حين سألت أمّنا عائشة رضوان الله عليها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمّا تقوله إذا أدركت ليلة القدر أجاب معلّمًا زوجه الأثيرة والأمّة من بعدها إلى دعاء مختصر لا تكلّف فيه ولا تنميق: قولي: الّلهم إنّك عفو كريم تحبّ العفو فاعف عني وفيه إرشاد إلى جوامع الدّعاء وترك الاعتداء فمن عفي عنه في الدّنيا سلم من العقوبة ومن فاز بعفو الآخرة نجى من النّار. يالها من ليلة تُقضى فيها الحاجات وتُغفر الزّلات والعظائم لمن أناب وتاب بصدق ويتقارب العبد من طاعة مولاه ويتزوّد لعام قابل وأيام قادمة والحصيف من اختلى بربّه وأفرغ قلبه وسكب ماء عينيه بين يدي مولاه وابتهج بضيوف الأرض من ملائكة الكبير المتعال فأيّ أمن وأيّ اطمئنان؟ وهي ليلة من عشر أو واحدة من خمسة أوتار أرجاها ليلة سبع وعشرين دون جزم وفيها أقوال عديدة تتجاوز الثّلاثين قولًا وذهب آخرون إلى أنّها تنتقل بين الّليالي وللشّيخ الرّاحل ممدوح الجبرين اجتهاد جريء بحصرها في ليلة الثّلاثاء الفرديّة من العشر استنادًا لحديث فضل يوم الاثنين ذلك يوم ولدت فيه وبعثت فيه وأُنزل عليّ فيه بينما يذهب المفسّرون إلى أنّ نزول القرآن ليلة القدر ينصرف إلى نزوله من الّلوح المحفوظ إلى بيت العزّة في السّماء الدّنيا وليس إلى نزوله على النّبي عليه السّلام في الغار والعلم عند الله. إنّها ليلة سلام وأنس وسكون نفس وأجواء ليلة نفحات مَنْ ظفر منها بنفحة قد تنجيه من لفح لهيب يتلّظى ومن فاز بنفحة منها حاز من المِنح ما لا يوصف ومن غنم نفحة منها كان كمن ارتقى من سفح لقمّة فكيف نتركها ولا نتسابق إليها وهي متاحة لأيّ أحد دون أن يُنقص نصيب فرد منها حظّ غيره فيها وما أكرم الله وأحلمه يوم اختارها في شهر رمضان والنّفوس مقبلة وصيّرها في أواخره بعد مران على القيام والتّبتل ليجتهد الصّادقون قبل فراقه مخافة ألّا يعودوا إليه.