في مدينة الأبيض سيدي الشيخ فرنسا وأول تجربة تنصيرية في التاريخ -الجزء الحادي والأربعون- بقلم: الطيب بن إبراهيم *الإرسالية تستغل الشاب حسن التونسي المشكلة المستعصية التي كانت تعاني منها إرسالية الأبيض هي العجز عن إيصال خطابها المباشر للسكان بلغتهم العربية العامية التي يتكلمونها ويفهمونها ورغم تعلِّمهم لها ساعة كل يوم ورغم الاستنجاد بعدة مستعربين كماسينيون ولويس غاردي وبيار غرو وايميل جانيي وتعاونهم مع عرب مسيحيين كالمصري جورج شحاتة قنواتي واللبناني أنطوان حبيب ومسلمين مرتدين كمحمد جون عبد الجليل المغربي وعفيف عسيران اللبناني ومع ذلك كانوا دائما في حاجة للعنصر العربي. في أول عيد للميلاد بمدينة الأبيض سيدي الشيخ كان قد مر على تأسيس الإرسالية ثلاثة أشهر فقط فلم يكن الوقت كافيا لترتيب حفل أول عيد ميلاد خارج الديار يليق بمقامهم لذا كان ثاني عيد للميلاد بمدينة الأبيض في شهر ديسمبر سنة 1934 معدا ومحضرا بطريقة جعلت الإرسالية صاحبة الحدث في المدينة فأسمعت صوتها وأخبرت بحدثها وأشركت جيرانها المسلمين وهذا ما أعدت له العدد والعدة وهيأت له الأجواء. وبتلك المناسبة الدينية كان نجم الاحتفال الشاب حسن التونسي الذي استضافته الإرسالية بمناسبة عيد الميلاد لنهاية سنة 1934 والذي أدى المهمة بامتياز في وقتها وفكَّ عن الإرسالية عزلتها الاختيارية مع السكان. المعلومات حول حياة الشاب حسن التونسي قليلة جدا باستثناء بعض الإشارات العابرة هنا وهناك وكل ما عرف عنه أنه كان مقيما بمركز الآباء البيض بمدينة الجزائر تنصر وتعلم المسيحية قبل مجيئه لإرسالية الأبيض وكانت وضعية حياته وعائلته صعبة جدا حسب وصف رئيس الإرسالية وان الشاب حسن طلب تعميده أثناء وجوده لدى الآباء البيض وانه بقي عدة أشهر بمقر إرسالية الأبيض قبل مغادرتها باتجاه مركز الآباء البيض بمدينة الجزائر ويبدو أن حالة الشاب حسن كانت معزولة كحالة الشاب علي بن ساسي بالأبيض. ولحاجة الإرسالية الملحّة لخدمات شخص عربي مثل الشاب حسن التونسي وبمناسبة عيد الميلاد تم إرساله من مدينة الجزائر إلى إرسالية الأبيض من طرف قيادة جماعة الآباء البيض بالحراش حيث وصل للإرسالية رفقة مجموعة من أعضائها وبعض الزوار يوم الثلاثاء 6 نوفمبر سنة 1934 . كان واضحا أن الشاب حسن التونسي جاء خصيصا للمشاركة في احتفالات مناسبة عيد الميلاد وذلك لمساعدة رجال الإرسالية الأعاجم في التخاطب بهذه المناسبة مع السكان بلغتهم العربية التي يفهمونها ولم يكن يفصل تاريخ قدومه وتاريخ المناسبة إلا شهر ونصف الشهر فكانت المدة كافية ليحضر نفسه وليتمرن ويتهيأ لما يقوم به من إنشاد وترانيم وألحان وأذان من أعلى المنارة ليسمعها السكان وهي الغاية القصوى للإرسالية. كان أول صوت له وأول رسالة عربية اللسان تصل للسكان من أعلى منارة الكنيسة وذلك يوم الخميس 20 ديسمبر سنة 1934 حيث سمع السكان لأول مرة ل لأذان ولصلاة روح القدس ليلا بصوت ولحن عربيين عكس صوت أذان رئيس الإرسالية الفرنسي وصاحب اللكنة العربية والذين تعودوا على سماع صوته منذ ثلاثة أشهر تاريخ بداية الأذان يوم 3 أكتوبر سنة 1934 وواصل الشاب حسن اتصاله بصوته العربي مع السكان من أعلى المنارة مرة أخرى يوم السبت 22 ديسمبر سنة 1934 وهذا قبل أن يحل يوم الاثنين 24 ديسمبر 1934 اليوم الموعود وعلى الساعة العاشرة وربع ليلا اشتعلت الأضواء من على أعلى منارة الإرسالية وبدا الشاب حسن من أعلى المنارة ينشد و يؤذن وأعاد الأذان في ساعة منتصف الليل. لم تقتصر مشاركة الشاب حسن التونسي على المشاركة بصوته العربي في الإنشاد ليلة الميلاد فقط بل كان هو أيضا وراء صنع حلويات تونسية بمناسبة عيد الميلاد وزِّعت على المدعوين وعلى الفقراء هكذا وعلى مدار أسبوع كامل عرفت إرسالية الأبيض احتفالات كان نجمها الشاب حسن التونسي الذي لفت أنظار السكان بصوته ونبّههم لأول مرة إلى وجود عنصر عربي بالإرسالية وليس وجود للأوربيين فقط . لقد وُفِّقت الإرسالية أن تصنع الحدث في مدينة الأبيض وان تدعو السكان والأعيان للمناسبة وان يشاركها الجميع ووفقت الإرسالية أن جعلت الحدث حدثا عربيا بامتياز وليس حدثا فرنسيا ولو ظاهريا فكل برنامج الاحتفال وعلى مدار عدة أيام وعلى مدار عدة ساعات ليلة الاحتفال كله قدم بلسان عربي مبين ولم يسمع المشاركون في الحفل ولا السكان المجاورون للإرسالية أي لغة غير اللغة العربية التي كان يصدح بها حسن التونسي. كان رئيس الإرسالية الأب روني فوايوم يجيد اللغة العربية قراءة وكتابة ونطقا لكن لا يتكلمها بطلاقة العربي أصلا وكان كما يقول يعرف تجويد وترتيل القرآن ومع ذلك كان لا يستغني عن خدمات العنصر العربي والاستعانة به فوجود نزلاء عرب بالإرسالية يثير اهتمام وفضول السكان أكثر الذين تعودوا على وجود الأوربيين فقط فخلال الأشهر الأولى لبداية الأذان استعانت الإرسالية بالشاب التونسي الزائر حسن الذي كان يمدح وينشد من خلال المنارة منذ شهر سبتمبر سنة 1934م وبفضل هذا الشاب التونسي ترجمت صلاة روح القدس إلى العربية ترجمة جيدة حيث كان ينشدها ويلحنها بطريقة تشبه إنشاد الجمعيات الإسلامية التونسية ونالت تلك الترجمة إعجاب رجال الإرسالية واحتفظوا بتلك الترجمة واستعملوها لعدة سنوات. كما أن الشاب التونسي حسن علَّم القساوسة لحن أداء الأذان وكان أحيانا يؤذن بصوته العربي من أعلى المنارة وفي ذكرى عيد الميلاد للسنة الجديدة 1935م التي تزامنت مناسبتها مع شهر رمضان تقرر الاحتفال بالمناسبة وقبيل منتصف الليل ومن أعلى المنارة أعلن حسن عن عيد الميلاد . استطاعت إرسالية إخوة يسوع التنصيرية أن تستغل ظروف ووضع الشاب التونسي للدعاية لها بصوته العربي المغاربي وتختار له أحسن نصوص المناسبات الدينية لتقدم بأحسن الأصوات والألحان فيتدخل ماسينيون مرة أخرى فهو يراقب عن كثب كل حركة وسكون للإرسالية وكما تدخل معلقا على نص المؤذن روني فوايوم وموجها له تدخل مقيّما ومعلقا على إنشاد الشاب حسن التونسي لصلاة روح القدس وأدائه لها وأرسل رسالة لرئيس الإرسالية فوايوم بتاريخ 5 جوان سنة 1935م يشكره فيها على نص روح القدس المترجم الذي لم يهمل مراعاة الأسلوب العربي المؤثر وأشاد بتأثيره.