حنان قرقاش الجريمة الإلكترونية، واحدة من الظواهر التي قد وجدت لها مكانا في المجتمع الجزائري، بعد أن طغت وسائل الاتصال الحديثة وعلى رأسها الأنترنت على نواح عديدة من حياتنا الاجتماعية، ولم ينحصر الأمر في الجرائم الاقتصادية فحسب، إنما تعداه أيضا إلى بعض الجرائم الأخلاقية التي تعتبر مشكلة قائمة بذاتها تنخر مجتمعنا، بدليل القضايا الأخلاقية الكثيرة والمتنوعة التي يتم الكشف عنها كل يوم، سواء من طرف مصالح الأمن، أو ملفات القضايا المطروحة أمام العديد من المحاكم والمجالس القضائية بمختلف مناطق الوطن· ولا تزال قضايا استدراج واختطاف القصر أو الاعتداء عليهم، سواء جسديا أم جنسيا، كابوسا يؤرق الكثير من العائلات الجزائرية، التي صارت تخشى على أبنائها تركهم بمفردهم في الشوارع، واضطر البعض إلى التكفل بمهمة إيصال وإعادة أبنائه من وإلى مدارسهم، وربما لا يهدأ لتلك العائلات بال، إلا عندما تعلم أن أبناءها أمامها في البيت أو في أماكن قريبة جدا وآمنة في الحي، كأسفل العمارة أو المساحات الخضراء القريبة من الحي، أو حتى محلات الأنترنت، في هذه النقطة بالذات، فإن كثيرا من الأولياء للأسف الشديد، لا زالوا لم يدركوا بعد المخاطر الكبيرة التي تتربص بأبنائهم المتمتعين بحرية مطلقة أحيانا في الولوج إلى الشبكة العنكبوتية سواء من البيت أو من محلات السيبر كافيه، ويعتقدون أن مكمن الخطورة ينحصر فقط في المواقع الإباحية أو مواقع العنف والإرهاب التي تعتبر بالنسبة للكثير من الأولياء المصدر الأكبر للخطر المتربص بأبنائهم خلف شاشات الكمبيوتر، غير أن الواقع حاليا، يثبت أن هنالك أيضا ذئابا بشرية، لا تختفي داخل سيارات داكنة اللون، ولا بين الزوايا المظلمة للشوارع، ولا تحتاج إلى استعمال أسلحة بيضاء ولا غيره، بل أن كل ما تحتاج إليه هو جهاز كمبيوتر موصول بشبكة الأنترنت، والدخول إلى مواقع الدردشة المختلفة، واختيار الضحايا بعناية فائقة، وتركيز مجال البحث على القصر من الجنسين، هذا بالضبط ما كشف عنه ملف قضية مطروحة حاليا أمام محكمة جنايات العاصمة، تورط فيها 4 أشخاص في العقد الثالث من العمر، وراح ضحيتها قاصر في السابعة عشر، أما تفاصيل القضية فهي تتحدث عن قيام المتهمين باستدراج الفتى القاصر عبر أحد مواقع الدردشة، ومحاولة اختطافه بعد ذلك، وقد تم استدراج الفتى القاصر من خلال اسم رسالة إلكترونية من فتاة تطلب التعارف، فواصل الحديث معها- اعتقادا منه بأنها فتاة فعلا- قبل أن يحدد له المتهمون موعدا للقاء، انتهى بمحاولة اعتداء عليه، فيما حاول المتهمون بشدة إنكار التهم المنسوبة إليهم· ولا تعد هذه المرة الأولى التي يتعرض إليها الأطفال والقصر إلى الاستدراج عبر الأنترنت، ومحاولات الاعتداء بعد ذلك بل إن المختصين دقوا فعلا ناقوس الخطر داعين الأولياء بالدرجة الأولى إلى ضرورة الانتباه ومراقبة أبنائهم أثناء تصفحهم الشبكة العنكبوتية، وبصفة خاصة أثناء دخولهم مواقع الدردشة المختلفة، وإن كانت الجرائم الإلكترونية متعددة ومتنوعة، كجرائم اختراق الحواسيب ومراكز المعلومات بهدف الوصول للبيانات بشكل غير قانوني والاطلاع عليها أو التلاعب بها، وجرائم التشهير وتشويه السمعة في المواقع الإلكترونية والإخبارية وكذا جرائم انتحال شخصية فرد أو شركة بهدف الاحتيال والسطو على أرقام البطاقات الائتمانية، فإن جرائم التغرير والاستدراج تبقى من أكثر الجرائم الإلكترونية انتشارا خاصة بين أوساط صغار السنّ والقصر والفتيات من مستخدمي الشبكة العنكبوتية، وهي تقوم على عنصر الإيهام، حيث يوهم المجرمون ضحاياهم برغبتهم في تكوين علاقة صداقة على الإنترنت والتي قد تتطور إلى التقاء مادي بين الطرفين، وهذه الجرائم لا تعرف الحدود ولا يمكن حصرها أو ردعها لأنها ترتكب بشكل متزايد ودون أي حدود سياسية أو اجتماعية، ويستطيع كلّ مراسل أو محاور عبر الشبكة ارتكابها بكل سهولة وكذلك يقع ضحيتها أي مستخدم حسن النية من ذوي طالبي التعارف وإقامة العلاقات عبر الشبكة ومن ثم خارجها· وغالبا لا يتم الإبلاغ عن معظم حالات التغرير والاستدراج لأن معظم ضحاياها هم من صغار السنّ الذين لا يدركون المعنى القانوني للتغرير والاستدراج· تجدر الإشارة إلى أن الجزائر قد قامت بدراسة سبل وكيفيات محاربة الجريمة الإلكترونية بأنواعها المختلفة، من خلال وضع أدوات قانونية ضرورية وإطلاق حملة تحسيسية حول هذه الآفة· وقال مختصون جزائريون في هذا الإطار، إن مكافحة الجريمة الإلكترونية في الجزائر تتكثف وتتوسع أكثر فأكثر من خلال إطلاق مشاريع إنشاء أجهزة قانونية للوقاية ومكافحة الجريمة الإلكترونية المرتبطة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال·