الشيخ: أبو إسماعيل خليفة العلم في الناس كثير إلا أن ورع الحاج بن السالك مفقود في غيره. هكذا قيل عنه رحمه الله.. كان يجلس مع طلابه في المسجد بعد صلاة الفجر إلى أن ترتفع الشمس قيد رمح فيصلي الضحى في المسجد ثم ينتقل بهم إلى خيمة بنيت على تل من الكتب فيجلس في ظل أول النهار فإذا تقلص عنه الفيء انتقل معه إلى مكان آخر وهكذا إلى أن تتوارى في الحجاب لا يشغله عن التعليم إلا أداء الصلوات في أوقاتها أما الليل فغالبا ما يجلس في فناء الخيمة مع طلابه إلى أن يذهب الثلث الأول فينام الثلث الثاني ويستيقظ ثلث الليل الأخير فيصلي صلاة الشفع والوتر أو ما شاء الله منها ثم يضطجع يقرأ القرآن إلى الفجر ولا أظن أن أحدا استيقظ آخر الليل إلا وسمع قراءته للقرآن علما أنه لا ينام النهار إلا قليلا أو لا ينام بسبب طلاب العلم وإلحاحهم عليه فإذا وفد عليه الكرى جلس وتحامل على نفسه حتى يصدر طلاب العلم هكذا هو في يومه وليلته لا يفعل شيئا إلا تدريس العلم ولا يخطو خطوة إلا بين المسجد والخيمة.. إنه المرابط الحاج بن السالك بن فحفو المسومي الصنهاجي (من مواليد1913) عالم موريتانيا وزاهدها وشيخ محاظرها تخرج علي يديه شخصيات علمية ودعوية كثيرة. له مؤلفات كثيرة منها: o دليل الطلاب تنوير الحوالك على ألفية ابن مالك في مجلد واحد إفادة القارئ والسامع على الدرر اللوامع في مقرأ نافع لباب النقول في متشابه القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم شرح للمقصور والممدود لابن مالك أيضا. شرح لقصيدة كعب بن زهير (بانت سعاد). شرح للشرنوبي. شرح قصيدة زروق في صفاته صلى الله عليه وسلم. وفتاوى في ورقات قليلة توفي يوم الثلاثاء (17 يوليو 2018) في محظرته في عمق جبال تكانت عن عمر تجاوز 110 سنوات قضاها في العلم والتعليم مع طلابه في المنطقة التي اختارها لمحظرته. الأرض تحيَا إذا ما عَاش عالمها * مَتَى يمُتْ عَالم منها يمُت طَرفُ كالأرض تحْيَا إذا ما الغيث حَل بها * وإن أبى عَاد في أكنافهَا التَّلَفُ إننا نرى بأم أعيننا أكابر العلماء والفضلاء يموتون فلا من يخلفهم في علمهم وفضلهم وتنطفئ مصابيحهم فلا من يوقدها من بعدهم. إننا لنرى العلم يقبض أهله بموت حملته ثم تبقى مقاماتهم فارغة فلا يملؤها إلا من دونهم ولا يخلفهم إلا من يصح أن يكون تلميذًا لهم .. أيها المسلمون: إن فقد العالم لا يعوض عنه مال ولا عقار ولا متاع ولا دينار بل فقده مصيبة على الإسلام والمسلمين. لا يعوض عنه إلا أن ييسر الله من يخلفه بين العالمين فيقوم بمثل ما قام به من الجهاد ونصرة الحق. قال الحسن: قال عبد الله بن مسعود: موتُ العالم ثلمةٌ في الإسلام لا يسدّها شيء ما اختلف الليل والنهار . وصدق رسول الله يوم أخبر أنه لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم والمراد به العلم الشرعي علم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . وكيفية قبضه أن يقبض العلماء كما في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا . . ربنا ما صنعت هذا باطلا فارزقنا الأدب معك وألهمنا الصواب والرضا بهذا المصاب اللهم وتغمّد شيخنا برحمتك واسق قبره الطاهر بسحائب إحسانك وكرمك واجزه عنا أحسن الجزاء اللهم أحسن وفادته وأكرم مثواه وأنزله في جنات النعيم مع الصدّقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا... وعظم الله أجر إخواننا في موريتانا خاصة والمسلمين أجمعين.. إنا لله وإنا إليه راجعون..