(تزكية النفوس) روى الإمام أحمد : الكيَّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله [أخرجه الترمذي] . وأيضًا روى الإمام عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا فإنه أهون عليكم في الحساب غدًا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم وتزينوا للعرض الأكبر . ونجد أن محاسبة النفس نوعان : النوع الأول : وهذا يكون قبل العمل . وهو أن يقف عند أول همه وإرادته ولا يبادر بالعمل حتى يتبين له رجحانه على تركه. وشرح العلماء ذلك قائلين : إنه إذا تركت النفس لعمل من الأعمال وهم به العبد وقف أولاً ونظر : هل هذا العمل مقدور عليه أو غير مقدور عليه ؟ فإن كان الثاني لم يقدم وإن كان الأول وقف وقفة ثانية ونظر أيضًا وسأل : هل فعله خير له من تركه أم تركه خير له من فعله ؟ فإن كان الثاني تَرَكَه ولم يقدم عليه وإن كان الأول وقف وقفة أيضًا ثالثة ويسأل نفسه : هل الباعث عليه إرادة وجه الله عز وجل وثوابه أم إرادة الجاه والثناء والمال من المخلوق؟ فإن كان الثاني لم يقدم وإن كان الأول وقف وقفة (رابعة) ونظر أيضًا وسأل ...؟ هل هو معان عليه وله أعوان يساعدونه وينصرونه إذا كان محتاجًا إلى ذلك أم لا ؟ فإن لم يكن له أعوان يساعدونه وينصرونه أمسك عنه مثال ذلك إمساك النبي صلى الله عليه وسلم عن الجهاد بمكة حتى صار له أعوان وشوكة وأنصار وإن وجده معانًا عليه فليقدم عليه فإنه منصور بإذن الله ولا يفوت النجاح إلا من فوت خصلة من هذه الخصال وإلا فمع اجتماعها لا يفوته النجاح فهذه أربعة مقامات يحتاج العبد إلى محاسبة نفسه عليها قبل العمل . النوع الثاني : ويكون بعد العمل : وهذا النوع ينقسم إلى ثلاثة أقسام كالتالي : أ- محاسبة النفس على طاعة قصرت فيها ولم تؤدَّها على الوجه الذي ينبغي وحق الله في طاعة عليها ستة أمور هي : 1- الإخلاص في العمل . 2- النصيحة للّه فيه . 3- متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم . 4- شهود مشهد الإحسان . 5- شهود منة الله عليه . 6- شهود تقصيره فيه . ب- أن يحاسب نفسه على كل عمل كان تركه خيرًا له من فعله . ج- أن يحاسب نفسه على كل عمل مباح : لِمَ فعله ؟ هل أراد به وجه الله فيكون رابحًا أو أراد به الدنيا فيكون خاسرًا . قال تعالى : لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ [الأحزاب: 8] ففي هذه الآية يُسْأَل الصادقون عن صدقهم ويحاسبون على ذلك إذًا فما الظن بالكاذبين ؟ .