول. لانريد أن نغوص كثيرا في بحر الفلسفة الاقتصادية وإنما مرادنا هو أن نسقط هذه الجدلية على واقع جزائري بدا جد سيء في العشريات الأخيرة بسبب عدم وجود كوابح قانونية تحد من تحركات آلاف السماسرة والبارونات ممن تجبّروا وعاثوا فسادا في حق هذا الشعب الأبي فهم لا يفقهون نهائيا بثقافة الخطوط الحمراء فتراهم في رحلة تعبئة مستديمة بغية كسب الثروات يدوسون على كل أخضر ويابس لهدف الوصول نحو غرض واضح. لذلك سميت رحلتهم الشاقة هذه باللاأخلاقية نظيرماتتركه وراءها من قيم سلبية وضحايا كثُر من النواحي المعنوية والإنسانية. وقد وصفهم هنا العالم الشهير ديفيد هنري تورو بالعائشين في عالم يائس هاديء بحجة أنهم يستعملون الحيل والمراوغات عكس الأفراد الآخرين الذين يعتمدون على جدهم العضلي والعملي. الجزائر اليوم ومن خلال خطاب الرئيس ترسم معالم مشروع للقضاء على هذه الظاهرة المستفحلة والمستغّولة بحكم أنها داء أكثر من خطير نهش كل الجسد ولا بد من وضع حد له والغريب أن أسباب تواجد الفساد هو تواجد متعدد المنابع. وتشترك فيه عدة مؤسسات وأجهزة كانت ولازالت من بنات هذه الدولة المغلوبة على أمرها فكيف سيتم ياترى القضاء على رأس الأخطبوط وترك أذرعه المسترسلةالتي تشرب وتستقي من عدة منابع كثيرة. وأغلبية الأمم والشعوب التي مرت بنفس المعضلة وإن كانت أقل حدة عرفت كيف تتخلص منها تدريجيا لا لشيء إلا بفضل إستشارة وإشراك الخبراء والمختصين في صناعة المستقبل لأوطانهم. أما غير هذا فإنه يستحيل الوصول إلى نتيجة كوضع مرصد وطني لرصد المتسببين أو الناشطين في هذا المجال بل الحل يكمن في دسترة بنود قانونية وإجراءات صارمة وردعية تقوم بعملها على أرض الواقع بالأدلة والبراهين القطعية دون إملاءات أو تدخلات وليس فقط الرفع من ذينك الشعار أو هذا؟ لأن الأمم التي تعتمد على إنتاج الشعارات هي أمة خائفة خنوعة. لا تحبذ إلا العيش كالنعام وليس شرطا أن تكون الجزائر مخبر تجريب ثم تقفز نحو تجربة أخرى بل هناك طريق واضحة المعالم وجب السير فيها لأجل الوصول للهدف المنشود لأن الفساد الاقتصادي هو من الفساد السياسي أولا وأخيرا. لذلك وجب النظر بإمعان إلى حال الحراك السياسي عندنا في الداخل خاصة وقياس حجم الأخلاق بها فإذا كانت النتيجة سلبية تطلّب الإسراع في إصلاح الشأن السياسي لأنه القاعدة المثلى لوجود دولة قوية اقتصاديا وسياسيا وكذلك اجتماعيا وتربويا.