أصبح استعراض الحياة الخاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ظاهرة تهدد سلامة وقيم المجتمع. تلك الموضة التي ينتهجها البعض خاصة من النسوة تحت مسمى التأثير الاجتماعي، باتت تسيء وبشكل كبير للحياة الخاصة للعائلات الجزائرية، إلى درجة تهدد وحدتها، وتعرّضها لمشاكل عديدة. وقد حذّر خبراء الاجتماع منها، خاصة في وقت تحولت إلى ظاهرة وُصفت ب"الخطيرة"، تضرب عرض الحائط قوانين "الحرمة" بالنسبة للجزائريين، والتي تعني الاحترام، وخاصة ما تعلق بمكانة المرأة، التي تُعد شخصا مقدسا بالنسبة للزوج، لا يجوز المساس بكرامتها، أو الإساءة لصورتها. رغم أن الحياة الخاصة أو الخصوصيات الفردية من المسلَّمات التي يحميها القانون، وفق المشرّع الجزائري، وتُعد حقا دستوريا لا نقاش فيه، إلا أنّ آخرين لا يولون الاهتمام لتلك الخصوصيات، بل أصبحوا وبدافع التفكير المادي والربح السريع، يتطاولون عليها. وعمدوا الى محاولة شد اهتمام المشاهدين من متابعيهم باستغلال كل فرد من العائلة، لا يهمهم أبدا ما قد ينتج عن ذلك. وتعدد الشخصيات المماثلة والمعروفة في الجزائر عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي خلقت فيما بينها جوا تنافسيا، حول أكثرهم استعراضا للحياة الخاصة، خاصة من النساء، بعضهن يكشفن عن أبنائهن وبناتهن، وأخريات عن أزواجهن، وأمهاتهن وإخوتهن، من خلال فيديوهات ومحادثات مباشرة عن بيوتهن وأسرارها، وتفاصيل قد تكون، أحيانا، صادمة للمجتمع الجزائري. وتحولت تلك السلوكات التي تنتهجها بعض المؤثرات، إلى ظاهرة تهدد سلامة المجتمع، وفق ما أشارت إليه المختصة الاجتماعية مروة محمودي، التي أكدت أن "مواقع التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين. وما إن يتم استعمال الطرف الحاد منه، حتى يشكل خطرا قوميا حقيقيا"، الأمر الذي يتطلب، حسب المختصة، "أخذه بعين الاعتبار؛ لسلامة المجتمع، وحماية قيمه". وأضافت المتحدثة أن هذه الظاهرة أصبحت تبرز بشكل مثير للصدمة أحيانا، فبعض "المؤثرين" لم يعد يهمهم أي شيء، بل يقدسون، فقط، المفاهيم المادية، إلى درجة الاستهتار بالحياة الخاصة لأطفالهم وأزواجهم ومختلف أفراد العائلة، ويستعرضون بذلك تفاصيل صادمة، تجعل المشاهد يشعر بنوع من الرغبة في الكشف عن تلك التفاصيل واحدة تلو الأخرى. وأضافت المختصة أن تلك التفاصيل، أحيانا، تخص الحياة اليومية لتلك البيوت بأدق تفاصيلها؛ الدراسة، والعمل، والتسوق، والخرجات العائلية، والمشتريات، وتحضيرات الأكل، وحتى العلاقة بين الأطفال، وأيضا العلاقة مع الزوج، والتي حتى إن كانت لا تهم أي مشاهد، إلا أن حرقة الفضول تخلق المتابعة، بل وتزيد المتتبعين حماسا لمشاهدة تلك التفاصيل. ونبهت المختصة إلى أن هذه الظاهرة لم تكن بارزة في المجتمع أبدا، فهي مستهجَنه من جميع الأطراف، سواء دينيا، أو قانونيا أو حتى عرفيا، فكانت أسرار البيوت لا تتعدى جدرانها، أما اليوم فتقطع آلاف الكيلومترات بسبب تلك المواقع. وأضافت محمودي أن العديد من الجرائم قد تطول تلك البيوت بسبب عرض تفاصيلها الخاصة، قالت: "إن المتابعين عبر مواقع التواصل قد يكون وسطهم مجرمون، ومجانين، فليس كل متصفح ومستعمل للشبكات هو إنسان طبيعي. واستعراض تفاصيل الحياة قد يولد لديه أفكارا غريبة ومتطرفة، وقد يخلق بذلك العديد المشاكل لتلك العائلات، التي تفقد من خلال ذلك، راحتها، وصفو حياتها اليومية". وأكدت المختصة أن الكثير من المشاهير كالممثلين، يحاولون إخفاء حياتهم الخاصة، ويكتفون بمد الجمهور بما يريدونه فقط. ورغم تلك المحاولات تبلغ الصحافة قلب بيوتهم؛ لتغذية فضول المشاهدين الذين تتولد ليهم تلك الرغبات الغريبة في معرفة تفاصيل حياة الغير، وهذا أمر غير طبيعي، فما بالك بشخص يستعرض تلك الحياة بتفاصيلها يوميا، ويعطي المشاهد كل ما يريده من خلال طرح سؤال بسيط، ليفتح أمامه نقاشا حول أدق تفاصيل الحياة الخاصة". وأوضحت محمودي أن التربص والمطاردة والتنمر والتحرش، كلها من التهديدات التي قد تبلغ تلك البيوت. وهنا المسؤول الوحيد وراء ذلك هو هؤلاء "المستعرضون" لحياتهم الخاصة. وأضافت أن تلك السلوكات غير الودودة قد تتحول بين لحظة وأخرى، إلى جريمة حقيقية، تهدد وحدة الأسرة الجزائرية. وفي الختام أشارت المختصة الاجتماعية إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي ليست أبدا ذلك العالم المثالي الذي يتخيله البعض، أو الحياة الوردية التي يحاول الكثيرون استعراضها، بل هي عالم حافل بالمخاطر، وكثير من هؤلاء المؤثرين يعانون مشاكل نفسية واجتماعية بسبب استعراضهم حياتهم الخاصة، إذ إن الكثير من المشاكل قد تبلغهم، أقلها التحرش والتنمر، والإساءة إليهم من خلال كلمات جارحة، وتعاليق سلبية، وتهديدات، وغيرها من الكلمات التي لا يمكن أكثرهم من ذوي الشخصية القوية، أن يصمدوا أمامها.