حسّنا الصحفي جعلنا نكتشف بالصدفة حالات من الصعب معرفة حياتها الشخصية كما هو حال الشاب "سعيد" الذي لم يسعد بعد بحياته، والذي وجدناه منهمكا في عمله وراء مكتب يكاد لا يظهر سوى رأسه من فوضى الأوراق والملفات داخل إحدى الإدارات، حيث يعمل كإطار سام منذ حوالي 20 سنة. ولم نكن نعتقد بأن "سعيد" لازال ضمن صفوف العزاب خاصة وأنه يستعد للاحتفال بعيد ميلاده ال 45 هذا الخريف، لكن بمجرد أن تحدثت مع مرافقي عن إمكانية التلذذ بكسكس الحاجة "ظريفة" هذا الموسم على اعتبار أنه ما يزال في رحلة بحث عن زوجة، حتى استفاق الإطار السامي من غيبوبته، ودخل في الحديث قائلا: "من الصعب أن تجد امرأة في هذا الزمن تقاسمك ما تبقى من عمرك". مستطردا "أنا أملك وظيفة محترمة، وسكنا خاصا، وسيارة لكن رحلة البحث عن امرأة متواصلة منذ أزيد من 10 سنوات". حقيقة - يضيف سيعد - بأنه لم يكن يظن بأن الزواج سيكون صعبا لهذا الحد، ومع مرور الوقت تحول إلى هاجس. وببساطة يقول "دهادي.. مادهاديش" أو بعبارة أخرى "عينو كبرت" ولم يجد بعد نصفه الضائع والفارسة المثالية. شاب آخر لم يجد ضالته بعد رغم أنه تجاوز سن الأربعين، كان يتردد دوريا ومن بداية موسم الاصطياف على شاطئ "أفتيس" الذي تقصده العائلات من داخل الوطن ومن المهجر. معرفتنا له لم تتجاوز بضعة أشهر لأنه وببساطة يقضي أغلب أوقاته في التنقل بين الولايات لرعاية مصالحه التجارية.. "عزيز" صادفناها للمرة الثالثة تحت مظلته الشمسية بمحاذاة أحد فنادق أفتيس، استدرجناه في الحديث عن أمور كثيرة ودون حواجز إلى أن عزفنا على وتره الحساس الذي يؤرقه منذ سنوات، والبداية كانت عندما سألنا عن عدم اصطحابه الزوجة والأولاد في رحلاته الشاطئية، وإثرها تنهد واستنشق كمية كبيرة من الأكسجين قبل أن يسترسل في الحديث عن معاناته في البحث عن زوجة رغم توفر كل الإمكانيات المادية والمعنوية، مشيرا إلى أنه لم يجد بعد امرأة يقتنع بها، وأنه كانت له عدة تجارب فاشلة سيما وأن أغلبهن يلهثن وراء المادة دون أن يعطين أدنى اهتمام لمقومات الشخصية والتطابق النفسي والعاطفي، الذي يعتبره أساس أية علاقة زوجية كاشفا بأن من أسباب تأخر زواجه تلك العلاقات العاطفية العابرة والذي يجهل عددها. يقضي إجازته في الخارج هروبا من الأعراس! هو زميل في المهنة تجده كلما حل فصل الصيف في وضع مضطرب، ويزداد اضطرابا كلما دعي إلى حفل زفاف أو سمع منبهات مواكب الأعراس، حيث يفضل صاحب ال 40 سنة قضاء عطلته خارج الوطن، وأغلبها بالشقيقة تونس هروبا من الإحراجات وتعلقيات أفراد العائلة والأصدقاء. ويرجع زميل المهنة أسباب تأخره في الزواج رغم وضعيته المالية المقبولة إلى عدم عثوره على زوجة تقاسمه نفس الأفكار بعيدا عن زواج الأقارب أو زواج المصلحة كما قال، وأضاف بأن الوضعية تعقدت أكثر في السنوات الأخيرة سيما مع فتيات الجيل الجديد اللواتي يتميزن بعقلية السندويش والإهتمام الكلي بالموضة على حسب أمور البيت. أحد التجار، فاق الأربعين من عمره، يناديه أصدقاؤه "بالصلوعة" لأنه فقد مؤخرا آخر الشعيرات التي كانت تغطي فروة رأسه، جال وصال في مختلف الدول قبل أن يستقر بمحله لبيع الملابس. صعوبة عثوره على فتاة للزواج جعلته يقرر العزوف النهائي عن الزواج، وقد ترسخت فكرته أكثر بعدما قاسمه في نفس الفكرة صديقه رجل الأعمال"عمار" الذي يعد أحد مشيدي قلاع العزاب القدماء بجيجل، إلا أن المفاجأة كانت يقول صلوعة هذا الموسم عندما التحق صديقه عمار بصفوف المتزوجين ليسلمه مفتاح القلعة، الأمر الذي يجعله يفكر في مراجعة قرارة واستئناف رحلة البحث عن امرأة. من جهته أوضح "احسن" وهو من متقاعدي الجيش الوطني الشعبي وعمره يشارف على الخمسين، بأنه لم يجد بعد المرأة التي تقبل به زوجا لأنه ببساطة متقاعد وله بنية ضعيفة تجعل الكثيرات ممن تقدم لهن يرفضونه، إضافة إلى عدم تحصله على مسكن خاص، وهو من أولويات شروط العروس. الحب الأول أفقده نكهة الزواج بينما كنا بصدد الانتهاء من هذا الروبورتاج التلقائي في مجتمع يعج بقدماء العزاب وبمختلف المتناقضات، التقينا بنبيل" في إحدى مقاهي مدينة العوانة، وهو شاب طموح ذو ال 40 سنة ومتخرج من جامعة الجزائر تخصص علم اجتماع، إلا أن طموحاته جعلته يقتحم عالم المقاولات وهو اليوم صاحب مقاولة للأشغال العمومية. قال بأنه عاش قصة حب استمرت أزيد من 5 سنوات ولم تثمر بزواج لأنه ببساطة كان في تلك الفترة لا يفكر بذلك بسبب ظروفه الاجتماعية مما جعله يجد صعوبة في ربط علاقة أخرى أو التقدم لأي فتاة قائلا: "لا يمكنني أن أحب واحد أخرى رغم محاولاتي". وختم نبيل كلامه إلينا قائلا: "كل شيء بالمكتوب ولكنني أبحث عن فتاة تشبه حبيبتي فكرا وجسدا وشكلا". أما "عمر" وهو إطار سام في إحدى المؤسسات الاقتصادية والبالغ من العمر 44 سنة فبعدما ضاقت به السبل ولم يجد المرأة المثالية بالمواصفات التي يتمناها كما يقول جمالا، أخلاقا وثقافة، فقد جرب حظه عدة مرات في الزواج بواسطة عروض الجرائد ووسائل الإعلام الأخرى إلا أنها باءت بالفشل. ويضيف "عمر" بأن "الشك" في النساء أضحى ينغص حياته ويتخوف من الارتباط بأية واحدة سيما وأنه عاش وسمع وعرف العديد من حالات الخيانة الزوجية لمتزوجات أو فتيات على علاقة رسمية مع آخرين، وهي الصورة السلبية التي تزيده ترددا في الزواج، إلا أن العمر يمر وعمر بدون زوجة أو أولاد كأصدقائه الذين تزوجوا في سن مبكرة وهو اليوم يلعب مع أبنائهم وبناتهم. أما "عنتر" البالغ من العمر 38 سنة والذي يعاني إعاقة في إحدى قدميه فإن مشكلته مع النساء تتمثل في الرفض لدى الأغلبية اللواتي تقدم لخطبتهن، في حين اللواتي قبلن به في آخر المطاف لم تكن في مستوى طموحاته سيما من الناحية الجمالية، ليبقى يطارد السراب بحثا عن الفارسة القادمة من وراء الضباب كما يقول، إلا أن الوقت كالسيف لا يرحم أحدا. على كل هذه عينة قليلة جدا من قلعة عزاب متقاعدين أو على أبواب التقاعد بجيجل والذين يعيشون ظروفا اجتماعية ميسورة وبإمكانهم انتقاء واختيار شريكة حياتهم بالنظر إلى المركز الاجتماعي. أما الحالات الأخرى لإطارات وموظفين ومتخرجين من الجامعة بطالين ويعيشون ظروفا مزرية فإن الزواج بالنسبة إليهم لازال مجرد حلم، وأن الأولوية هي الحصول على وظيفة ثم مسكن فسيارة وأخيرا زوجة وهي مسيرة عمر تتعدى سن التقاعد، وهو ما يعني - كما قال "عمر" -أنه لابد من تأسيس جمعية لقدماء العزاب لبحث الإشكاليات والوصول إلى حلول مرضية للقضاء على الظاهرة. على كل ظاهرة الإطارات السامية للعزاب تزداد انتشارا في كل الدول العربية ومعدل الزواج يرتفع من سنة لأخرى ليتراوح بين 35 و40 سنة. وحسب علماء الاجتماع فإن العزاب كلهم يحملون نفس الهموم والآراء في الوطن العربي كله، وعزاب الجزائر ينقسوم إلى قسمن الأول غير قادر ماديا والثاني غني وثري ولا تعني له مؤسسة الزواج شيئا فإذا كان الغرض منه إنجاب الأطفال فهي أمور لا يحتاجها الأغنياء في ظل الأبواب المتفتحة جدا. كما يرجع البعض أسباب العزوبية إلى كون الاحتياجات الذاتية لا تتوافق مع العرض المقدم، وبمرور السنوات تقل هاته الاحتياجات وفق الشروط المقدمة، وكذا محاولة بعض العزاب البحث عن شخصيات تفوقهم ثقافة وعلما ومركزا اجتماعيا وتكون النتيجة الرفض، ليبقى ذلك العازب في رحلة بحث عن زوجة بهاته المقاييس دون فائدة، وهو ما يعني ضرورة بحث كل شخص عن امرأة توافقه في شتى مناحي الحياة. في الأخير نقول بأن هذه الظاهرة في تفاقم كبير ومخاطرها وخيمة على المجتمع مستقبلا، وهي معروفة منذ القدم سيما إذا علمنا أن هناك البعض ممن تزوج بالسياسة كما هو حال الزعيم الكوبي "فيدال كاسترو" الذي لم يتزوج بعد، إضافة إلى العزاب المشاهير عالميا منهم السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان، العالم الإسلامي الشهير "ابن تيمية"، نابليون بونابارت، جبران خليل جبران، أبو القاسم الشابي، حمد الحجي، سيد قطب، أوستن جين، إسحاق نيوتن، إميلي ديكون، محمود عباس العقاد، والكاتب الفرنسي الشهير فلوتير، الأديب والناقد العربي عبد الله عبد الجبار، الروائي المصري محمد شكري، الشاعر الكويتي فهد العسكر، وغيرهم من علماء وفنانين تزوجوا بعلمهم أو مهنتهم ودخلوا عالم العزاب المشاهير. وتبقى ظاهرة العزاب المشاهير والأغنياء والإطارات بحاجة إلى دراسة اجتماعية ونفسية معمقة للوصول إلى أسبابها وخفاياها وإيجاد حلول ناجعة لها.