الشيخ: قسول جلول يجب توضيح مفهوم مهم جدا يتمثل في أن التهنئة ليس معناها اعتناق عقيدتهم أو الرضا بما يفعلون أو الدخول في دينهم وإنما هي نوع من البر! السنة الميلادية نؤرخ بها ونعود إليها في جميع أحوالنا فإذا كان العمل بها جائز نؤرخ بها فلماذا لا يجوز الاحتفال بها وهي ليست من الأعمال التعبدية؟ لا بد من التفرقة بين الحكم الفقهي والفتوى!! التهنئة لغير المسلم مطلقًا بدون مخالفة شرعية جائزة وهي من باب حسن الأخلاق التي أمرنا بها ولون من ألوان الدعوة إلى الله عز وجل!! من الموضوعات الجدلية التي تلقي بظلالها كل عام موضوع تهنئة النصارى برأس السنة الميلادية ويكثر الكلام حولها فمن العلماء المتشددين لا يكثر من البحث والتأصيل والتقعيد لهذه المسألة ويكتفي بقوله غير جائز ! ومنهم من يتوسط ونظر إلى التغييرات والمعاملات ويجيز التهنئة بذلك ولكن بشروط ويفرق بين ماهو تعبدي وما هو من قبيل المعاملة فتهنئتنا لهم لا يعني محبتهم ومشاركتهم وإنما هي لون من الدعوة إلى الله بالحكمة كما يقال بأن الفتوى تتغير زمانا ومكانا وتتأثر بالضروف المحيطة بها ومنهم من أباح ذلك مطلقا كالجاليات المقيمة في الدول الأوربية والمسلمين من أصل أوروبي ؟ ويرون ذلك من باب المعاملة وحسن الجوار وعلى هذا الأساس تفرق المسلمون إلى ثلاث مجموعات ينكر بعضهم على بعض ويجافي بعضهم بعضا بل يحذر بعضها من بعض ... فهم يحتفلون ويفرحون ويتعاونون ....حتى على الباطل ....ونحن نتخاصم ونتباعد ويكفر بعضنا بعضا ويفسق بعضنا بعضا وكل سنة تتجدد العداوة والبغضاء بين العلماء وأتباعهم . فالبعض ينكر التهنئة بالسنة المدنية الجديدة على الرغم من أننا نؤرخ بها ونعود إليها في جميع أحوالنا ويدخلها مدخلا عقائديا فإذا كان العمل بها جائز نؤرخ بها ... فلماذا لا يجوز الاحتفال بها وهي ليست من الأعمال التعبدية ...فمنهم من لا يبذل جهدا في البحث عن الجواز ...والفتوة جاهزة تصلح لكل عمل ولكل زمان ومكان لافرق بين العبادة والمعاملة .ولا يعلم بأن الفتوى تتغير زمانا ومكانا ! لقد أصبح العالم الآن قرية كبيرة يتشارك فيها المسلمون وغيرهم من الديانات في كل شيئ وأصبحوا جيرانا ومتعاونين وعمالا في شركات عالمية أو مواطنين تجمع بينهم حق المواطنة وحق الجوار كما هو مشاهد في كثير من الدول العربية بحدث أنهم يهنئوننا بأعيادنا الدينية ويحترمون صيامنا .. فمن الحكمة أننا نهنئهم برأس السنة الميلادية ومن هنا يجب توضيح مفهوم مهم جدا يتمثل في أن التهنئة ليس معناها اعتناق عقيدتهم أو الرضا بما يفعلون أو الدخول في دينهم وإنما هي نوع من البر ولم ينهنا الله تعالى عنه يقول الله تعالى:_ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)) الآية 9_ الممتحنة. وهناك فرق كبير بين الود والبر وبين اتخاذهم أولياء ومجرد التعايش السلمي وفق أسس منضبطة ومعاهدات لم تظلم طرفا وغرضها التعايش السلمي كما فعل النبي-صلى الله عليه وسلم مع اليهود في المدينةالمنورة. كما يجب التفرقة بين أعياد دينية تمثل عقيدتهم وبين أعياد قومية وهو ما نستشعره في أعياد الكفار وموقف المسلمين منها ففرق فيها بين _ ما هو ديني من أساس دينهم أو ممّا أحدثوه فيه وكثير من أعيادهم ما هو إلاّ من قبيل العادات والمناسبات التي أحدثوا الأعياد من أجلها كالأعياد القومية ونحوها ويهمنا هنا عيد الميلاد وعيد رأس السنة الميلادية _ فالعلماء لا يرون بأسا من التهنئة في عيد رأس السنة الميلادية وكذا زالأعياد الوطنية والاجتماعية مثل عيد الاستقلال ونحو ذلك مما يعرف عند الهيئة الدبلوماسية فليس هناك أي حرج وليست من قبيل العبادات على أن يجتنب المحرمات التي تقع في تلك المناسبات َ! فلا مانع من التهنئة ولكن بالضوابط المشروعة فلا نأكل ولا نشرب مما حرم في ديننا ولا نختلط اختلاطا يرفضه شرعنا ولا نفرط في ملابسنا التي تستر عواراتنا.. التفرقة بين الحكم الفقهي والفتوى: يجب أن نفرق بين الحكم الفقهي والفتوى فالحكم الفقهي منه ما هو ثابت لا يقبل التغيير ولا التبديل كالأحكام قطعية الثبوت والدلالة ومنه ما يقبل التغيير وليس بثابت وهذا يجوز الاجتهاد معه وليس ضده في إطاره وليس خارجا مصطدما معه ومن هنا قالوا ما دام الحكم متغيرا وما دامت الشريعة مرنة تصلح لكل زمان ومكان فلا مانع من تغير الفتوى. فقد تكون غير جائز في وقت دون وقت وفي مكان دون مكان . فمثلا الذين يحرمون التهنئة في بلد ما ؟ لا يجوز لهم تصدير الفتوى لجميع الدول ويلزمونها بها وإلا ارتكبوا إثما مبينا ؟ نرجوا من القارئ الكريم أن يعود إلى فتوى المانعين .وهذه الفتوى لا تتعدى أدلتها جملتين !....وحديثين ؟ ومن هنا يجب دراسة ملابسات الفتوى التي أصدرها شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم فقد كان عصره مليئا بالحروب وأي تهاون يعني الرضا بالمحتل ومن ثم لا بد من اختيار فقهي يحفظ للناس تماسكهم أمام هذا المغتصب.كما أفتى الشيخ أحمد حماني رحمه الله عن المتجنس من جنسية فرنسية بأنه مرتد وهذا في وقت الإستعمار الفرنسي كأنه نصرة للمستعمر؟ كما نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يختار رأيا فقهيا معينا لضرورة يراها ثم يرجح العكس لأن التربية اكتملت والعقول فهمت والنفوس ارتضت دين الله رب العالمين ومن ذلك زيارة القبور فقد منع الناس منها ثم أجازها وكثيرا ما نقرأ لولا أن قومك حديثو عهد بالجاهلية..الخ فالفتوى متغيرة ونحن بصدد فتوى فقهية قد تصلح لزماننا ولا تصلح لغيره وهذا المدخل هو ما جعل العلماء يذهبون لمخالفة ابن تيمية رحمه الله فقالوا :_ يعد تَغيُّر الأوضاع الاجتماعية والسياسية أمر واقع تقتضيها سنَّة التطور وكثير من الأشياء والأمور لا تبقى جامدة على حال واحدة بل تتغير وتتغير نظرة الناس إليها..ومراعاة تغيّر الأوضاع العالمية هو الذي جعلنا نجيز تهنئة النصارى وغيرهم بأعيادهم ونجيز ذلك إذا كانوا مسالمين للمسلمين وخصوصا من كان بينه وبين المسلم صلة خاصة كالأقارب والجيران في المسكن والزملاء في الدراسة والرفقاء في العمل ونحوها وهو من البر الذي لم ينهنا الله عنه. بل يحبه كما يحب الإقساط إليهمس. فالمسألة من باب الفتوى وهي تتغير كما هو معروف لدى كل علماء الفقه وإزاء ما سبق فالعلماء المعاصرون لا يجدون حرجا في التهنئة خاصة لزملاء العمل أو الجيران أو من تربطهم علائق خاصة كالمصاهرة وغير ذلك ولكن بشروط خاصة وهي عدم الاعتقاد مثلهم أو الرضا بشيء من دينهم فالمسلمون المقيمون في بلاد الغرب والذين يعيشون في تلك الديار ويعايشون أهلها من غير المسلمين وتنعقد بينهم وبين كثير منهم روابط تفرضها الحياة مثل الجوار في المنزل والرفقة في العمل والزمالة في الدراسة وقد يشعر المسلم بفضل غير المسلم عليه في ظروف معينة مثل المشرف الذي يساعد الطالب المسلم بإخلاص والطبيب الذي يعالج المريض المسلم بإخلاص وغيرهما. وكما قيل: إن الإنسان أسير الإحسان. إن القرآن الكريم قد وضع دستور العلاقة بين المسلمين وغيرهم في آيتين من كتاب الله تعالى في سورة الممتحنة وقد نزلت في شأن المشركين الوثنيين فقال تعالى: (( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون )) الممتحنة: 8-9. ففرقت الآيتان بين المسالمين للمسلمين والمحاربين لهم: فالأولون (المسالمون): شرعت الآية الكريمة برهم والإقساط إليهم والقسط يعني: العدل والبر يعني: الإحسان والفضل وهو فوق العدل فالعدل: أن تأخذ حقك والبر: أن تتنازل عن بعض حقك. العدل أو القلط: أن تعطي الشخص حقه لا تنقص منه. والبر: أن تزيده على حقه فضلا وإحسانا. وأما الآخرون الذين نهت الآية الأخرى عن موالاتهم: فهم الذين عادوا المسلمين وقاتلوهم وأخرجوهم من أوطانهم بغير حق إلا أن يقولوا: ربنا الله كما فعلت قريش ومشركو مكة بالرسول _ صلى الله عليه وسلم _ وأصحابه. وقد اختار القرآن للتعامل مع المسالمين كلمة (البر) حين قال: (أن تبروهم) وهي الكلمة المستخدمة في أعظم حق على الإنسان بعد حق الله تعالى وهو (بر الوالدين). وقد روى الشيخان عن أسماء بنت أبي بكر _ رضي الله عنها _ أنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أمي قدمت علي وهي مشركة وهي راغبة (أي في صلتها والإهداء إليها) أفأصلها؟ قال: _صلي أمكس ( متفق عليه). هذا وهي مشركة ومعلوم أن موقف الإسلام من أهل الكتاب أخف من موقفه منالمشركين الوثنيين. حتى إن القرآن أجاز مؤاكلتهم ومصاهرتهم بمعنى: أن يأكل من ذبائحهم ويتزوج من نسائهم كما قال تعالى في سورة المائدة: ((وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم)) المائدة:5. ومن لوازم هذا الزواج وثمراته: وجود المودة بين الزوجين كما قال تعالى: ((ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة)) الروم: 21. كما حث النبي صلى الله عليه وسلم على (الرفق) في التعامل مع غير المسلمين وحذر من (العنف) والخشونة في ذلك. وتتأكد مشروعية تهنئة القوم بهذه المناسبة إذا كانوا هم يهنؤوننا بأعيادنا وفي أفراحنا ولا يحسن بالمسلم أن يكون أقل كرما وأدنى حظا من حسن الخلق من غيره والمفروض أن يكون المسلم هو الأوفر حظا والأكمل خلقا كما جاء في الحديث زأكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقاس (حديث صحيح حسنه الترمذي ) ويتأكد هذا إذا أردنا أن ندعوهم إلى الإسلام ونقربهم إليه ونحبب إليهم المسلمين وهذا واجب علينا فهذا لا يتأتى بالتجافي بيننا وبينهم بل بحسن التواصل. التهنئة لغير المسلم مطلقًا بدون مخالفة شرعية جائزة وهي من باب حسن الأخلاق التي أمرنا بها ولون من ألوان الدعوة إلى الله عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة عملاً لا قولاً أما إذا تضمنت التهنئة مخالفة دينية فهنا تكون ممنوعة من أجل هذه المخالفة وغير ذلك من ضروب المحرمات التي تقترن بمواضع وأماكن غير المسلمين....