بقلم: رشاد أبو داود* بين تساؤل غسان كنفاني لماذا لم يدقوا الخزان؟! وبين سؤال محمود درويش لأبيه لماذا تركت الحصان وحيداً يا أبي؟! تكمن الحكاية. الحكاية التي بدأت ولم تنته. فالطريق طال والخيول هرمت والبوصلة تاهت. كيف تمحو إسرائيل من ذاكرة الفلسطيني العجوز المهاجر صوت العتابا والميجنا والأرغول ودبكة الفلاحين تحت قمر الحصادين؟ يتوارثون جيلاً بعد جيل الزيت والزعتر وشموخ الجبل وشعلة الأمل. ويظل سؤال الطفل اللاجئ البريء لماذا تركت الحصان وحيداً يا أبي؟ لكي يؤنس البيت يا ولدي فالبيوت تموت إذا غاب سكانها إلى أين تأخذني يا أبي؟ إلى جهة الريح يا ولدي! الريح لم تهدأ. صارت عواصف وأعاصير. اجتثت الشجر عدا تلك الأشجار التي ينقلها الفلسطيني من مخيم إلى مخيم ومن منفى إلى منفى. يأكل ثمرها ويتفيأ ظلها من حر الغربة. مشوا إلى حيث تدفعهم أقدامهم. لا شيء يدفئهم سوى أنفاسهم ولا يقيهم جموح الشمس إلا ظلالهم. أفضل وأصدق من وصف تلك المرحلة من رحلة الشتات الفلسطيني غسان كنفاني في روايته رجال تحت الشمس التي أبطالها ثلاثة فلسطينيين لكلّ منهم سبب للهروب من واقعه. أبو قيس فقد وطنه ويعيش مشرداً من مخيم إلى مخيم يحلم بالعودة إلى فلسطين لكنه لا يعرف كيف. أسعد مناضل يهرب من الطغيان بحثاً عن الحرية. ومروان يغادر هرباً من مسؤولية إعالة عائلته. ثم سائق الشاحنة أبوالخيزران (القائد) الذي لا همّ له سوى الحصول على المال بأي طريقة. يغادر الجميع البصرة متّجهين إلى الكويت في لهيب الصحراء التي لا ترحم. ويدور حوار بين الثلاثة المختبئين في خزان الشاحنة. حوار في السياسة وفي أسباب الفرار. ونقاش في كيفية التخلّص من حالة الاختناق في الشاحنة يتحوّل إلى هذيان. لكنّ أياً منهم لا يجرؤ على دقّ جدار الخزان فيموتون مفضِّلين هذه النهاية على مواجهة السلطة المتمثّلة في حرس الحدود. هي الرواية ذاتها تتكرر أمام أعيننا. لكنها ليست نابعة من خيال كاتب. وليست مجرد رمز لتشرّد شعب فلسطين ولجوئه إلى البلدان المجاورة هرباً من المستوطنين اليهود بل صور ناس من لحم ودم تعرضها شاشات التلفزيون. أطفال وشيوخ ونساء يهربون من أوطانهم خوفاً من طغاة يقتلون لمجرد القتل مرة باسم الدين ومرة باسم الوطنية. مجتمعات بكاملها تحولت إلى تجارة الموت. لاحقاً وفي تلك البقعة من شمال الخليج وكان الوطن العربي وقتها من المحيط إلى الخليج انطلقت واحدة من أنبل الثورات في التاريخ المعاصر. مهندس ومجموعة من رفاقه قرروا أن يبدأوا من ساحل الصليبخات خطوة رحلة الألف ميل إلى وطنهم فلسطين. ويفتحوا أمام شعبهم الطريق الصحراوي الطويل إلى بحر يافا وحيفا وعكا. إلا أن الطريق امتلأ بالألغام السياسية والعسكرية وبعد آلاف الشهداء والجرحى والأسرى تعرج واعوجّ ووقع في فخ أوسلو. صدّقوا مقولة سلام الشجعان والحياة مفاوضات وخيّل لهم أن الدولة قاب جلسة أو أدنى. نسوا لقصر نظر أو تعب نفس أن من اقتلعهم من أرضهم ومن مخططه من النيل إلى الفرات يمكن أن يسمح لهم بإقامة دولة على أرض زرعها بالمستوطنين. لكن القضية لا تموت. وثمة من يدق جدران خزانها. في الأسبوع الماضي أصبح اسم رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم ثاني اسم في موقع تويتر على مستوى العالم حيث احتفى المغردون بكلمته القوية ضد ممثل الاحتلال الإسرائيلي في مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي. حيث قال الغانم مخاطباً الوفد الإسرائيلي في المؤتمر البرلماني الدولي في سانت بطرسبرغ في روسيا: أقول له في هذه الثواني ينطبق عليه المثل المعروف عالمياً (إن لم تستحِ فافعل ما شئت) عليك أن تحمل حقائبك وتخرج من هذه القاعة بعد أن رأيت ردة الفعل من كل البرلمانات الشريفة في العالم. وتابع: اخرج الآن من القاعة إن كان لديك ذرة من الكرامة يا محتل يا قاتل الأطفال. الغانم رجل من الخليج العربي قال الحقيقة واتخذ موقفاً مشرفاً لكل العرب من المحيط إلى الخليج.