بصفته مبعوثا خاصا لرئيس الجمهورية, عطاف يحل بالكاميرون    طاقات متجددة: ياسع يبحث سبل التعاون والشراكة مع وفد من الشركة الصينية "لونجي"    منتدى الإعلاميين الفلسطينيين: استشهاد 111 صحفيا فلسطينيا واعتقال 145 خلال 2024    2024 سنة تاريخية لبورصة الجزائر    غزّة.. حرب على البشر والحجر    محكمة برازيلية تقضي بإيقاف جندي صهيوني    تطبيقات الذكاء الاصطناعي وسيلة للتعاطف الإنساني    اتحاد الحراش يتأهل لملاقاة شبيبة القبائل    وزارة العلاقات مع البرلمان تطلق منصة "تجاوب" الرقمية    قسنطينة: "التلحيفة والملحفة الجزائرية" إصدار جديد للمتحف العمومي الوطني للفنون والتعابير الثقافية التقليدية    شبكات مختصة في المتاجرة بالمخدرات تستهدف الجزائر    جيدو : الجزائر تنظم البطولة الافريقية اكابر 2026    المخزن أداة وظيفية لزعزعة استقرار الساحل وزرع الأزمات والفتن بالمنطقة    العاب القوى/بطولة العالم داخل القاعة 2025 : جمال سجاتي اول رياضي جزائري يضمن تأهله    كرة القدم/ بطولة افريقيا للاعبين المحليين-2024: عملية القرعة يوم 15 يناير بنيروبي    العدوان الصهيوني على غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 45854 شهيدا و 109139 جريحا    السنة المالية 2025: تسليم الاعتمادات الميزانية للوزارات والهيئات العمومية    افتتاح فعاليات أسبوع الاحتفال "بالزي النسوي الاحتفالي للشرق الجزائري الكبير"    انطلاق قراءة كتاب صحيح البخاري وموطأ الإمام مالك عبر مساجد الوطن    المسيلة.. الإطاحة بشبكة إجرامية وطنية مختصة في نقل وشحن والاتجار بالمؤثرات العقلية    بلمهدي يشرف على انطلاق المسابقة التصفوية الدولية لجائزة الجزائر لحفظ القرآن الكريم وتجويده    خنشلة..دخول عيادة طبية متعددة الخدمات حيز الخدمة ببلدية متوسة    وزارة السكن: 224 مشروع تجهيز عمومي مبرمج في 2025    وزير المجاهدين وذوي الحقوق يشرف على اجتماع إطارات الإدارة المركزية لتقييم حصيلة سنة 2024    السيدة منصوري تستقبل من طرف رئيس جمهورية ليبيريا    ماموني يلتقي ممثّلي المحامين    الشرطة: تقدر تكون واحد منا    سيال تعتمد خطة عمل جديدة    تغييرات منتظرة في الوفاق    استهلاك الوقود يرتفع في الجزائر    دعوة إلى المشاركة في المسابقة    فتح باب التسجيل في الدكتوراه للطلبة الفلسطينيين    الحماية المدنية تحذّر من القاتل الصامت    مكاسب بالجملة للأساتذة في الأطوار الثلاثة    لقاء تنسيقي سنوي بين المحكمة العليا واتحاد منظّمات المحامين    الارتقاء بأوضاع الجالية الجزائرية في تونس    الخرطوم ترحب بالوساطة التركية    حاج موسى لاعب الشهر في فينورد    "التريز" لعشاق الحلويات وإحياء يناير    دورات تكوينية في جراحة القلب بالبليدة    "الأمسيو" تنجو من فخ "غزلان" الجنوب    عمورة يصاب و يثير القلق في فولفسبورغ    جهود كبيرة لإنجاح موسم السياحة الصحراوية    إدانة لنفاق المجتمع وعاداته البالية    8 أعمال في دورة نورية    أدعو إلى دعم المحتوى الثقافي الجزائري    قسنطينة: انطلاق أسبوع الاحتفال بالزي النسوي الاحتفالي للشرق الجزائري الكبير    بلمهدي يشرف على انطلاق المسابقة التصفوية الدولية لجائزة الجزائر لحفظ القرآن الكريم وتجويده    الفكر قد يُسهم في الإصلاح والتقدم وقد يرسخ الإفساد والتخلّف    هكذا تستعد لرمضان من رجب..    مستشفيات صينية تشهد حالة ضغط مع انتشار مرض تنفسي    الخطوط الجوية الجزائرية تعلن عن إغلاق مؤقت لوكالتها في دبي    قراءة صحيح البخاري بجامع الجزائر    افتتاح مجلس قراءة الجامع الصحيح للإمام البخاري    إن اختيار الأسماء الجميلة أمر ممتع للغاية    "كناص" البليدة تطرح بطاقة ال"شفاء" الافتراضية    حاجي يدعو إلى التركيز على إنتاج أدوية مبتكرة    التركيز على إنتاج أدوية مبتكرة تماشيا مع التوجهات للدولة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طقوس ابتدعها بعض الجهلة لمواجهة الأوبئة
نشر في أخبار اليوم يوم 20 - 03 - 2020


العلماء يحذرون من الجهل في زمن الفتن
طقوس ابتدعها بعض الجهلة لمواجهة الأوبئة
على مدى قرون متطاولة لم تزل الأوبئة والجوائح تجتاح العالم وفي أحايين كثيرة كانت لا تبقي ولا تذر ويطال تأثيرها الإنسان والحيوان وحتى النبات أحيانا وكل ما اشتد الوباء بالناس ووطئهم المرض بكَلْكَلِه لجئوا إلى مقاومته بوسائلهم المتاحة فإن عجزت عن مواجهته تطلعت نفوسهم إلى اختراع وسائل أخرى يعتقدونها خارقة قادرة على قلب المعادلة بين كل لحظة وأخرى وما لم يهتد البشر بنور الهداية الحقة والعلم الصحيح فإنهم سيقعون لا محالة في شباك الخرافة ولا يخفى ما ستجره عليهم من ويلات تفاقم ما هم فيه من البلاء فينقلب الدواء داء والمنقذ مهلكا وعلى مستوى أمتنا يمكن رصد الكثير من التصرفات الخاطئة التي تعامل بها بعض الناس مع الأوبئة وهي استراتيجيات خاطئة أدانها الدين الإسلامي الحنيف أولا قبل أن تثبت أبحاث علم الأوبئة والأمراض خطورتها ومن هذه التصرفات ما يلي:
أولا: الاجتماع في مكان واحد للتضرع والدعاء:
اجتاح العالم منتصف القرن الثامن الهجري وباء الطاعون الذي عرف باسم الطاعون الأسود ويذكر مؤرخوا مصر أحداثا جساما رافقت هذا الوباء حيث بلغ من فداحة الخطب أن طاشت العقول وعم البلاء بمصر حتى خرج الأمر عن الحدّ ووقع العجز عن العد وامتلأت الأماكن بالصّياح يقول ابن تغري بردي: فلا تجد بيتا إلا وفيه صيحة ولا تمرّ بشارع إلا وترى فيه عدّة أموات واشتد الوباء بعد ذلك حتى عجز الناس عن حصر الموتى ويستطرد في ذكر الأعراض التي كان يجدها المرضى فيذكر منها: أن المصابين كانوا يحسّون بارتفاع في درجات حرارتهم ويجدون غثيانا فيبصق الواحد منهم دما ويموت ثم يتبعه أهل داره واحدا بعد واحد حتى يفنوا جميعا بعد ليلة أو ليلتين.
وعن التدابير التي اتخذها الناس للوقاية من المرض يقول مؤرخ القاهرة: لم يحتج أحد في هذا الوباء إلى أشربة ولا أدوية ولا أطبّاء لسرعة الموت وفى شعبان تزايد الوباء بديار مصر وعظم في شهر رمضان وقد دخل فصل الشتاء فما كان من الحكام إلا أن أمروا الناس بالاجتماع في الجوامع للدعاء فنودى أن يجتمع الناس حاملين الأعلام والمصاحف إلى قبّة النصر خارج القاهرة فاجتمع الناس بعامّة جوامع مصر والقاهرة وخرج المصريّون إلى مصلّى خولان بالقرافة.
والواقع أن الابتهال إلى الله بالدعاء والالتجاء إليه لرفع البلاء لا ينكره أحد بل هو المطلوب شرعا قال تعالى: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 43] فهو القادر سبحانه على كشف البلاء عن عباده لكن الذي يُنْكر هو الاجتماع بصفات وهيئات محددة واختراع عبادات لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم وادعاء أنها ترفع الوباء وتكشف البلاء لذلك يذكر الحافظ ابن حجر أنه لما اشتد الأمر بالطاعون - سنة 833 ه - أمر السلطان باستفتاء العلماء عن نازلة الطاعون هل يشرع الاجتماع للدعاء برفعه؟ وما الذي وقع للعلماء في الزمن الماضي؟ فكتبوا الأجوبة وتشعبت آراؤهم وتحصل منها على أنه يشرع الدعاء والتضرع وتقدم قبل ذلك التوبة والخروج من المظالم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنهم لا يستحضرون عن أحد من السلف أنهم اجتمعوا لذلك؟
ونحن اليوم بعد تطور علوم الأوبئة ندرك أن اجتماعهم هذا كان سببا رئيسا في استفحال الوباء وانتشاره ولا مستند له من شرع ولا طب بل قد لا نعدم في نصوص الشرع النهي عنه خاصة إن كان بين المجتمعين مرضى يخشى أن ينشروا الداء إلى الأصحاء فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِح ّ) [البخاري].
ثانيا: الاجتماع لقراءة صحيح البخاري:
لما كثر وقوع النكبات والأوبئة في عصر المماليك وما بعده من العصور ادعى بعض الناس أن الاجتماع لقراءة صحيح البخاري سبب في رفع الأوبئة حتى إن هذه العادة استقرت عند السلاطين في مصر خاصة وما جاورها من بلاد الشام منذ عهد الدولة النورية وما تلاها من دول المماليك والعثمانيين بل شرع بعض العلماء في التأصيل لها فهذا الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة يقول: قال لي من لقيتُ من العارفين عمّن لقيه من السادة المُقَرّ لهم بالفضل: إن (صحيح البخاري) ما قُرئ في شدّة إلا فرجت ولا رُكب به في مركب إلا نجت وكان البخاري مجابَ الدعوة وقد دعا لقارئه.
وفي العصور المتأخرة بلغ الناس من التواكل والخور أن استعاضوا بقراءة البخاري عن الجهاد حتى أصبح الناس إذا هاجمهم الغزاة المحتلون لا يقاومونهم وإنما يهرعون للمساجد لختم صحيح البخاري في مجلس واحد.
يذكر ابن تَغْرِي بَرْدِي في أحداث الوباء العظيم عام 742 ه أنه لما وصل إلى مصر واستفحل أمره بها اجتمع الأمراء والعامة لقراءة صحيح البخاري في الجامع الأزهر واستمرّت قراءة البخاري بالجامع الأزهر وغيره عدّة أيام ويبدو أن هذا الطاعون استمر لأعوام متتالية فقد ذكر ابن كثير في أحداث سنة 749 ه أن الأخبار تواترت بوقوع الوباء في أطراف البلاد فذُكر عن بلاد القرم أمر هائل وموتان فيهم كثير ثم ذكر أنه انتقل إلى بلاد الفرنج حتى قيل إن أهل قبرص مات أكثرهم أو يقارب ذلك وكذلك وقع بغزة أمر عظيم وقد جاءت مطالعة نائب غزة إلى نائب دمشق أنه مات من يوم عاشوراء إلى مثله من شهر صفر نحو من بضعة عشر ألفا وقرئ البخاري في يوم الجمعة بعد الصلاة سابع ربيع الأول في هذه السنة وحضر القضاة وجماعة من الناس وذكر المقريزي في أحداث سنة 775 ه أن السلطان استجد عنده بالقصر من قلعة الجبل بدمشق قراءة كتاب صحيح البخاري في كل يوم من أيام شهر رمضان بحضرة جماعة القضاة ومشايخ العلم تبركاً بقراءته لما نزل بالناس من الغلاء فاستمر ذلك وتناوب قراءته شهاب الدين أحمد بن العرياني وزين الدين عبد الرحيم العراقي لمعرفتهما علم الحديث فكان كل واحد يقرأ يوماً.
ثالثا: اختراع طقوس غريبة من العبادة:
لما تواصل البلاء بالناس اخترعوا طقوسا وعبادات ونسبوها إلى ما عرف عندهم بالمجرَّبَات حيث يدعون أنها جربت في زمان أو مكان معين فارتفع البلاء ومن أغرب ما نطالعه من هذه الطقوس ما ذكره المؤرخون عن كاتب السّرّ بالديار المصرية أنه لما تواصل البلاء بمصر أمره سلطان البلاد المصرية والشامية الملك الناصر أن يجمع أربعين شريفا اسم كل شريف منهم محمد وأن يفرّق فيهم من ماله خمسة آلاف درهم ويجلسهم بالجامع الأزهر فقرؤوا ما تيسّر من القرآن الكريم بعد صلاة الجمعة ثم قاموا هم والناس على أرجلهم ودعوا الله تعالى- وقد غص الجامع بالناس- فلم يزالوا يدعون الله حتى دخل وقت العصر فصعد الأربعون شريفا إلى سطح الجامع وأذّنوا جميعا ثم نزلوا وصلّوا مع الناس صلاة العصر وانفضّوا وكان هذا بإشارة بعض الأعاجم قال ابن حجر: كان بعض العجم قال للشريف إن هذا يدفع الطاعون ففعل ذلك فما ازداد الطاعون إلا كثرة.
رابعا: الابتهال بأدعية مخترعة أو بصفات غير مأثورة:
يذكر الحافظ ابن كثير أنه لما كثر الموت في الناس بأمراض الطواعين وزاد الأموات كل يوم على المائة وذلك مطلع سنة 749 ه - وهي أحداث عاصرها ابن كثير وقد ناهز الخمسين من عمره - يقول في صبيحة يوم التاسع من شهر ربيع الأول اجتمع الناس بمحراب الصحابة وقرأوا متوزعين سورة نوح 3363 مرة عن رؤيا رجل أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرشده إلى قراءة ذلك كذلك ويذكر المقريزي أنه في شهر رجب من نفس العام قدم كتاب نائب حلب بأنّ بعض أكابر الصلحاء رأى النّبيّ صلى الله عليه وسلم في نومه فشكا إليه ما نزل بالناس من الوباء فأمره صلى الله عليه وسلم بالتّوبة والدعاء بهذا الدعاء المبارك وهو: اللهمّ سكن هيبة صدمة قهرمان الجبروت بألطافك النازلة الواردة من فيضان الملكوت حتى نتشبّث بأذيال لطفك ونعتصم بك عن إنزال قهرك يا ذا القوّة والعظمة الشاملة والقدرة الكاملة ياذا الجلال والإكرام . وأنه كتب بها عدّة نسخ بعث بها إلى حماة وطرابلس ودمشق.
هذه الخطوات المذكورة آنفا تدل على مدى التخبط والتيه الذي يقع فيه الإنسان عندما يستسلم للخرافات ويبتعد عن منهج الحق الذي يستهدي بمشكاة النبوة الصحيحة ذلك أن المسلمين لما خالفوا تعاليم دينهم باختراع عبادات وأدعية نسبوها للتجربة تارة وللمنامات تارة أخرى ساهموا من حيث لم يقصدوا في تفشي الوباء فيهم أكثر وأكثر وتكشف التاريخ بأن كل الإجراءات الأربع السابق ذكرها كانت خاطئة وقد وقف يومها أطباء العالم كله عاجزين عن تفسير أسباب سرعة انتشار الوباء رغم أنه أباد – حينها - أكثر من ثلث سكان أوروبا وانتشر في نفس الوقت في آسيا وفي الشرق الأدنى ليتضح فيما بعد أن التعامل الأمثل معه كان يتطلب اعتماد مبدأين اثنين فقط وهما:
أولا: تطبيق مبدأ الحجر الذاتي الوارد في صحيح البخاري في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْض فَلاَ تَدْخُلُوهَا وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْض وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا) ومن أجمل المعاني في هذا الحديث تفسير كلمة إذا سمعتم حيث تستخدم للتعبير عن عدم رؤية الحدث معاينة أي إذا أخبرتم أو وصل إلى مسامعكم بأن الطاعون قد نزل بأرض فلا تذهبوا إليها تقليلاً من الخسائر ومنعاً لانتشار المرض وليت شعري كيف يفقه من يقرأ هذا الحديث في صحيح البخاري ثم يأمر الناس أن يتوافدوا زرافات ووحدانا للتجمع في مكان واحد في ذروة انتشار الوباء – وفيهم المريض بالطاعون لا محالة – ليقرؤوا صحيح البخاري أو ليجتمعوا على هيئات وتلاوات لم ترد عن السلف.
ثانيا: الاحترازات الوقائية مثل النظافة والتطهير للقضاء على وسائل الانتشار ففي حالة الطاعون مثلا أثبتت التجارب المخبرية فيما بعد أن البكتيريا المسببة للطاعون تحتفظ بها القوارض مثل الفئران وتتكاثر بداخلها وتنمو وتنتقل عدواها إلى الإنسان عن طريق البراغيث التي تلدغ الفأر المعدي ثم تلدغ الإنسان أو نتيجة عض الفئران المعدية للإنسان بشكل مباشر أو من إنسان إلى آخر بشكل مباشر عن طريق الرذاذ والكحة والعطس في حالة الطاعون الرئوي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.