قد يكون من السّهل اليسير على الشعوب بناء كيان إداري، لكن من الصعوبة بمكان أن تبني سلطة ودولة لا تزول بزوال الطبقة الحاكمة أو الدعاة الأوائل الذين تنادوا للاستقلال وبناء دولة تضاهي دول العالم في العدل والمساواة وإعطاء فرص الحياة والبناء والمساهمة على قدم المساواة بين جميع أفرادها دون تحيّز لطائفة أو جهة أو منطقة· وقد كان هذا سببا في تعمير الدول ورفاهية الشعوب وتكاتفها وتعاونها فيما بينها دون خلفية، وكان هذا أيضا سببا رئيسا في قوّة اقتصاد دول أوروبا الغربية وجنوب شرق آسيا التي أصبحت اليوم مضرب الأمثال في التعاون وفي التفوّق العلمي والتقدّم الاجتماعي من جميع جوانبه، زيادة على الاستقرار والسلم والتفرّغ للبحث العلمي والابتكار في جميع قضايا التي تهمّ شعوب هذه المجتمعات البشرية التي عرفت أن أهمّ مهمّة في الحياة هي بناء دولهم والمحافظة على ديمومتها دون أن تعمل ما يمكن أن يعكّر الأجواء بينها وبين الجماهير الواسعة المتواجدة على ترابها، وهذا في حدّ ذاته ميثاق شرف وعقد موثّق بين جميع كياناتها لا ينقضه أحد مهما كانت درجة الخلافات بين أفرادها والسلطة الحاكمة· من جهة أخرى، قد يقول قائل إن دولنا حديثة وأن السلطة فيها غير مستقرّة ويعترضها بين الحين والآخر تنازع وتوتّر في العلاقة بينها وبين المعارضة التي تطمح هي الأخرى إلى الوصول إلى السلطة، وهذا حقّ مشروع كفلته الدساتير والمواثيق، لكن بشرط أن يكون ذلك عن طريق التغيير السلمي الديمقراطي الذي يعني الوصول عن طريق صناديق الانتخابات وهو السبيل الوحيد وليس هناك من طريق غيره وإلاّ دخلت الدولة مهما كان حجمها أو قوّة سلطتها السياسية والعسكرية في دوّامة من الصراعات التي لا تنتهي، وقد تعصف بالدولة الوطنية نفسا، وبالتالي تذهب ريحها وجهود من قام عليها وقدّم قطرة دم أو عرق أدراج الرياح· وهذا أعتقد ما لا يرضاه أحد من العقلاء، سواء كان في السلطة أو المعارضة، وهو ما ندعو إليه ونكرّر من أجله النّداء·