تتكرر بعض المشاهد البائسة التي وقفنا عليها سابقا في وادي جر كذلك ببعض مناطق العفرون المجاورة، وهي مقر الدائرة، ففي بني جماعة يكاد الوضع يتشابه مع الحشم. حي مهمل كذلك، الطرقات فيه ترابية، والأزقة الضيقة الصاعدة إلى أعلى من الطريق الوطني رقم 4، تشكل مع تساقط الأمطار قنوات للسيول طالما صرخ مواطنو الحي في آذان المسؤولين المحليين بضرورة وضع حد لهذه السيول على الأقل، لكن الآذان لاتزال مسدودة، فيما يبدو، قال أحد شباب الحي أنهم لا يرون هؤلاء المسؤولين إلا مع قرب موعد الانتخابات. كثير منهم لا يعرفون أسماء أو وجوه المنتخبين. ولحسن الحظ هناك مدرسة ابتدائية لأطفال الحي الصغار، لكن الأكبر سنا منهم يتوجهون يوميا إلى متوسطات العفرون في حافلة نقل تأخذهم صباحا ولا تعيدهم مساء، لا مشروع سكني لفائدة مواطني بني جماعة... وتلك هي حال أول تجمّع سكاني لبلدية العفرون من ناحية الغرب. وليست حال العفرون المدينة بأحسن من بني جماعة مع بعض التباين في المظاهر فقط. فللعفرون وجهان، أحدهما هو ذلك الظاهر على امتداد الطريق الوطني الذي يعبر المدينة، حيث تبدو بعض اللمسات التي تعكس الواجهة. أما الآخر فهو قبيح جدا، يبدأ مع بضع عشرات من الأمتار إلى الجنوب، حيث يتشكل حزام بؤس على امتداد المرتفعات من الشرق إلى الغرب. أحياء وبنايات فوضوية وطرق مهترئة ومزابل في كل مكان، ولا شيء يسود هناك غير الفوضى العارمة، ازدحام الطرقات المتربة والموحلة على الرغم من أنها تبدو معبدة بالمشاة والسيارات ووسائل النقل الريفي، وتحول الأحياء الجديدة المشكلة من العمارات إلى مناطق ريفية لا فرق بينها وبين بني مويمن، وهو ما وقفنا عليه في حي 300 مسكن مثلا، حيث لا مبالاة السكان، والسلطات تكشف عنها المزابل الفوضوية، وواجهات العمارات المتآكلة والبعوض والجرذان والروائح الكريهة. إلى الأعلى الوضع أكثر سوءا، حيث الحي القصديري ببني مويمن. ثمة ديكور خاص غير متناسق، يتمثل في نمو الصفائح القصديرية وسط خضرة أشجار الزيتون. عبثا حاولت تلك الصفائح الاختباء، لكن قبحها فضحها! أعمدة وخيوط فوضوية للكهرباء مدت بطرق غير شرعية وفوضوية، وبشر يعانون خلف الصفائح صيف شتاء، ولا أمل في الأفق، أطفال يدفنون براءتهم بين النفايات والأوحال والأتربة بوجوه قاتمة وملامح لم تستطع مداراة الحزن العميق، فالناس هناك متشابهون في المعاناة، لا فرق بين مواطن في المعايف وآخر في النحاوة أو بني مويمن أو غيرها، إنهم يتقاسمون الغبن نفسه، ويتحدثون اللغة نفسها، لغة الحاجة والفاقة واليأس من صلاح الأحوال بعدما انتظروه طويلا لسنوات، وربما لعقود، لكنه لم يأت ذلك الصلاح.