الفنان محمد صبحي رفقة مراسل الشروق يسير دوما عكس التيار... اكتسب من عداوته للجبابرة والظلمة حب الملايين من الشعوب العربية، وقف بفنه في وجه المخططات والاعتداءات الأمريكية والصهيونية، فصار الفنان المشاغب الذي لا يقبل التنازل مهما كان حجم الضغوطات، إنه الفنان المصري القدير محمد صبحي، الذي خص "الشروق" بهذا الحوار. * * * = شيء غريب لفت نظري، وهو أن أهم تواريخ حياتك مرتبطة بالحروب... فكيف انعكس ذلك عليك؟ * * - تسبب ذلك في خلق مقاتل يقاتل بفنّه وعقله دون يأس أو استسلام، فقد ولدت في 1948 عام النكبة، ودخلت المدرسة الابتدائية في حرب 56 ، والمدرسة الثانوية في نكسة 67، والتحقت بالمعهد في حرب الاستنزاف، وتزوجت في حرب 73 ، وجاءت لي أول حفيدة في حرب الخليج، حتى أنني أصبحت أتوقع مع كل حرب حدوث أمر هام في حياتي. * * = وكيف كان موقف هذا المقاتل من العدوان الصهيوني على غزة؟ * * - الجرائم البشعة التي نفذها الصهاينة في غزة ليست غريبة على عدو شرس متعطش دائما للدماء. ومرور هذه الجرائم بهذا الشكل ليس إلا دليلا على وقوف أمريكا وراء هذا الكيان للأبد. إذن فكلاهما أعداء لنا وعلى الساسة أن يعلنوا هذه الحقيقة صراحة، ويجهزوا شعوبهم وبلدانهم لصد الاعتداءات التي تطالنا قطرا وراء قطر، بدلا من المعايرات والتنابذ والتطاحن. أما عن الشعوب الغاضبة التي خرجت للشوارع وعبّرت عن سخطها وألمها، فأنا واحد منهم سأحاول بأدائي وفكري نصرتهم ونصرة القضايا العربية حتى آخر لحظة من عمري. * * = وكيف ترى شكل السياسات الأمريكية الخارجية بعد رحيل بوش؟ * * - خلال الثماني سنوات الماضية التي حكم فيها بوش، عاش العالم أسوأ حالاته، حروب، اجتياحات، مجاعات، لقد صبغ بوش الأرض باللون الأحمر، لذلك أظن أن الأحوال ستهدأ بعض الشيء في عهد أوباما، لأنه قال لشعبه إنه ينوي تغيير كل شيء، لكنني لست مفرطا في الاطمئنان، فأوباما رئيس لأمريكا تحركه السياسة الأمريكية، فهو لم يأت ليثأر لدماء الفلسطينيين ولا حتى لإحقاق العدل في الصراع العربي الصهيوني. * * = تصطبغ أعمالك دوما بالطابع السياسي... فهل تحاول ممارسة العمل السياسي من خلال الفن؟ * * - لا توجد حياة بدون سياسة ولا نستطيع مناقشة أي قضية اجتماعية أو اقتصادية دون أن يكون هناك سياسة، وأنا لا أقدم عملا سياسيا ولكن السياسة هي جزء وعامل أساسي في حياتنا اليومية، فعندما أقدم عملا يخاطب العقل لابد أن يكون به سياسة، ولكن عندما أقدم عملا خارج نطاق العقل فهذا يسمى ابتزازا. * * = منذ 07 سنوات تقريبا انحرف مسار أعمالك الفنية ليأخذ أسلوبا أكثر حدة * ، وخلال هذه المدة اتسم هجومك بشراسة ملفتة..، ما سبب ذلك؟ * - الرسالة الحقيقية للفن هي مخاطبة المجتمع وتفنيد همومه وحل مشاكله، فحرصت قبل ذلك التاريخ على قيادة حركة فنية تنويرية، وفي تلك الفترة كنت أتبع أسلوب مناورة أعداء الأمة وتمرير الرسالة بشكل مبطن، أما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر فقد كشف العدو عن وجهه القبيح وافتضحت مخططاته وأطماعه التي أخذ في تطبيقها بالقوة والعدوان، فكان من المنطق أن أكشف أوراقي وأقارعه على المكشوف. * * = بماذا تفسر بعدك عن السينما منذ فترة طويلة؟ * * - السينما أصبحت الآن مشروعا تجاريا لا يرجو إلا الربح فقط، وللأسف تحولت السينما إلى بوتقة فساد تخيّم عليها الشللية بعد أن لفظت بالقيم الفنية، والأمر الذي لا جدال فيه أن السينما باتت سلاحا فتاكا سلمناه لأعدائنا ليقتلونا به، لذلك قررت الابتعاد عن هكذا سينما، إلى أن يأتي الوقت الذي تعود فيه سينما الأخلاق. * * = هل فعلا قررت مقاطعة التلفزيون المصري؟ * * - بالفعل... فلن أتعامل مرة أخرى مع التلفزيون المصري حتى يؤمن المسؤولون فيه بقيمة الفن، بدلا من تحويلهم العمل الفني لسلعة تجارية، والى أن تتوقف زحمة الإشهار التي أفسدت الدراما العربية برمتها، لكنني قررت التفرغ مدة ثلاث سنوات للعمل المسرحي، بدأتها الآن. * * = إذا كان هذا هو السبب الحقيقي للمقاطعة... فما تفسيرك للحصار الذي تتعرض له أعمالك التلفزيونية عند عرضها على الشاشات؟ * * - يحاصرون ويمنعون، لكنهم لم يهزموني ولم يحبطوني، وإن كان ذلك لا يمنعني من التأكيد على أن أي شيء يمس الكيان الصهيوني وأمريكا يتم معاملته على الفضائيات العربية عامة بحساسية شديدة، وفي مصر يسمح بمهاجمة الحكومة المصرية وانتقادها ويمنع المساس بالكيان الصهيوني، حتى أنني أصبحت أشعر. مثلي مثل كل مصري. بالمهانة/ لذلك. ومادمت حيّا. لن أتخلى عن مهاجمة وانتقاد هذا الكيان وأمريكا. * * = هل فعلا وضعت ثروتك كلها رهن العمل الخيري؟ * * - ليست كلها ولكن معظمها، الأهم أني سخرت كل ما أملك من أجل بناء المدينة الفاضلة التي طالما حلم بها أفلاطون، وخصصت 60 في المئة من عائدات هذه المدينة كصدقة جارية. * * = بضاعتك فنية... فهل ترى أن تجارتك مع الله رابحة؟ * * - أتمنى أن يقبلها الله، فعندما أسست »مدينة سنبل للفنون« منذ عدة سنوات ووضعت فيها 17 مليون جنيه وهي كل الأموال التي تحصلت عليها من العمل الفني خلال أكثر من 35 عاما، لم أكن أبغي إلا بناء صرح فني يسخر الفن من أجل خدمة المجتمع وترقية الأمة، من خلال تقديم الأعمال الهادفة والمحترمة التي تنور عقول المشاهدين وتقوي من إيمانهم ووطنيتهم، من أجل ذلك حرصت على تجهيز المدينة واستوديوهاتها بأحدث التقنيات، وألحقتها بمتحف كبير لتوثيق الوثائق الفنية الهامة لتبقى محفوظة للأجيال القادمة، وأتمنى أن تصبح هذه المدينة قلعة للفن المحترم الذي يليق بعروبتنا وإسلامنا. * * = ولكنك اعتدت على تقديم هذا النوع من الفن بدون هذه المدينة، فلمَ الحاجة لتشييدها؟ * * - جميع أعمالي تواجه صعوبات وعراقيل قبيل وأثناء عرضها، وفي كل مرة يكللني الله بالنصر وتصل الأعمال للناس رغم أنف الأعداء، ولكن ذلك يتطلب مجهودا ووقتا أصبحت لا أملكهما الآن، لقد كبرت في السن ولايزال المشوار طويلا، فأردت أن أوفر وقتي، إضافة إلى تأسيس مدرسة راسخة للفن النبيل يسير تلاميذها على نفس الدرب حتى بعد محمد صبحي. * * = حدثني عن مسرحية »خبينا« التي تردّ بها الآن على العدوان الصهيوني وعلى السياسات العربية الراهنة؟ * * - هذا العمل كتبته منذ عامين، وهو إنتاج ضخم يضم 120 ممثلا وممثلة، تقدم بصورة صادمة الصورة التي نعيشها الآن لكنها تبتعد عن همومنا لتتوقع ما سيحدث في عام 2010 وهذا ليس له علاقة بتنظيم كأس العالم في نفس السنة، فسوف نعرض وجهة نظر فيما سيكون عليه العالم خلال السنوات القادمة تماما مثلما كان الحال في »ماما أمريكا«، وبالطبع يؤكد العمل على تكرار العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، لأن هذا الكيان لا يستطيع العيش بدون حرب. * * = هل يعقل أن تسند بطولة عمل كهذا لطفل عمره 05 سنوات؟ * * - هذا الطفل هو أساس المسرحية كلها، لأنه يقوم بكتابة مذكراته عن الأحداث التي سوف تقع في المستقبل مستندا على معطيات من الحاضر، واكتشف الجمهور أن هذا الطفل يعرف أكثر من الكبار، فالعمل يمس كل المعطيات التي حدثت لنا ما بعد »ماما أمريكا«. * * = هل هذا العمل أيضا من تأليفك وإخراجك وتمثيلك؟ * * - نعم... ولكن ليس من باب الاقتصاد في النفقات، كما يتصور البعض، ولا طمعا في أجر المؤلف والمخرج، وكل ما في الأمر أن المسرح هو مجال عملي... درسته وعملت به طوال 35 عاما... واعتقد لو انني قضيت هذه المدة في أي مهنة أخري، مهما كانت متواضعة، لأتقنتها. وما يحدث أنني أحاول نقل أفكاري في عمل فني، إما أن أستعين بمن يشاركني في كتابتها أو أجد في بعض الأحيان أنني غير محتاج لذلك. أما بالنسبة للإخراج، فأنا ألجأ إليه لأنني أصنع تيارا مسرحيا وليس مجرد عرض مسرحي، وعندما تتأمل قائمة عروضي ستجد هناك ترتيبا معينا ومقصودا، وهناك حكمة من كل عرض يأتي بعد سابقه والذي يتابع عروضي بدقة يشعر أن هناك تيارا واضحا وليس مجرد عمل عشوائي أو متخبط، فالمخرج هنا هو مدرس لفن التمثيل والتجريب لذلك تمسكت بأن أقوم بالإخراج لأنه من غير المعقول أن يجرب لي شخص آخر أفكاري. * * = وماذا عن التفاصيل الفنية لهذه المسرحية؟ * * - من خلال اسم »خيبتنا« أقدم دلالات موحية تخص الشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي العربي في الفترة الأخيرة، ويناقش العمل قضية الهندسة الوراثية، حيث تسعى الدول المتقدمة علميا للسيطرة على باقي الشعوب بالوصول إلى جينات تؤثر في طريقة تفكيرها، ويتم إطلاق مواد كيميائية تمثل جينات العرب في أمريكا فيتحول حكامها إلى قادة على الطريقة العربية، ويتعرض العمل للمشاكل التي ستواجه أمتنا في الفترة المقبلة، فهو باختصار رؤية مستقبلية لواقع سنقبل عليه، وهي رؤية مبنية على أحداث حالية. * * = إذن "خيبتنا" ليست إلا جملة من التوقعات السياسية؟ * * - القريبة إلى حد بعيد من الصحة، لكن الأهم أنني أقدمها في هذا الوقت تحديدا بعد تفشي التضليل الإعلامي الرسمي والساسة العرب لشعوبهم، وإظهار الواقع على غير حقيقته، فالمسرحية تحاول أن تبصر الشعوب وتفضح ما هو محجب عن نطاق رؤيتها، وتدفعهم أولا لاكتساب مهارة تحليل وتوقع الأحداث، وثانيا التحصن ومواجهة الأخطار المرتقبة. * * = جلت بمسرحك العالم العربي شرقه وغربه، لكنك لم تحط بالجزائر... لماذا؟ * - إن شاء الله يكتب لمسرحية »خيبتنا« العرض بالجزائر، فالشعب الجزائري البطل الشجاع يستحق كل خير، لكن للأسف لم تسمح الظروف باللقاء به، أنا على أتم الاستعداد لتلبية الدعوة.