بقلم: عميرة أيسر* الإرهاب التَّكفيري الذي تمَّت صناعته في دوائر المُخابرات الغربية منذ عهد النازية عندما استعمل أدولف هتلر الجماعات الدِّينية المتشدِّدة في جمهوريات الاتحاد السوفيتي لضرب استقرار مفاصله وهياكله الكيانية وذلك خلال فترة الحرب العالمية الثانية وقد ذكر الكاتب الألماني شتيفان ماينينغ في كتابه المسمَّى مسجد في ألمانيا-النازيون والاستخبارات - وصعود الإسلام السياسي في الغرب وهو أحد الكتب التي ترصد العلاقة الوثيقة بين صعود الإسلام المتطرف وبداياته كيف تمَّ توظيفه لضرب الاتِّحاد السوفيتي وذلك انطلاقاً من مسجد برلين في ألمانيا والذي وقع تحت سيطرة تنظيم الإخوان المسلمين منذ عهد سعيد رمضان زوج ابنه السيِّد حسن البنا مؤسس التنظيم المذكور وفي سنة 1953تمَّ تأسيس جمعية التجمع الإسلامي في ألمانيا وكانت تضم متطوعين من الجيش الألماني وحركة التطوع السِّياسية وما عرف بوحدة الوقائية (إس إس)ومن ثمَّ قامت وكالة المخابرات الأمريكية المركزية CAI واستفادت من التجربة بعد خسارة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية سنة1945 وذلك عن طريق الضبَّاط والعناصر التَّابعين لجهاز الغيستابو الألماني الذين تمَّ إلقاء القبض عليهم وتخيرهم بين كشف الملفات السِّرية لمخابرات الألمانية وخططها في مقابل حصولهم على الجنسية الأمريكية وتسهيلات مالية هامة والعمل لصالح المخابرات الأمريكية والتي كانت حتىَّ ذلك الوقت في طور التشكل إذ لم تخرج إلى العلن رسمياً إلاَّ في عهد الرئيس الأمريكي هاري ترومان عندما أمضي مرسوماً بموجب قانون الأمن الوطني لتحل محل مكتب الخدمات الإستراتيجية الذي أسَّسه الرئيس فرانكلين روزفلت وذلك تحت ضغط الاستخبارات العسكرية ومكتب التحقيقات الفدرالية وأسَّس بموجب نفس القانون منصب مدير الاستخبارات المركزية ليكون رئيس أجهزة الاستخبارات في أمريكا والمستشار الأول لرئيس الأمريكي لشؤون الاستخبارات المتَّصلة بالأمن القومي بالإضافة إلى وكالة الاستخبارات المركزية وتمَّ تعديله سنة 2004 بموجب قانون إصلاح الاستخبارات ومنع الإرهاب وتمَّ خلقُ ما يسمىَّ بمدير الاستخبارات الوطنية واتبعت الولاياتالمتحدةالأمريكية وأنظمتها الاستخباراتية والأمنية واعتماداً على دراسات وبحوث أكاديمية ومراكز بحثية إستراتيجية أمريكية تعني بوضع الخطط والتكتيكات من أجلِ اختراق الجماعات الإسلامية وزرع عملاء بها لضرب توجهاتها وأفكارها وجعلها في خدمة الأجندات الأمريكية الغربية وخدمة مشاريعها في الشَّرق الأوسط والذي يعتبر منطقة مركزية في التفكير الاستراتيجي والسِّياسي وحتىَّ الديني الغربي. من هنا كانت البداية - منذ عهد الإمبراطورية اليونانية عندما قام الإسكندر المقدوني بغزو مناطقه من سوريا ولبنان حتى الإسكندرية المصرية مروراً بالغزو الروماني وتقاسم النفوذ مع دولة الفرس وتأسيس ممالك عربية كالغساسنة والمناذرة والمرتبطة بهما إلى الغزو الصليبي لسًّيطرة على القدس وخطوط التجارة العالمية التي تتقاطع وتمر من منطقة الشرق الأوسط إلى الاستعمار الفرنسي والبريطاني وقبله الحملات الأوروبية بداية من الغزو البحري الهولندي والبرتغالي وصولاً إلى الدُّول المذكورة وليس انتهاء بالسَّيطرة الأمريكية على الكثير من دوله سواءً عن طريق زرع أنظمة عميلة مرتبطة بها أو عن طريق القواعد العسكرية والسَّيطرة الاقتصادية واشتد الصِّراع المصلحي الحيوي على منطقتنا أثناء الحرب الباردة.أين شهدت عدَّة أزمات كبرى سياسية واقتصادية وإيديولوجية نتج عنها حروب ونزاعات وانقلابات عسكرية دموية وغذتها حركات رجعية دينية تكفيرية متطرفة مدعومة خليجياً وغربياً فالدور الذي قامت به بعض الحكومات العربية في تمويل اغتيال زعماء عرب ناهضوا خطها السِّياسي أو مصالحها القطرية والإقليمية كالرئيس أنور السًّادات والذي تمَّ اغتياله من طرف حركة مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين المصرية وبدعم استخباراتي عربي وغربي بعد توقيعه لاتفاقية كامب ديفيد مع الصهاينة في 17سبتمبرسنة1978 فالدَّعم الغربي الاستخباراتي والذي تعتبر دولة الكيان الصهيوني وجهاز الموساد أحد منفذي سياساته في اختراقه لهذه الجماعات وتوجيهها فكرياً ودعما بالمال والسِّلاح وقد ظهر هذا الدَّور منذ نهاية الثمانيات من القرن المنصرم وأصبح ظاهراً للعيان بعد أحداث الربيع العبري وخاصة في دول كليبيا وسوريا فالإرهاب التكفيري المدعوم غربياً والذي بدأت أهم فصوله في أفغانستان عند الغزو السُّوفيتي ومحاولة أمريكا وحلفائها من الأنظمة العربية إسقاط المدِّ الشيوعي واستخدموا أجهزتهم المُخابراتية والمالية والدينية من أجلِ دعم المقاتلين الأفغان وفصائل النزاع الأفغانية المتقاتلة على الدَّوام مثل الطاجيك والباشتون وتأسيس مجموعة المُقاتلين العرب بزعامة الشيخ عبد الله عزام رحمه الله والذي تشير أصابع الاتهام في عملية اغتياله صراحة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية وساهم الخطاب الدِّيني المتطرف والدَّعم المستمر في خلق ما عرف لاحقاً بتنظيم القاعدة اعتماداً على المال الخليجي وبمساعدة واضحة من المخابرات الباكستانية ومكتب بيشاور لتجنيد الشباب المتطوع وعمل عملية غسيل دماغ لهم واستعطاف الجماهير العربية إذ بلغ مقدار الأموال التي حصل عليه المجاهدون العرب وتنظيم القاعدة بفضل الإعلام العربي الموجَّه والمدعوم خليجياً بأكثر من200مليون دولار إضافةً إلى المساعدات الطّبية والصحة وغيرها والوثائق التي أبرزها موقع ويكليكس والعميل السَّابق في منظمة الأمن القومي الأمريكي ادوارد سنودن تظهر علاقة بن لادن بالمخابرات الأمريكية تدريباً وتمويلاً وحتىَّ نائبه أيمن الظواهري كان محسوباً على جهاز المخابرات السوفيتية وكانت مهمَّته عرقلة خطط الأمريكان داخلها وهذا ما كشف عنه Alexander litvinenko الذي كان عقيداً في المخابرات الفيدرالية الروسية FSB إذ أكد بأنَّ هناك عدداً من قيادات التنظيم تمَّ تدريبهم في داغستان ومنهم الظواهري الزعيم الحالي لها العقيد Alexander litvinenko الذي تمَّ اغتاليه من طرف عملاء تابعين لروسيا بعد أخر حديث أجرته معه قناة بي بي سي البريطانية وكانت وصيته أنْ يدفن في مقابر المسلمين لأنه اسلم ويخفى ذلك عن عائلته. مصالح متشابكة -فالمُخابرات الأمريكية والغربية التي زادت من حجم الدَّعم والمُساندة لهذه الجماعات المتطرفة وذلك بالتحالف مع أنظمة عربية رجعية كان من مصلحتها تنمية التيَّارات الدينية التكفيرية في البلدان العربية من أجلِ فرض سيطرتها الأمنية والعسكرية أكثر على مجتمعاتها وتقليم أظافر المعارضة السِّياسية وتيارات الإسلام السياسي المعتدلة التي تنبذُ العنف والتطرف وتتبنى الديمقراطية والتداول السِّلمي على السُّلطة وتحمل نظرة إصلاحية تنموية تحديثية لمجتمع كما يقول قادتها وأنصار المشروع الدِّيني المعتدل وبعد أحداث سبتمبر2001 وغزو العراقوأفغانستان خلقت تنظيمات جهادية تكفيرية أسوءَ من التي تمَّت صناعتها في مصر والجزائر واليمن سنوات التسعينات وكانت أشدَّ فتكاً ودموية وتطرفاً وساهمت في زيادة مستوى الحقد والكره للإسلام في أوروبا ودول العالم الغربي وكانت الأوامر التي أعطيت لها أن تقوم بتنفيذ هجمات إرهابية وذلك بتسهيلات غربية في دول كفرنسا وانجلترا وبلجيكا حتى يتمَّ إيهام الرأي العام العالمي بأنه يجب التدخُّل عسكرياً في البلدان العربية لقضاء عليها وانطلت الحيلة على الكثير حتىَّ من النخب العربية المثقفة وصناع القرار فالجنرال الأمريكي ويسلي كلارك وبعده جون بايدن نائب الرئيس الأمريكي وقبلهما مادلين أولبرايت أكدوا بأنّ الغرب وأمريكا تحديداً كانوا مسئولين بطريقة أو بأخرى عن نشوء هذه الحركات وقاموا بتوظيفهاً سياسياً واستراتيجياً لخدمة الأهداف والمصالح الغربية فتنظيم داعش الإرهابي والذي يعتبر النسخة المحدَّثة والمطورة من القاعدة صنيعتهم ولا ريب فالسيد دانيال ماك آدامز في أحد حواراته لصَّحافة الأمريكية باعتباره رئيس معهد ران بال- الأمريكي لسلام أكَّد على الدعم أمريكا لداعش لوجستياً وأمنياً وذلك لزعزعة الأمن في منطقة الشَّرق الأوسط لاسيما في سوريا لتحقيق أهدافها الطويلة الأمد هناك ومنها الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد وأيًّد وجهة نظره هذه الكاتب الأمريكي مايكل تشوسودوفسكي صاحب الكتاب الأكثر مبيعاً في أمريكا والذي سمَّاه حرب أمريكا على الإرهاب واعتبر فيه بأنَّ أحداث سبتمبر2011كانت النقطة الجيواستراتيجية التي لعبت أمريكا وعزفت على أوتارها كثيراً لإقناع العالم بجدوى حربها على الإرهاب وبأنَّ ملابسات ما يحدث من تغيرات إستراتيجية في المنطقة تشير إلى دعم أمريكا عن طريق جهاز الاستخبارات المركزية لتنظيم القاعدة فصناعتها لم تكن إلا عملية استخباراتية لتبرير غزو أفغانستان سنة2001والعراق سنة2003 فالغرب الذي يعتبر بأنَّ هناك دولاً وجماعات تهدِّد استمراره كفكر ليبرالي حضاري عولمي مسيطر كإيران وحزب الله وسوريا يجب أن يفعل كل ما يستطيع ليتخلص من كل هؤلاء وكل من يعارض هيمنته ونفوذه وتوجهاته المادِّية الأنانية المتوحشة فالقيم الأمنية التي تحكم تعاملاته مع الآخرين تحتِّم عليه دعم الجماعات الإرهابية لتحقيق مصالحه وهذا ما أشار إليه الصحفي الأمريكي سيمون هارش والذي يرى بأنَّ السِّياسة الأمريكية قد تغيَّرت في العقدين الأخيرين في منطقة الشَّرق الأوسط وذلك لضمان مصالحها الجيواستراتيجية لمواجهة من تعتبرهم أعداء وقامت بدعم التطرُّف والإرهاب وبالتالي فالغرب بما يمتلكه من وسائل إعلام عالمية واقتصاديات هائلة هي في مرحلة الانكماش والركود وتقدم علمي ومعرفي يحاول فرض قيمه بالقوة وتشويه الدِّين الإسلامي عن طريق خلق منظمات تكفيرية إرهابية وإلصاقها به وبكل دوله العربية وذلك من خلال دعم الفكر الوهَّابي السلفي المتطرف الذي يكفر المجتمعات العربية والإسلامية ولا مانع عنده في التحالف مع الشَّيطان الأعظم حتىَّ ولو كان واشنطن في سبيل الوصول إلى السُّلطة وتحقيق أهدافه الظلامية التي لا تخدم إلاَّ أجهزة المخابرات الغربية في النهاية وأهدافها.