شهدت السنوات الأخيرة تحوّلًا ملحوظًا في الدراما الرمضانية، حيث أصبحت مشاركة صنّاع المحتوى أو "المؤثّرين" على منصات التواصل الاجتماعي، جزءاً أساسياً من المشهد الفني، ما أثار العديد من التساؤلات حول تأثيرهم على مستوى الأداء الفني، وجودة الإنتاج. فقد أصبح حضور هؤلاء الشخصيات في الأعمال الدرامية ظاهرة واضحة، الأمر الذي يعكس تزايد دور المنصات الرقمية في تحديد اختيارات الممثلين، والمشاركة في صناعة المحتوى. يسعى المنتجون إلى استثمار شهرة هؤلاء المؤثرين لزيادة جاذبية الأعمال الدرامية، وجذب جمهور واسع من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي. ولكن من جهة أخرى، يبرز تحدٍّ واضح في مستوى الأداء الفني لهؤلاء المؤثّرين، حيث يعاني العديد منهم من افتقار للتكوين الأكاديمي والتدريب الفني الذي ينعكس سلبا على قدرتهم في تقمّص الشخصيات، وتجسيد الأبعاد النفسية والدرامية المطلوبة. الحذر من تحوّل التمثيل إلى أداة تسويقية في هذا السياق، ترى الناقدة الفنية ابتسام بودريس، أنّ أداء المؤثرين في الدراما الرمضانية هذا الموسم، يشهد تفاوتا واضحا، فبينما هناك محاولات جادة من بعضهم لكنّها تفتقر إلى النضج الفني، هناك تجارب أخرى لم تضف أيّ قيمة درامية تُذكر، مشيرة إلى أنّ بعض المؤثرين يفتقرون إلى التكوين الدرامي، ويعتمدون على تعبيرات سطحية ونمطية، ما يجعل الأداء أقرب إلى الاستعراض منه إلى التقمص الفني. كما استشهدت بتجربة نوران حريد في "التابعة"، التي قدّمت شخصية تتطلّب بعداً نفسياً معقّداً، إلاّ أنّ أداءها افتقر إلى العمق العاطفي، حيث ظهرت على أنّها تعتمد على تعابير نمطية دون استبطان داخلي للحالة الدرامية. وتعتقد بودريس أنّ هناك تفاوتا في مستويات أداء المؤثرات هذا الموسم بين محاولات جادة لكنّها غير ناضجة، وبين تجارب لم تضف أيّ قيمة درامية تُذكر؛ على سبيل المثال هناء منصور في "سيد الرجال"، اكتفت بإبراز حضورها الجمالي دون تقديم أداء درامي متكامل، ما جعل شخصيتها تفتقر إلى المصداقية والتفاعل الحقيقي مع بقية الشخصيات. ومونيا بن فغول في "اللي فات مات"، رغم أنّها أظهرت تحكماً أفضل في بعض المشاهد، إلاّ أنّها لم تستطع الحفاظ على استمرارية الأداء، حيث وقعت في فخ المبالغة في التعبير، ما أضعف مصداقية الشخصية، وأفقد المشاهد حالة التعاطف المطلوبة. ونوميديا لزول في "الأرض"، إذ كان اختيارها لهذا الدور خطوة جريئة، خاصة أنّ المسلسل يتناول مواضيع ذات بعد اجتماعي وإنساني عميق. ومع ذلك لم تتمكّن من تقديم أداء متّزن، حيث اعتمدت في بعض المشاهد، على المبالغة في التعبير العاطفي، ما جعل أداءها يبدو مفتعلًا بدلًا من أن يكون طبيعياً وتلقائياً. وأكّدت المتحدثة أن التمثيل ليس مجرّد تواجد أمام الكاميرا، بل هو عملية إبداعية تتطلّب مهارات خاصة، من بينها القدرة على التقمّص، والتحكّم في تعابير الجسد والصوت، واستيعاب البنية الدرامية للشخصية. هذه العوامل غالبا ما تغيب عن أداء المؤثّرات، اللواتي يفتقر معظمهن إلى تكوين درامي، ما يجعل الأداء أقرب إلى الاستعراض منه إلى التقمّص الفني. وحذّرت بودريس من أنّ استمرار هذه الظاهرة دون ضبط فني، قد يؤثر على مستوى الدراما بشكل عام، حيث يتحوّل التمثيل إلى أداة تسويقية أكثر منه عملية فنية قائمة على الإبداع. ومع ذلك لا يعني هذا أنّ دخول المؤثرات المجال الدرامي مرفوض بالمطلق، بل إنّ نجاحهن يعتمد على مدى استعدادهن للخضوع لتكوين أكاديمي، والتعامل مع التمثيل كحرفة تحتاج إلى دراسة، وممارسة جادة. وأضافت أنّ مشاركة المؤثرات والمؤثرين في الدراما الرمضانية، تبقى سيفاً ذا حدين؛ فمن جهة، هي وسيلة تجارية لجذب جمهور رقمي واسع، لكنّها من جهة أخرى، قد تساهم في تراجع المعايير الفنية إذا لم يتم تأطيرها ضمن رؤية درامية واضحة. مستقبل الدراما الجزائرية مرهون ليس فقط بحجم الإنتاج، بل بمدى احترامها قواعد التمثيل الاحترافي بعيداً عن منطق الشهرة الرقمية، الذي قد يُفقد الدراما جوهرها الإبداعي. لا تطوّر في الأداء من جانبه، أعرب الناقد الفني سمير رابح، عن اعتراضه على تسميتهم ب"المؤثّرين"، حيث يرى أنّ من الأفضل تسميتهم بصنّاع المحتوى، خاصة أولئك الذين يقدّمون محتوى في مجال محدّد، أو ببساطة "المشاهير" على منصات التواصل الاجتماعي. وأضاف أنّ علاقتهم بالدراما ليست جديدة، فقد شهدت الدراما التلفزيونية عبر تاريخها، إشراك وجوه من خارج دائرة التمثيل، مثل الإعلاميين والرياضيين وأشخاص من مجالات أخرى. إلاّ أنّ حضورهم في الأعمال الدرامية في السنوات الأخيرة بما في ذلك هذا العام، كان "باهتًا" إلى حدّ كبير، حيث يلاحظ الناقد عدم وجود أيّ تطوّر ملحوظ في أدائهم. ويرى رابح أنّ هؤلاء المؤثّرين غالبا ما يقدّمون شخصيات سطحية وبسيطة، ما يظهر في إشكالات تشخيصية واضحة، سواء في مستوى الأداء النطقي، أو فهم تركيب الشخصية. ويؤكّد أنّ هؤلاء الأشخاص يعانون من ضعف في التفاعل والاستجابة خلال علاقاتهم التمثيلية مع الممثلين الآخرين، إضافة إلى افتقارهم لفهم أبعاد الشخصية النفسية بعمق. ويرجع هذا إلى نقص التدريب والممارسة، فضلاً عن رفض البعض منهم تلقّي التكوين الأكاديمي المطلوب. فشهرتهم المكتسبة من خلال الفيديوهات القصيرة على منصات التواصل الاجتماعي، لا تترجَم، بالضرورة، إلى قدرة على تقديم أداء درامي مميز، بل تقتصر على منحهم حقّ الانتشار على المواقع. ومن هنا يشير رابح إلى أنّ مجال التمثيل يتطلّب احترافية حقيقية، وهو ليس مجرّد موهبة أو شهرة رقمية، بل يتطلّب تدريباً أكاديمياً، أو على الأقل دورات مكثّفة في التمثيل مع أساتذة مختصين. ويؤكّد الناقد أن حضور هؤلاء في الأعمال الدرامية حاليا، يقتصر على الدواعي التسويقية التي تفرضها الجهات المموّلة بهدف الإشهار، ما ينعكس سلبا على جودة الأعمال الدرامية. وفي ما يخصّ تجربتها هذا العام، يعتقد سمير رابح أنّ نوران حريد في مسلسل "التابعة"، بذلت جهداً تشخيصياً مقبولًا، خاصة في أوّل تجربة لها بجانب أسماء مهمة؛ مثل جميلة عراس والعمري كعوان. ومع ذلك لايزال يصرّ على أنّ الموهبة وحدها لا تكفي لصناعة ممثل حقيقي، بل هي بمثابة أساس غير كافٍ. فالتمثيل يتطلّب فهماً عميقًا للدراما، وأبعادها، وضوابطها، وهو ما لا يمكن أن يتحقّق دون تكوين أكاديمي متواصل واحترافي.