بقلم: سالم بن عمار** صدر في أكتوبر المنصرم سنة 2017 في لندن كتاب معجميون ومعجمات/ نقد وتطوير لأستاذنا الدكتور هادي حسن حمودي أعرض هنا رؤيتي له. لقد قام هذا الكتاب على محورين هما: أ- تقويم نصوص المعجمات الأمهات واختار السيد المؤلف منها المعجم الأول في اللغة العربية وهو معجم العين للخليل بن أحمد. والعين كما نعلم معجم لفظي يأخذ قارئه إلى الجذور اللغوية ومعانيها منظمة تنظيما صوتيا. وقد تحدث عنه بإيجاز غير مُخلّ. وكان لا بد من أن يتحدث عن مختصرات العين وتوقف طويلا عند مختصر العين للخطيب الإسكافي (وسبق أن حققه وصدر سنة 1996 وطبعته الثانية سنة 2016 في مسقط) وما قدمه من نفع عظيم للغة العربية ولتصحيح بقية المعجمات ورواياتها اللغوية. ثم طبق المنهج ذاته على معجم (المُنَجَّد) لكراع النمل الهنائي باعتباره من أوائل معجمات المعاني ولأن مؤلفه يُعتبر أحد مؤسسي المدرسة اللغوية في مصر. وقد عُني أستاذنا الدكتور هادي بالكشف عمّا دخل في هذين المعجمين من اختلالات عزاها لطبيعة النّسخ المعتمدة وظروف التحقيق وأخطاء الطباعة. ودعا إلى إيلاء مزيد من الاهتمام والعناية في ضبط النصوص المحققة وخاصة في الكتب الأمهات التي يعتمدها الباحثون وطلاب اللغة ويعتمدون عليها في فهم الألفاظ ومعانيها (فالخطأ في الأمهات أكثر خطرا وأبعد أثرا من الخطأ في كتب ثانوية) حسب قوله. ويعنِي بالخطأ هنا التصحيف والتحريف وأخطاء الطباعة وهي أمور لا يكاد يَسْلَم منها إلا القلة من المعجمات اللغوية التراثية المحققة. ب- تطوير الدراسات اللغوية بناء على فلسفة الأصول اللغوية المعتمدة على نظرية المقاييس التي استلزمت منه شيئا من إيجاز الحديث عن مبتكرها أحمد بن فارس (ت 395 ه) ومعجماته عامّة. مثل: متخير الألفاظ ومجمل اللغة ومقاييس اللغة. وخصصها بباب خاصّ بها. إن هذه النظرية صلحت أن تكون مهادا لتأسيس فلسفة الأصول اللغوية التي تسعى لاستكشاف قوانين اللغة العربية في نشأتها وتطورها وأساليبها في التعبير عن المعانِي. وذلك لأن واضعها الشيخ الجليل أحمد بن فارس (ت 395 ه) قد تصور البناء اللغوي شجرة لها جذور وساق وأغصان وعلى الأغصان أوراقها. فالجذر هو الجذر اللغوي الثنائي والثلاثي والساق بمثابة الأصول التي تتجمع فيها المعانِي الكليّة للجذر ثم الأغصان التي يتفرّد كل غصن منها بشيء من تلك الأصول. (فأمّا الأوراق فاستعمالات الألفاظ في سعة المجاز وإضفاء تلونات دلالية ومعنوية عليها). وسبق لأستاذنا الدكتور أن أصدر كتابا بهذا الشأن بعنوان (أحمد بن فارس) نشره في بيروت سنة 1987م. وبعد أن درس أسس تلك النظرية وركائزها استطاع أن يحدد نتائجها سواء في تقويم آراء اللغويين الذين سبقوا ظهورها أم في نقد تراثهم وبيان ما فيه من نفع كبير وأشياء أخرى قد لا تحظى بنصيب وفير من العلم. وهي فلسفة بنّاءة تمهّد السبيل لمزيد من التطور اللغوي المتّزن الذي يستلزم المحافظة على المعنَى العامّ للجذر اللغوي أو على شيء منه على أقل تقدير. وإلا فإن أي تطوير للغة منفصل عن علاقته بدلالة الجذور اللغوية هو مسخ للغة وليس تطويرا لها. وبالتأكيد لقد استطاع السيد الباحث في كتابه هذا (معجميون ومعجمات) توضيح مفهوم مصطلحي التقويم والتّطوير وأثرهما في ترسيخ الصواب اللغوي ومن ثمّ البناء عليه بموجب نظرية المقاييس وما اتفق معها ممّا أبدعه العلماءُ. * كتاب الأكاديمي العراقي الدكتور هادي حسن حمودي ** وزارة التعليم العالي والبحث العلمي - الجزائر