الشيخ: قسول جلول لا أحد التفت إلى حملة الحرث والزرع مشجعا شاكرا ذاكرا فضل الزراعة والغراسة فالصحافة المكتوبة والمرئية ولاالسمعية تكلمت عن كل شيء إلا حملة الحرث والزرع لماذا ؟ ؟؟ أم أن الزراعة ليست من اهتمامات الناس ؟فالتاس تحاضروتدرس وتتكلم عن كل شيئ إلا الزراعة والغراسة ... قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة)) رواه البخاري فالهدى النبوي خير هدي من عمل به وتمسك بحبله ومشى في دربه واتبع خطواته نال خيراً كثيراً وربح ربحاً عظيماً ونعيش اليوم مع نفحة من نفحاته وزهرة من ثمار بساتينه ونسمة من طيب عبيره مع حديث عظيم من أحاديثه صلى الله عليه وسلم رواه الإمام أحمد في مسنده والبخاري في الأدب المفرد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل)) جاء في فيض القدير: (إن قامت الساعة) أي القيامة سميت به: لوقوعها بغتة أو لسرعة حسابها أو لطولها فهو تلميح ولأنها عند الله تعالى على طولها كساعة من الساعات عند الخلائق (وفي يد أحدكم) أيها الآدميون (فسيلة) أي نخلة صغيرة (فإن استطاع أن لا يقوم) من محله أي الذي هو جالس فيه (حتى يغرسها فليغرسها) إن هذا الحديث يعلمنا فيه النبي صلى الله عليه وسلم دروساً عظيمة من أعظمها الإيجابية في حياة المسلم إذ لابد أن يكون المسلم إيجابياً يشارك في هذه الحياة بكل ما يستطيع وبقدر ما يمكنه ولو كان ذلك في آخر لحظات الحياة إن العمل لهذا الدين وتجاوز الأنانية ومفهوم الفردية في حياتنا هو الكفيل بإعادة ترتيب الحياة على وجه أفضل وفي ديننا الحنيف نصوص تدعو إلى الزرع والتشجير ووو والمشاركة في هذه الحياة عموماً حتى تصل هذه المشاركة في آخر أيام الدنيا كما في الحديث الأيام التي لا يُنتَظَر فيها ثمار ما يزرعه أو يشارك به كما قال تعالى: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَة مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّة عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}(آل عمران:133) {وَلِكُلّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ}(البقرة:148) هذه النصوص تدعو إلى الإيجابية والمسارعة إلى أعمال الخير التي يحبها الله جل في علاه. فمن استطاع أن يميط شوكة من الطريق فليمطها ومن استطاع أن يبذر حبة فليبذرها ومن كان عنده علم دعا به ومن كان عنده مال دعا به والمسؤولية هي على الجميع كل بحسبه حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس)) ومن أجلِّ أعمال المسلم قيامه بالدعوة إلى الله بياناً باللسان وجهاداً باليد ونفقة من العلم والمال والوقت فكل مسلم على ثغر من ثغور الإسلام أياً كان تخصصه ومستواه إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}(البقرة:286). ومما يستفاد من هذا الحديث العظيم أننا لابد أن نعلم أن العمل لا ينقطع أبداً حتى تقوم الساعة بل لابد من الاستمرار والمواصلة {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}(التوبة:105) {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}(الحجر:99) ويقول تعالى وهو يذم من ترك العمل بعد أن كان مثابراً وعاملاً: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّة أَنكَاثًا}((اعلموا أن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قلَّ)) رواه مسلم (5043) وقد تعوَّذ النبي صلى الله عليه وسلم من العجز فعن أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وأعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات)) رواه يقول محمد قطب حفظه الله: وجَّه النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضوان الله عليهم والأمة من ورائهم إلى الدأب والمثابرة ولو بدت الثمرة بعيدة المنال وحثَّهم على مداومة العمل ولو بالقليل دون انقطاع وكان دائم الاستعاذة من العجز والكسل . ومن هذا الحديث نعلم مكانة الزرع وقيمته في الإسلام وأن الزارع مأجور إذا احتسب ما يفعله عند الله تعالى فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة)) رواه البخاري وعند مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلم يغرس غرساً إلا كان ما أكل منه له صدقة وما سرق منه له صدقة وما أكل السبع منه فهو له صدقة وما أكلت الطير فهو له صدقة ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة)) رواه مسلم (2900) جاء في فيض القدير: والحاصل أنه مبالغة في الحث على غرس الأشجار وحفر الأنهار لتبقى هذه الدار عامرة إلى آخر أمدها المحدود المعدود المعلوم عند خالقها فكما غرس لك غيرك فانتفعت به فاغرس لمن يجيء بعدك لينتفع وإن لم يبق من الدنيا إلا صبابة وذلك بهذا القصد لا ينافي الزهد والتقلل من الدنيا وفي الكشاف كان ملوك فارس قد أكثروا من حفر الأنهار وغرس الأشجار وعمروا الأعمار الطوال مع ما فيهم من عسف الرعايا فسأل بعض أنبيائهم ربه عن سبب تعميرهم فأوحى الله إليه أنهم عمروا بلادي فعاش فيها عبادي وأخذ معاوية في إحياء أرض وغرس نخل في آخر عمره فقيل له فيه فقال: ما غرسته طمعاً في إدراكه بل حملني عليه قول الأسدي: ليس الفتى بفتى لا يستضاء به ولا يكون له في الأرض آثار ومن أمثالهم: أمارة إدبار الأمارة كثرة الوباء وقلَّة العمارة وحُكي أن كسرى خرج يوماً يتصيد فوجد شيخاً كبيراً يغرس شجر الزيتون فوقف عليه وقال له: يا هذا أنت شيخ هرم والزيتون لا يثمر إلا بعد ثلاثين سنة فلم تغرسه فقال: أيها الملك زرع لنا من قبلنا فأكلنا فنحن نزرع لمن بعدنا فيأكل بل ذكر بعضهم أن الزراعة أفضل المكاسب واختلف في أفضل المكاسب فقال النووي: أفضلها الزراعة وقيل: أفضلها الكسب باليد وهي الصنعة وقيل: أفضلها التجارة وأكثر الأحاديث تدل على أفضلية الكسب باليد ومن الأمور التي لابد أن يتعلمها المسلم من هذا الحديث أن الأرض والسماء حسبة واحدة لا ينفك أحدهما عن الآخر فالدنيا هي الطريق إلى الآخرة يقول محمد قطب: وأدرك المسلمون كذلك من مفهوم الإِسلام أن الأرض والسماء حسبة واحدة! وأن طريق الآخرة هو طريق الدنيا بلا اختلاف ولا افتراق! إنهما ليسا طريقين منفصلين: أحدهما للدنيا والآخر للآخرة وإنما هو طريق واحد يشمل هذه وتلك ويربط ما بين هذه وتلك ليس هناك طريق للآخرة اسمه العبادة وطريق للدنيا اسمه العمل وإنما هو طريق واحد أوله في الدنيا وآخره في الآخرة وهو طريق لا يفترق فيه العمل عن العبادة ولا العبادة عن العمل كلاهما شيء واحد في نظر الإِسلام وكلاهما مختلطان ممتزجان وكلاهما يسير جنباً إلى جنب في هذا الطريق الواحد الذي لا طريق سواه. العمل إلى آخر لحظة من لحظات العمر إلى آخر خطوة من خطوات الحياة يغرس الفسيلة والقيامة تقوم هذه اللحظة عن يقين! وتوكيد قيمة العمل وإبرازه والحض عليه فكرة واضحة شديدة الوضوح فيمفهوم الإِسلام ولكن الذي يلفت النظر هنا ليس تقدير قيمة العمل فحسب وإنما هو إبرازه على أنه الطريق إلى الآخرة الذي لا طريق سواه. وقد مرَّت على البشرية فترات طويلة في الماضي والحاضر كانت تحس فيها بالفُرقة بين الطريقين كانت تعتقد أن العمل للآخرة يقتضي الانقطاع عن الدنيا والعمل للدنيا يزحم وقت الآخرة وكانت هذه الفرقة بين الدنيا والآخرة عميقة الجذور في نفس البشرية إن هذا الحديث ليرسل لنا رسائل واضحة في عدم اليأس والقنوط والتزام الفأل الحسن فأنت تزرع الفسيلة ولن تثمر إلا بعد سنوات لكننا نزرع نبني الحياة ونعمرها ولا نيأس من تأخر الثمرات نفعل الخير ولا نقنط إن قوبلنا بالشر فلا يقل أحدنا قد اقتربت الساعة فلا نعمل ولا نعلم ولا نقرأ ولا نكتب ولماذا تكدح؟ ولماذا؟ وهذا هو كلام اليائسين. بل لابد أن يقدم المسلم كل ما يستطيع حتى آخر لحظة ولا يحقر عمله أبداً ولا يقل ستقوم الساعة أو قامت الساعة واغرس ولا يقل: لمن أغرس؟ ومتى تثمر؟ ومن يأكل؟ {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}(التغابن:16).إن هذا واجبكم وهذه مهمتكم وأن واجبكم ومهمتكم ينتهيان بكم هناك عند غرس الفسيلة في الأرض لا في التقاط الثمار . نسأل الله تعالى أن ينفعنا بما علمنا وأن يعلمنا ما ينفعنا وأن يزيدنا علماً وعملاً وتقوى وصلاحاً.