** توفيت والدتي قبل اثني عشر عاماً، ولأول مرة أحس بفقدان غالٍ، والتزمت الصمت وما بكيت أبدًا، لكن بعد أسبوع أصبحت أرى والدتي أينما أكون كأنها ظل، فأحس بوجودها، ومن ذلك الوقت أصابتني حالة نفسية سوف أشرحها لكم.. منذ شهرين كنت أصلي وفجأة أحسست بأطرافي تفقد كل الإحساس فيها كأنها مشلولة، فيدي كلها وحتى لساني صار نصفه ميتاً، ولا أستطيع أن أنطق، وأذني لا أسمع بها.. هذا الشيء خوّفني وأحسست أني سأموت، وبعد ثوانٍ رجعت لحالتي الطبيعية لكن أصبحت أرتجف وقلبي يخفق مما صار.. وكنت أتعاطى أدوية سبّبت لي رجفة وخفقاناً وعطشاً، وأصبح الخوف من الموت أثقل من ذي قبل.. أفكر أن النهاية قد قربت، وأن الحياة قصيرة ومأساوية.. فكلي خوف وتفكير حتى إني صرت أخاف أجلس لوحدي، وأخاف أسلم على أحد يده لا تضغط على يدي؛ فأحس كأني أسلم على ميت.. وأي طارئ لشخص ميت أفكر فيه كثيراً، ونفسيتي تتعب، وأي جرح أو ألم يذكِّرني بالنهاية.. علماً أن زوجي يرفض ذهابي إلى طبيب نفساني، فأنا قبل ثلاثة أشهر تقريبًا كنت مرحة جدًا كما هي طبيعتي، ولا يهمني تعب أو خوف لكن الأحوال تغيَّرت. أرشدوني ماذا أفعل؟ * الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: لم أستطع الربط ما بين وفاة الوالدة منذ اثني عشر عاما وما تعانين منه منذ ثلاثة أشهر. يبدو -مما ذكرتِ- أنك تعانين من حالة قلق حاد من فكرة المرض والموت... وبمجرد التفكير بهذين الأمرين ينتابك ما ينتابك من عوارض وخوف وتتعب نفسيتك... هل الحياة مؤلمة لأننا سنموت، أو نمرض؟، أم أن هنالك أمراً آخر يؤلم؟ هل علمتِ عن أحد -منذ الخليقة إلى أن تقوم الساعة- لم ولن يمرض أو يموت؟! فلماذا تخافين من الموت إلى هذا الحد؟ هل تخافين لقاء الله؟ أم أن المعاصي كثيرة وتخافين الحساب؟ ولعل الإجابة عن هذه السئلة المباشرة والقاسية ستساعدك في تحديد المسار الذي يجب أن تسلكيه لتواجهي مخاوفك. بنيتي، بدل التفكير بأنك ستموتين وتفاعل الخوف داخلك من هذه الفكرة، أرجو أن تحولي السؤال من "هل هذه هي النهاية، هل سأموت؟" إلى، "هل أنا حاضرة لملاقاة ربي؟ هل أنا أعمل ما عليّ لإيجاد الحجة والتبرير للتكفير عن السيئات؟". وبناء عليه، حددي الخطوات التي تساعدك التقرب بها من الله والتكفير عن أية زلات أو معاص، قد وقعت بها. الخلاص من القلق أو الخوف، ليس له إلا مخرج واحد، وهو مواجهة ما يخيف وعدم التركيز على العوارض الجسدية التي نشعر بها نتيجة المخاوف، لأن مجرد التفكير بالأفكار السلبية يساهم في سيطرتها وتضخيمها، وبالتالي يصبح من الصعوبة بمكان السيطرة عليها، ولهذا تدخلين في متاهة التعب النفسي والإرهاق. بالمطلق، لا تجادلي ولا تحادثي ولا تبرري، ولا حتى تحاولي تفحص الفكرة لتتأكدي من صحتها... تجاهليها تماما، وحاولي قدر المستطاع استبدالها بفكرة أخرى إيجابية، كالتي ذكرت لك سابقاً. لهذا، بدل الخوف أو القلق من المرض علينا الوقاية من المرض، بالغذاء الصحيح والنوم السليم، والرياضة اللائقة، هذا من ناحية. أما الموت، فعلينا تحضير أنفسنا لملاقاة الله، لأن لا مناص من الموت.. جميعنا سيفنى لا محالة، والمفلح منا من يعمل الخير كل الخير، والقيام بما يقدر من التعاليم الشرعية من صلاة وصوم وقراءة قرآن، وصدقة واستغفار للتكفير وللتحضير.. وإن شاء الله يحسن الله خاتمتنا جميعاً. السؤال أولا وأخيرًا ليس: "هل هذه هي النهاية؟"... أبداً، السؤال الصحيح، هو: "هل أنا مستعدة للموت؟ لملاقاة الله؟". ضعي خطة، وازني كل الأفعال والأعمال التي ترغبين في مزاولتها، لعمل توازن ما بين العيش على وجه البسيطة، وبين التحضير للآخرة التي لا بد من أنها آتية في موعد لا يعلمه إلا الله وحده سبحانه وتعالى.