متجاهلات نظرة المجتمع فتيات يدفعن المهر للخطاب لإنقاذهن من العنوسة في ظل الأوضاع المزرية التي يعيشها الشباب، من بطالة تنخر حياتهم، ومستقبلهم، وتنقلهم من ظلمات إلى ظلمات، وتقلص مساحة الحلم، للتحوّل إلى مجرد الحصول على وظيفة، أيّ وظيفة، ولو كانت حقيرة، المهم أن يوّفر الشاب سجائر يومه، وتذكرتين، أولى لدخول حفل في هذا النادي الليلي أو ذاك، وأخرى لدخول الملعب لمشاهدة أبطال الجزائر يلعبون، أمّا أن يرتبط الشاب، ويًُكوّن أسرة، فهذا صار بالنسبة له صعب المنال، والفتاة تعلم كل هذا، تعلم أنّ الزواج صار شيئا بعيدا، ولهذا صارت تفكر في أنّ الحل الوحيد هو مساعدة الشاب، ولو استدعى ذلك أن تدفع له أموالا لشراء المهر، فلم يعد يهمها لا الأسرة، ولا المجتمع ولا شيء، تقول زكية: (فعلت هذا مع خطيبي، ولم أندم، بل كنت سأندم لو لم أفعل، أنا أعرف حالته جيدا، وأعلم أنه لا يملك ما يمكن أن يفتح به بيتا، تخرج من الجامعة، وأمضى العسكرية، وراح يبحث عن عمل، قبل سنوات، ورغم أنّ مشكل البطالة كان لا يزال موجودا، ولو ليس بنفس الحدّة، إلاّ أن الشاب كان يمكن أن يدخر شيئا، إلاّ أن تحطم الاقتصاد وارتفاع سعر كل شيء جعل الذي لا يرث ثروة لا يعيش، فكيف لا أساعد من أبدى نيته في الارتباط بي؟( لكن بعض الفتيات يرفضن هذه الطريقة، وتقول لنا أسماء: (ليست حكمة المهر في الثمن الذي سيدفعه الشاب، ولكن في أنه سيدفع، أي أنّ الفتاة لها قيمه بالنسبة له، أمّا وأن يأخذها هكذا دون أن يدفع دينارا، فهذا لا يمكن، مع الوقت سيفكر في أنّ هذه الفتاة رخيصة، وأنها باعته نفسها، وسيفكر في أن والديها أرادوا التخلص منها، كل هذا ليس في صالح الفتاة، صحيح أننا نعاني من أزمة اقتصادية منذ قرابة العشر سنوات، بل وأزمة أخلاقية كذلك، إلاّ أنّ ذلك لا بدّ أن يجعل الشاب لا ييأس، بل يكافح لكي ينجح، ويربح معركة الحياة، ثمّ إنني لا بأس إن لم أرتبط، فأفضل أن أبقى عانسا على أن أسقط في نظر زوجي المستقبلي)· أمّا الشبان فبدورهم لهم رأي آخر، يقول رضا: (لا يمكن أن أرضى بأن تدفع لي الفتاة المهر، إما أن تقبل بي فقيرا، وتصارح عائلتها بذلك، وإمّا فإنني لن أتقدم لخطبتها، لا أخجل من فقري، خاصة وأننا في عصر فاسد لا بد أن يخجل فيه الغني بغناه، لأن أمواله الدليل على فساده، أمّا أنا أفضل فتاة قنوعة، وأن يكون أهلها كذلك قنوعين)· شبان آخرون لا يستبعدون الفكرة، يقول هشام: (لا بأس، إن كانت المرأة حصلت على كل شيء في المجتمع الذي نعيش فيه، لم لا تدفع المهر، وحتى السكن، بل لم لا تصرف في الحياة اليومية، وأنا شخصيا فقدت هذه العقدة منذ سنوات، منذ أن صار مجتمعنا نسويا بامتياز)·