بقلم: فارس الحباشنة* كنت اتصور ان اوكرانيا قطعة من روسيا وان اوكرانيا كيان لم ينل استقلاله بعد تفكك الاتحاد السوفيتي . اوكرانيا عضو في الاممالمتحدة ولها صوت وتمثيل دبلوماسي. واشكالية علاقة اوكرانيابروسيا بقيت قائمة من بعد انهيار الاتحد السوفيتي وحتى عام 2014 وقيام الثورة البرتقالية والتي طالبت بنتحية رئيس الجمهورية الاوكرانية وكان شديد الولاء لروسيا. ثورة الميادين هكذا نعتت في الاعلام والقيادة الروسية مازالت تعتقد ان الثورة كانت ضمن سلسلة ثورات ملونة دعمها ومولها الغرب وامريكا ضد الانظمة الاشتراكية والشيوعية ودول الاتحاد السوفيتي. في احداث كازاخستان الاخيرة سمعنا الرئيس بوتين يتحدث بصراحة وحزم وقال: ان موسكو لن تسمح في ولادة ثورة ملونة في خاصرتها القريبة ويقصد هنا كازاخستان وقد جاء التدخل الروسي العسكري حاسما لإعادة الامن والاستقرار وتصفير اي احتجاج شعبي يحمل اجندات الثورات الملونة. واشنطن لعبت دورا كبيرا في اشعال الثورات الملونة. والادارة الامريكية تسعى لضم اوكرانيا الى حلف ناتو. وذلك ضمن خطة امريكا في توسيع الناتو والوصول الى الجوار الروسي القريب وبعدما توقف توسع الناتو في حدود اوروبا الشرقية. في النظام العالمي ثمة مستجدات وظروف كثيرة دفعت الى تسخين المواجهة ما بين روسياواوكرانيا فتح جبهة عسكرية قد تتحول في اي لحظة ساخنة الى حرب كبرى على الساحة الاوكرانية ما بين بلدين وقطبين ومحورين دوليين روسيا في الشرق والناتو وامريكا والاتحاد الاوروبي في الغرب. و في ضوء معطيات الواقع فان المواجهة لها مبررات كثيرة .. الروس لديهم مبررات استراتيجية للتحشيد العسكري قرب الحدود الاوكرانية ولكن ما لا افهمه لماذا تصر واشنطن على انضمام اوكرانيا للناتو ؟ النظام العالمي في حالة ارباك وتنازع في لعبة موازين القوى .. ولربما ان العالم اليوم يمر في لحظات خطيرة وحساسة وتذكرنا في الحربين العالمتين الاولى والثانية حالة من التعبئة والاستعداد والتجهيز العسكري وبدائل استراتجية يفكر بها بصوت عال تتعلق في خيار الحرب وكما يبدو فان العالم يعيش صراعا نحو الانفكاك من القطبية الامريكية وينزع نحو ثنائية وتعددية. النظام العالمي الراهن لن يبقى للمستقبل .. ولا مستقبل دون حرب ومواجهة عسكرية كبرى .. وفي ازمة اوكرانيا يبدو ان الحرب قد وضعت اوزارها . انضمام اوكرانيا للناتو وتسليم موسكو بالامر الواقع يعني ان واشنطن خرجت منتصرة ويعني ايضا ان النظام العالمي الذي صنعته امريكا بعد 45 عاما سيبقى سليما ولن يخدش وان قواعد الصراع واللعبة في العالم ستبقى امريكية بحتة . طبعا بقاء القطبية الامريكية والحفاظ على النظام العالمي في صيغته الكلاسيكية لن يتحقق في ظل الغضب الروسي الجامح ووجود الصين كقوة صاعدة ولها طموحات مشروعة في النظام العالمي المستجد . في ازمة اوكرانيا تجد ان موسكووبكين الدولتان الاعظم المعارضتان للقطبية الامريكية يتحالفان في مواجهة المخطط الامريكي والاطلسي في اوكرانيا. وكلا البلدين العظيمين يسعيان لوقف التدخل الامريكي في اشعال الثورات في الدول النامية الواقعة ضمن مجال نفوذ كلتا الدولتين روسياوالصين. فليس من حق امريكا التدخل في هونج كونج ومصيرها وفرض اسلوب وصاية دولي خاص بتايوان ووضع عقبات امام عودة تايوان الى وطنها الام كما تصف بكين وتحارب سياسيا من اجل تحقيق ذلك . و كلاهما روسياوالصين يسعيان من اجل جعل العالم مستقلا من التبعية ويحدان من التدخل الامريكي والاطلسي. امريكا تغزو العالم باسم عقيدة الديمقراطية وحقوق الانسان والاقليات وقواعد مصنوعة لحماية المصالح والاطماع الامبرالية الامريكية الاقتصادية والعسكرية. لا اظن ان الصين سوف تقف محايدة في ازمة اوكرانيا ولربما هي فرصة مواتية لتؤكد انها تقف مع التدخل الروسي قبل ان يستفحل التدخل الاطلسي. وفي ازمة كازاخستان الصين كانت مؤيدة الى التدخل الروسي ودافعت عن خيار الحسم الروسي وقطع الطريق امام ولادة ثورة ملونة في بلد هام استراتيجيا بالنسبة لموسكووبكين . يصعب حسم شكل مصير الازمة الاوكرانية وصعب حسم كيف ومتى ستندلع الحرب الاوكرانية؟ ولا يخفى ان رفع حالة التأهب والاستعدادت المحيطة في الصراع وحالة التوتر وقضم الاصابع وحرب الاعصاب .. كل طرف يقف على حقل الالغام وبحر من البارود .. ويبقى في الصراعات الكبرى ولحظة اعلان الحرب وعكسها احيانا تحكم قرارات خارجة عن حسابات موازين القوى وحسابات الحروب وهذا ما يسمى بدبلوماسية الظل وما وراء الكواليس ولعب الاوراق .