خصص الدكتور سعد بوفلاقة افتتاحية العدد الجديد من مجلة بونة للبحوث والدراسات ، والذي حمل رقم(19/20) للحديث عن رحيل الأستاذ الدكتور/بشير كحيل؛ أستاذ النقد والبلاغة بقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة عنابة، وعضو المجلس العلمي لمجلة بونة للبحوث والدراسات التي تصدر في مدينة بونة(عنابةبالجزائر، وقد جاءت افتتاحية العدد بعنوان:«مجلة بونة تفقد أحد أعضائها المتميزين الأستاذ الدكتور بشير كحيل». ذكر رئيس تحرير المجلة أن الأستاذ الدكتور بشير كحيل؛ هو أستاذ النقد والبلاغة بقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة عنابة منذ مطلع الثمانينيات من القرن المنصرم، وقد ولد سنة:1951م بأولاد الضياء بولاية سوق أهراسبالجزائر، وزاول تعليمه الابتدائي بقرية(غار الدماء)، في ولاية جندوبة بالجمهورية التونسية، أثناء الثورة التحريرية الكبرى ضد الاستدمار الفرنسي، ثم واصل دراسته بعد الاستقلال بمدينة سوق أهراسبالجزائر عن طريق المراسلة(كان عصامياً رحمه الله)، حتى نال شهادة البكالوريا سنة:1976م، فانتسب إلى معهد الآداب واللغات بجامعة عنابة في السنة ذاتها، وحصل على شهادة الإجازة(الليسانس)عام:1980م، وشهادة العالمية(الماجستير) سنة:1992م، والعالمية العالية(دكتوراه الدولة) سنة:2002م. وقد تحدث الدكتور سعد بوفلاقة في القسم الثاني من كلمته الافتتاحية عن الدكتور بشير كحيل كما عرفه، ومما جاء في هذا القسم:«في شهر فيفري سنة:1981م جئت من مدينة قسنطينة، والتحقت بمعهد الآداب واللغات(قسم اللغة العربية وآدابها بعنابة حالياً)مُدرّساً النقد العربي الحديث لطلبة السنة الرابعة، وهناك تعرّفتُ على الأستاذ/بشير كحيل، وصديقيه الأستاذ الدكتور/محمد خان عميد كلية الآداب بجامعة بسكرة سابقاً، والأستاذ الدكتور الأديب شريبط أحمد شريبط الذي ما يزال أستاذاً بجامعة عنابة حتى اليوم، الذين كانوا يعملون بالمعهد نفسه. كان ذلك عام(1981)على ما أذكر عندما التقيت بهؤلاء الثلاثة وجهاً لوجه، وتبادلنا التصافح، وتجاذبنا أطراف الحديث، وفي السنة الجامعية المقبلة(81/1982)، فتحت الدراسات العليا لأول مرة بمعهد الآداب بجامعة عنابة، وكنا جميعاً نرغب في مواصلة الدراسة الجامعية في مرحلة السلك الثالث(الدراسات العليا)، فالتحقنا بالسنة الأولى ماجستير، وقضينا سوياً سنة دراسية متوحشة وسعيدة، وكان معظم أساتذتنا من التوانسة والمشارقة أذكر منهم:أ.د.توفيق بكار، وأ.د.محمد الحبيب الهيلة، وأ.د.محمود طرشونة، وأ.د.علي الشابي، وأ.د.عبد الرؤوف مخلوف من مصر، وأ.د.مختار نويوات من الجزائر، وغيرهم. وكان سي بشير(كما يحلو لي أن أناديه)لطيفاً، دمث الأخلاق، حلو المعشر، منضبطاً في عمله، مرحاً، ثقافته عميقة، ومتنوعة، واطلاعه واسع على علوم اللغة العربية وآدابها، وخاصة ما يتعلق بالبلاغة والنقد، وبسبب هذه الصفات اخترته ليكون ضمن هيئة تحرير مجلة بونة للبحوث والدراسات التي أسستها في السنوات الأولى من هذا القرن.كنت أوزع الأبحاث التي تصل إلى هيئة التحرير بغرض النشر في المجلة، على الزملاء الخبراء المحكمين لفحصها وتقييمها، وبيان مدى صلاحيتها للنشر وفق المعايير العلمية، وإجراء التعديلات المناسبة على الموضوع المقدم للنشر في المجلة، بما يتلاءم مع أسلوبها، كما كنت أحث الزملاء الخبراء على الإسراع في تقييم الأعمال المسلمة لهم، وإعادتها في أقرب فرصة ممكنة، فكان الأستاذ بشير كحيل، رحمه الله، يعيد إلي الأعمال المسلمة له في أسرع وقت ممكن، وأحياناً يعيدها في اليوم الموالي مباشرة، مصححة منقحة مع ملاحظة مقبول للنشر أو مرفوض، أو مقبول مع تعديلات يقترحها، ويوقع ملاحظاته بختم مستطيل الشكل خاص به مكتوب عليه:الدكتور بشير كحيل، أستاذ النقد والبلاغة...». المقال الأول في المجلة كتبه العلاّمة الدكتور /عبد الملك مرتاض، الناقد المعروف، وقد خصصه للحديث عن «جمالية الاتباع في الأسلبة العربية»، وقد شرح في مستهل مقاله ما يُقصد بالاتباع الذي ذهب المُعجميّون الأقدمون مِثلُ ابنِ برّي إلى أنّ ما كانوا يُطْلقون عليه مصطلح «الاتباع»، «يكون [اللفظُ] الثاني [منه] بمعنى الأوّلِ (...). [كما] أنّ الإتباع لا يكون بحرف العطف»، مثل قولِهم: بُعْداً له، وسُحْقاً! وقد سُئِل أحَدُ الأعراب عن سرّ استعمال هذا الاتباع في الكلام العربيّ، كما وردَ في كثير من المصادر اللغويّة، روايةً، في الأصل، عن ابن الأعرابيّ لمّا سأل أحدَ عربِ البادية الأقْحاح: أيُّ شيءٍ معنى قولِكم: «شيْطانٌ لَيْطانٌ»؟ فأجابه: «شيءٌ نَتِدُ به كَلامَنا»! أيْ أنّا نشُدّه به ونُقَوّيه. ويعني الوَتْدُ (نريد به هنا إلى المصدر، لا إلى الاِسْم) في أصل العربيّة إثباتَ شيءٍ صُلْبٍ، في شيء رخْوٍ، كوَتْدِ الوَتِدِ في الأرض، أو في شيء صُلُبٍ أيضاً كوَتْدِه في حائطٍ لتعليق شيءٍ فيه، أو لإمساكِ الشيءِ وربْطِه. ويذهب الدكتور عبد الملك مرتاض إلى أن الأقدمين اضطربوا في آرائهم عن هذه المسألة، فزعم بعضهم أنّ مثل هذا الاستعمال يجيء للتوكيد، وهو في الوقت نفسه اتباع، في حين زعم آخرون أنّ التوكيد غيرُ الاتباع، ثمّ اختلفوا في الفرْق بين الاثنين، فذهب أهل الرأي الثاني إلى أنّ الاتباع ما لا يحسن فيه وجود واو عاطفة، والتوكيد ما توجد فيه تلك الواو، وقد جاء في كتاب: «غريب الحديث»: إنّما سُمِّيَ الاتباع «اتباعاً لأنّ الكلمة الثانية إنما هي تابعة للأولى، على وجه التوكيد لها، وليس يُتكلَّم بها منفردةً، فلهذا، قيل: اتباع». وتسامَحَ الخطّابيّ في تعريف الاتباع فجعله ضربيْن اِثنين، بدون واوِ نسق، وبها معاً، فقال: «والاتباع في كلامهم على ضربيْن: أحدهما أن يقالَ: بغير واو، كما يقال: حسن بسن، (...) وكثير بَثِير، وضالّ ثالّ. والضّرْب الآخر أن يُفصَل بين الكلمتين بواو كقولهم: جُوعاً له، ونُوعاً!». ويزعم ابن منظور أنّ «الاتباع أن يكون الثاني بمعنى الأوّل». ونحن لا نرى برأي هذا الشيخ ولا أصحابِه مجتمعِين، أكْتَعِينَ أبْتَعين؛ لأنّ اللفظ الذي يتبَع متبوعَه ليس لفظاً مكرّراً بعينه، وإنما أشبهه في التجنيس، وماثله في المُرفولوجيا: 1لتوكيد المعنى الماثل في الأوّل، وليس لمجرّد العبث والاعتباط؛ .2لتحسين النسْج وتجميله ليكونَ أشدَّ تأثيراً في المتلقِّي. ولا جَرَمَ أنّ أوائلَ علماءِ الأمّة احترزوا في ذلك بكون اللفظ الثاني، في الزوج الاتباعي، لا يستعمل في النسْج اللغويّ وحدَه، وإنما هو محكوم عليه باتّباع سابقه، ولذلك هو يركض في معناه، ولا يختلف عنه فتيلاً... لقد قيل كلّ ذلك ووقَع تناسِي قوله تعالى: ?ويلٌ لكُلِّ هُمَزَةٍ، لُمَزَةٍ?، وأنّ اللَّمْز مستعمَل في العربيّة وحده، لا تابعاً لسِواه، باطّراد؛ وأنّ من حقّ أيّ مستعمِلٍ للّسان العربيّ أن يقول: «هذا شخصٌ لُمَزَة»، بمعنى أنّه يَعيبُك في وجهك ولا يستحِي، فيكون ذلك من الوقاحة! والآية على ذلك قوله تعالى أيضاً ومِنهم مَن يَلْمِزُك في الصَّدَقات، أي يحرّك شفتيْهِ بكلام مهموس خفِيٍّ. والآية على تفرّد اللَّمْز، بالقياس إلى الهمْز، بنفسه، أنّه معقودٌ له مأَدَّةٌ بذاته في المعاجم. وقد سعَيْنا نحن إلى متابعة اطّراد هذا اللفظ في كتب العربيّة ومَعاجمها وتفاسيرها وموسوعاتها، فألفيناه يتكرر أكثر من مائةٍ وثلاثين مرّةً، وحدَه، لا رفيقَ له. وقد ذكره ابن فارس في معجمه فقال: «رجلٌ لَمّازٌ ولُمَزة: عيّابٌ». أفيكون كلّ أولئك لمجرَّدِ أنّه تابعٌ لِ?هُمَزَة?؟!ذلك، وإنّ أصل اللَّمْز، حسَب المعاجم، «الإشارةُ بالعين والرأس والشَّفَة مع كلام خفِيٍّ». وإذن، فلا عبَثَ، ولا عشوائيّة، ولا اعتباطَ في اللغة، فاختلاف لفظٍ عن آخر ?في حروف لفظه، أو حتّى في نطق حروفه- إنّما يعني اختلافَه عنه في معناه، حتماً. بل إنّ حرفاً واحداً كثيراً ما يكون قائماً بالقول الفصل في دلالة جملة مركّبة من لفظين اثنين متجانسيْن كالحُكم القضائيّ المعروف: «العين، بالعين»؛ و«السنّ، بالسّنّ»... فحرف الباءِ (أو حرْف: «بِهْ»، على الأصحّ)، هنا، هو الذي ينهض بتثبيت هذا الحُكم القضائيّ فيقضِي بنزْع السّنّ اعْتداءً، يجب أن يماثلَه نزْعُ السِّنّ اقْتِصاصاً... ويرى الدكتور عبد الملك مرتاض أنّ الذي كان يُطلِق عليه أوائلُ علماء الأمّة «الاتباع»، ليس، في الحقيقة، إلاّ زينةً نسْجيّةً لتأنيق الكلام، وزَخْرَفة المَقال. وكأنّ الأعرابيّ الذي قال في تعريف هذا الاستعمال التجميليّ في الأسْلبة العربيّة: «شيء نتِد به كلامَنا»، ربما يكون التعبير خانَه وإن كان أعرابيّاً، ولو وُفِّق في إجابته عن سؤال ابن الأعرابيّ إيّاه لكان قال: «شيءٌ نزيّن به كلامَنا». لأنّ الوتِد لا يُوتَد بوَتِدٍ مثلِه، لدى إرادة حَصْحَصَتِه في أرضٍ أو جدارٍ وتمكينه فيهِما. فاللَّفظ الثاني، في تمثُّلنا للتنظير لهذه المسألة، هو بمثابة العِقْد الذي تُظاهِر به الحسناءُ عِقْداً آخرَ في جِيدِها، فلا يكون العِقدُ الثاني فيه من أجل وَتْدِه أو تقْوِيَته به، ولكنْ من أجل إضافة الزِّينة عليه بهذه التَّحليَة المضاعفَة. ثمّ، إنّا كنّا قلْنا: إنّ إجابة الأعرابيّ ليست حجّة في تعريف هذا الضرْب من الأسْلبة العربيّة، لأنّ الرجل لم يكُ عالِماً منظّراً، فيُعْمَل برأيه، أو يُناقَش. وكان أولى لمنظّري اللغة القدماء أن لا يلتفتوا إلى مقولته أصلاً، لأنّ تأسيس نظريّة من النظريّات لا ينبغي له أن ينهض على مقولة أعرابيّ من الأعراب، بل على مقولة عالم من العلماء؛ فكيفَ أقدموا على التسامح في بناء حُكْمٍ نظريّ عليها؟ وقد استأثر بالتأليف في هذا الموضوع ثلاثةٌ من كبار أئمّة اللغة العربيّة: أحمدُ بن فارس المتوفَّى سنة 395 للهجرة (الاتباع والمزاوجة)؛ وأبو علي القالِي البغداديّ المتوفَّى سنة 356 للهجرة (الاتباع)؛ ثمّ جلالُ الدين عبد الرحمن السيوطيّ المتوفَّى سنة 911 للهجرة (الاتباع). وقد اقتصر سعْيُ السيوطيّ، في الحقيقة، على جمْع ما كان ورد في كتب الأُمَّاتِ اللُّغويّة، بحكم تأخُّر عصره، وخصوصاً من معجم جمهرة اللغة لأبي بكر بن دريد، فجزاه الله خيراً كثيراً عن خدمة اللغة العربيّة، على كلّ حال، وقد ذَكر ابن فارسٍ في مقدّمة كتابه ذلك مُبيِّناً منهجَه فيه بعد تعريفه: «وقد ذكرتُ في كتابي هذا ما انتهى إليّ من ذلك، وصنّفته على [ترتيب] الحروف [الأبجديّة] ليكونَ ألطفَ وأقربَ مأخذاً، إن شاء اللّه». كما نقرأ في العدد المزدوج: (19/20) من مجلة بونة للبحوث والدراسات مقالاً للباحث العراقي الدكتور أيّوب جرجيس العطيّة من جامعةُ التَّنمية البشَريِّة في السُّليمانيّة بالعِراق، عن« ثُنائية (التَّعَب والرَّاحَة ) في سورة (الضُّحى) وأثرُهَا في تماسُكِ النَّصِّ»، وقد لخص مقاله بالقول:« التَّقابلُ أسلوبٌ في التعبيرِ يقومُ على مبدأ إقامةِ تضادّ بين الألفاظِ والمعاني والأفكار والصورِ تحقيقاً لغاياتٍ بلاغيةٍ وقيمٍ فكرية .. وهو يُعدّ أُسلوباً من الأساليبِ البارزةِ التي يجيء الاعتمادُ عليها عن قصد ، وفي مواضعَ كثيرةٍ من القرآن العظيم ، كما أنّ الأدب العربي بشعره ونثره قد تميّز بها ، وبخاصّة الشعر الجاهلي، ويعدُّ مبدأ التَّقابلِ عاملاً من عواملِ التّوازنِ والجمالِ في الصّورِ والأشكالِ الهندسية، وفي الموسيقى وفنِّ التلحينِ، والقرآنِ الكريم يُكثر في نظْمِه من استعمالِ هذا المبدأ، ويجعلُهُ أداةً فنيةً للبيانِ، ووسيلةً للتأثيرِ في النفوسِ، ومع أنّ التقابلَ (المقابلةَ) في مذهبِ أغلبِ القدماء مُحسِّنٌ بديعيّ ، غير أنّ المتأمّل في دِلالاتها واستخداماتها الكثيرة يرى أنّ لها أغراضاً أبعد من ذلك ، فهي فنّ بلاغيّ ، وطريقةٌ في أداء المعنى لها آثارها وقيَمها الفنية والفكرية كما أنّها تُساهم في إبرازِ كثيرٍ من المعاني بما فيها من ثنائيّة وتضادّ ، وإذا كان حديثُ العلماءِ من أهلِ البيانِ والتفسيرِ والبلاغةِ عن أهميةِ التَّقابلِ في تحسينِ النصِّ، أو تحقيقٍ لغاياتٍ بلاغيةٍ فإنّ هدفي في هذه الدراسة غيرُ ذلك ، إنّما أردتُ فيها تبيانَ التَّقابلِ وأثرَهُ في تَماسكِ النصِّ وربطِه ، إذْ سيظهرُ في البحثِ أنَّ التقابلَ شبكةٌ من العَلاقاتِ البنائيّة والدِّلالية تُسهمُ في نسج النصِّ وربطه وتعالقه، ليس في هذا النّصّ فحسبُ ، بل في نصوصٍ قرآنيةٍ أخرى ونصوص شعريةٍ ونثريةٍ ، وفاتَ الدارساتِ النصيةَ التركيزُ على التقابل بوصفه رابطاً بنائياً ودلاليا كما فاتَ أهلَ البلاغة والبيان، علماً أنّ هناك دراساتٍ ليست قليلةً عن التقابل، والتضادّ لم تتحدثْ عن التّقابل وأثره في ربطِ النّصّ، بل هي تحوم حول دراسة التقابل في آيات محددة، أو أبيات مجتزأة ، تبينُ المعنى فحسبُ، لذا جازَ لي أنْ أزعمَ أنَّ دراستي هذهِ يمكنُ أنْ تُعدَّ بِكراً في حقلِ الدراساتِ النصيّة والدراساتِ البلاغيّة». ونلفي في العدد المزدوج(19/20) من مجلة بونة للبحوث والدراسات مقالاً للباحث الدكتور سعد بوفلاقة من قسم اللغة العربية بجامعة عنابة، تحدث فيه عن«شعرية الدوبيت»، وأشار في مستهله إلى أن الدوبيت نوع من أنواع الشعر العربي، فارسي الأصل، يتكون من بيتين فقط، كما يدلُّ عليه اسمه المكوّن من كلمتين : زدُوس بالدّال المهملة فارسية وتعنى اثنين وسبيتز عربية وتعني بيت الشعرس. فدوبيتز تعني شعرًا مؤلفًا من بيتين اثنين. وهو ما يُرجّح نشأته العربية الفارسية، ويسمّى هذا النوع من الشعر أيضا باسم الرباعي لكون الشاعر يُقسم منظومته إلى مجاميع، كل مجموعة مؤلفة من أربعة أشطر يقفّيها بقافية واحدة، أو يقفّي الشطر الأول والثاني والرابع بقافية واحدة». وقد خصصت الباحثة الدكتورة راوية جاموس من كلية الآداب بجامعة حلب بسورية مقالها للحديث عن:« مفهوم الجمال لدى ابن سينا وأهميته في الدراسات الجمالية المعاصرة»، وقد قدمت الباحثة راوية جاموس من خلال هذا البحث تحليلاً مستفيضاً، ودراسة قيمة عن مفاهيم الجمال، وأقسامه، وذكرت أن للجمال جملة من الأبعاد المعرفية الخاصة ، حيث تفرضه طبيعة الثقافة الاجتماعية، وهو ينعكس على مختلف مجالات الحياة الإنسانية وخاصة في أنواع الفنون لديها. ولكل حضارة مفهوم للجمال ينسجم مع نظرية المعرفة فيها ويعكس ثقافتها. وقد كان للعرب المسلمين فهمهم الخاص للجمال الذي انطلقوا فيه من الأسس المعرفية للثقافة العربية الإسلامية، وسيبدو المفكرون والفلاسفة المسلمون مهتمين اهتماماً واضحاً بتحليل الجمال وتنظيره. ولا ننكر أنَّهم كانوا مدفوعين إلى ذلك بتأثير المنطلقات الجمالية المتأصِّلة في العقيدة الإسلامية، وغنى الثقافة الإسلامية من جانب، وبتأثير الازدهار الحضاري المادي من جانب آخرس . فقد اهتم الفلاسفة والمفكرون العرب المسلمون اهتماماً كبيراً بالجمال، وقدَّموا أسساً جمالية متميزة ومستمدة من خصائص الثقافة العربية الإسلامية، وكان من أبرزهم: الجاحظ، والكندي، والفارابي، وابن سينا، والآمدي، والتوحيدي، وابن عربي، والجرجاني، والغزالي، والسهروردي، وابن قيم الجوزية، وابن تيمية، وكثيرون غيرهم ممن نجد في نتاجاتهم ما يمكِّننا من استنباط مفهوم متكامل للجمال العربي الإسلامي، ولكنَّ هذه النتاجات لم تحظ اليوم بما تستحقه من البحث والدرس والتحليل من الدارسين العرب المسلمين الذين اتجهوا في أغلب الأحيان إلى ترجمة نتاجات الغربيين في هذا المجال، مما أدَّى إلى توجّه الاهتمام إلى مفهوم الجمال الغربي، وأهمل العربي الإسلامي، وبقي دفيناً في الكتب وعلى رفوف المكتبات...».