ليس التانغو رقصا وموسيقى وحسب، بل أسلوب خاص للعيش وثقافة تمزج ما بين الهوية والعالمية، فهو ينسج فضاءا سحريا يبحث في أعماق الوجدان، ويضع المرأة والرجل في حلقة واحدة حيث يتقاسمان الأفراح والأحزان فيرتفعان إلى السماوات العليا وينزلان إلى الدرجات السفلى، ليشتركا في الفن والحياة معا·
"التانغو" فن حسّاس تسيطر عليه النشوة التي تأخذ إلى أماكن لا يمكن الوصول إليها إلاّ بخيالاتنا واسعة الأمد، فهو يدفع إلى حيث الأحلام الجميلة والأضواء المنيرة والأحاسيس العميقة، هو يأخذ حيث تذهب الأرواح قبل الأجساد، هو "التانغو" الذي استطاع أن يصل إلى العالمية ومن ثم إلى الجزائر ابتداء من أمس وإلى غاية 27 من الشهر الحالي بمسرح الهواء الطلق ليمتّعنا كثيرا بفنياته المميّزة· ولد "التانغو" على ضفة نهر "ريو دو لا بلاتا" الذي يشكّل الحد الفاصل بين الأرجنتين والأروغواي وذلك في أوائل القرن التاسع عشر، وترعرع في الأحياء الشعبية لبيونس آيرس ومونتيفيديو، حيث تعيش الأجناس المختلفة، فبالإضافة إلى السكان المحليين المنحدرين من أجناس متنوعة (الأسبان، الأفريقيين والهنود)، هناك أيضا المهاجرون الإسبان والايطاليون الذين اختاروا هذه المنطقة للعيش· في بداية القرن العشرين، لم يكن من الممكن أن يمارس شبان الطبقات الراقية رقص "التانغو" الذي يشترط أن يمارس من طرف زوجين بطريقة جدّ حسّاسة، فكانت باريس حاضنة هذا الفن الذي عرف به المهاجرون الأرجنتينيون من البرجواز والبحارة، وسرعان ما انتشر "التانغو" في بلد الحريات آنذاك وعرف شهرة كبيرة واستقطب الكثير من الشبان لممارسته وتعلّم فنياته· بالمقابل أيضا يعدّ "التانغو" موسيقى تعزف ويعدّ الناي، القيتارة، الكلارينات، أولى الآلات الموسيقية التي استعملت في "التانغو"، تأتي بعدها آلة البيانو بانتقال "التانغو" من الشوارع إلى الملاهي وفي الأخير آلة الباندونيون التي تشبه آلة الأكرديون، والتي أعطت للتانغو خصائصه الأكثر تميّزا· "التانغو" أيضا ثقافة وسفير وفيّ للأرجنتين، وأيضا أدب وذلك من خلال كتابات كثيرة تناولته نذكر كتاب "أدان لبيونس آرس" لصاحبه ليوبولدو ماريشال، كما ألهم العديد من الشعراء من بينهم هوميرو مانزي، إيفاريستو كارييجو وسيلودونيو فلوراس، والفن السابع كذلك له هو أيضا حصّته من "التانغو" من خلال فيلم " ثور" لفيرناندو سولا ناس· في البداية كان رقص "التانغو" بسيطا لا يتعدى خطوات مشي ضمن وزن معروف، ولكنه مع مرور الوقت أصبح متنوّعا ويعتمد بالدرجة الأولى على موهبة الراقصين في إضفاء بصمتهما الخاصة على الرقصة، ولكن يجب تعلّم طريقة الإرشاد التي توكل إلى الرجل في أغلب الأحيان والذي من خلالها يقرّر خطوات المرأة وهذا لا يعني أنّ دور المرأة ضئيل، بل تعدّ رقصة "التانغو" حوارا يتبادله الرجل والمرأة من خلال النظرات وحركة الجسد وهي أيضا فرصة بالنسبة للمرأة للتمتّع بجمالها وأنوثتها، ومن بين راقصي التانغو الشهيرين: كارمنسيتا كالديرون، راوول لوزي، ماريانا مونتيس وفابيان سالاس· للإشارة سيكون الجمهور العاصمي سهرة اليوم عند الساعة الثامنة والنصف بمسرح الهواء الطلق على موعد مع الفنان كوكو دياس رفقة الثنائي الراقص أورلندو دياس ودلفين زينك في حفل للتانغو، في حين الحفل الثاني سيكون يوم الخميس 20 مارس الجاري من إحياء الفنانة سيسيليا بارودي وسهرة الخميس 27 مارس من إحياء الفنانة باربارا أورتيز، بالمقابل تتواصل فعاليات الورشة المخصّصة لتعليم فنيات رقص "التانغو" بنفس الفضاء وهي مفتوحة للجميع·