لو صح أن الانتاج الفني وأخص بالذكر الأشرطة السينمائية والتلفزيونية ستكون أدلة تاريخية مهمة تكشف للأجيال القادمة في المستقبل البعيد نمط عيشنا، لاعتقد أحفادنا أن الطب في المجتمع العربي كان قبل زمانهم متقدم بشكل خارق، حيث أنه كان يكفي الطبيب العربي عموما والمصري على وجه الخصوص كما تؤكد أغلب الأفلام، أن يجس نبض مريضته، ليلتفت إلى زوجها و يقول له بكل ثقة “مبروك، المدام حامل”و سيفتخر أحفاد أحفادنا كثيرا بهذه الإنجازات الطبية غير المسبوقة، ويرددون فيما بينهم: “إن أجدادنا كانوا خارقين،ففي الوقت الذي كان يحتاج فيه الناس في كل أسقاع العالم إلى إجراء تحاليل للدم، وفحوصات بالأشعة لتأكيد أو نفي الحمل، كان أجدادنا يصلون الى الحقيقة التي لا يرقى إليها الشك بمجرد لمس معصم المرأة، وفي أقصى الحالات كان يكفي وضع السماعة على صدرها ومناطق اخرى من جسمها,, » لكن أحفاد أحفادنا لن ينتشوا بهذا التميز الحضاري طويلا، حيث أنهم لن يفهموا واستنادا الى نفس الوثائق كيف أن هذا الطب الخارق لا يحضر غالبا أثناء الولادة، بينما تحضر نساء تنتمين الى القرون الوسطى وهن يصرخن ويطلبن إحضار إناء مملوء بماء ساخن، كأنهن سيقمن بترييش دجاجة، وما ان يدخل الماء الساخن حتى يتعالى صوت القادم الى الدنيا من الداخل.. وإذا سئل أحفاد أحفادنا عن حال الصحة العامة في مجتمع أجدادهم، سيردون بفخر أن الأطباء في ذلك الزمن،والعهدة على الأشرطة التلفزيونية والسينمائية،كانوا ينبتون كالفطر خلف الأبواب وفي الأزقة والحواري.. ما إن يبدو على أحد مواطني ذلك الزمن أعراض المرض،حتى يبادر أهله الى طلب الطبيب من خلال مكالمة هاتفية، ومسافة السكة،كما يقولون يحضر الطبيب على الفور مصحوبا بمحفظة سوداء يبدو ان فيها سحرا وليس مجرد أدوات طبية، حيث أنه خلال دقائق يمكنه أن يكشف عن الداء مهما كان مستحيلا اكتشافه،و ينصرف بنفس الابتسامة التي دخل بها الى البيت. والغريب أنني كمشاهدة كنت أعتقد أن المصريين فعلا مدللون الى هذا الحد ،قبل أن يبدأ المغاربة أيضا بتكرار هذه المزحة فيما يسمى بإبداعاتهم السينمائية،وبما أننا نعرف جيدا “خروب البلاد”فقد فهمنا أن الأمر كله مجرد سينما. وأتوقع أن يخوض أحفاد أحفادنا سجالات قوية بين من يرى أن جداتهم كن يحضن وبين من يظن جازما أنهن لم يعرفن شيئا اسمه العادة الشهرية،والسبب انه منذ بدء الخليقة،كانت النساء يتحسسن حملهن بعد تأخر العادة الشهرية،لكن كل الأفلام العربية تجمع على ان العرض الوحيد الذي يؤكد حدوث الحمل هو شعور المرأة بالدوخة وسقوطها على الأرض فجأة ودون مقدمات،ولو كان في الأمر جزء بسيط جدا من الحقيقة لكانت النساء يتهاوين في الشوراع ليكون شرطي المرور اول من يهنؤهن بحملهن الأكيد خرافات السينما العربية كثيرة،وربما تحتاج الى دراسة كاملة،ولو كان الأمر يتعلق بأحداث عابرة،أو بخيال مبدع لما لزم التوقف عنده كثيرا، لكن عندما تتكرر نفس الصور النمطية وتخترق الحدود العربية ويتم إعادة انتاجها باستمرار، فإنها تطرح علامة استفهام كبيرة عن حدود فهم مبدعينا لمجتمعاتهم..