بقلم: علي الصالح* حالة من الغليان قابلة للانفجار في أي لحظة تجتاح الضفة الغربية خاصة أن شهر رمضان المبارك على الأبواب جراء تواصل أعمال القتل التي ينفذها جيش الاحتلال يوميا ضد الفلسطينيين والتهام الأرض وتنغيصات الحياة اليومية وتهديدات مستوطنيه باقتحامات الأقصى والاستعداد لمزيد من الاعتداءات بمناسبة أعيادهم الدينية. فرئيس الشاباك رونين بار يدرك هذه الحقيقة وعبّر عن مخاوفه من الأوضاع في الضفة وقام بزيارة لواشنطن مطلع الأسبوع لبحث كل الاحتمالات. ونتيجة لهذه المخاوف قررت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ولأول مرة منذ خمس سنوات عدم فرض الإغلاق على الضفة وغزة في الأعياد اليهودية. وزاد الأوضاع حساسية في هذا العام طبعا الحرب في أوكرانيا التي عرت الأنظمة الغربية وكشفت زيفها بوقوفها وقفة رجل واحد لدعم المقاومة الأوكرانية المسلحة بينما تحرّم على الفلسطينيين مقاومة الاحتلال والاستيطان حتى بالحجر وليس المولوتوف الأوكراني. وتعمل إسرائيل ومن ورائها واشنطن لتجنب هذه المواجهة الحتمية إذا ما بقي الحال على ما هو عليه ويعكس هذه المخاوف أيضا الإعلان عن زيارة مرتقبة لوزير الخارجية الأمريكي انطوني بلينكن لإسرائيل ورام الله لتجنب الانفجار الكبير الذي سيضع نفاق واشنطن في عين العاصفة. ومقارنة موقفها ليس من قبل الفلسطينيين فهو واضح لهم بل في الولاياتالمتحدة التي بدأ شبابها ينفتح على القضية الفلسطينية ويتعرف على الظلم الذي تمارسه إدارة بلاده والمقارنة بين ردود أفعالها وتعاطفها مع الأوكرانيين بأعمال القتل التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين. وليس معروفا إن كان بلينكن سيحمل معه حزمة من الإغراءات للفلسطينيين مثل إعادة فتح القنصلية أو إعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن كما وعدت. وفي السياق أيضا يأتي خطاب السفير الأمريكي في إسرائيل توم نايدس النادر أمام مؤتمر حركة السلام الآن في تل أبيب الذي كان مليئا بالأقوال التي تثلج قلوب الفلسطينيين لكنها غير مقرونة بالأفعال. فقط استبق نايدس أي تطور للأحداث برسالة حادة غير مألوفة إلى حكومة نفتالي بينيت واصفا السياسات الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية ب الغباء وأعلن أنه يعمل بشكل حثيث على وقفها. بيد أنه اعترف في خطابه باستحالة وقف كل بناء استيطاني مضيفا لا نستطيع أن نسمح باستمرار أمور غبية تعرقل التسوية السلمية ضمن حل الدولتين . وقال إنه يرى ضرورة حيوية في منع إقامة مشاريع استيطان ضخمة مثل مشروع ئي – 1 الذي يرمي إلى تطويق البلدات الفلسطينية المحيطة بالقدس ومنع تحويل القدس الشرقية إلى عاصمة للدولة الفلسطينية ويرمي إلى قطع التواصل الجغرافي للدولة الفلسطينية ويمنع بذلك حل الدولتين. وتابع أنا أبدو ملحاحا بعض الشيء في هذا الأمر بل أشعر بالغضب. فأنتم (والكلام غير المعهود موجه للإسرائيليين والفلسطينيين معا) ترون أن هذه المشاريع الاستيطانية تشعل الأرض من تحتكم أكان في الضفة أو في القدس الشرقية . وشدد نايدس على أنه حارب مشروع بناء 3500 وحدة سكنية في مستوطنة معاليه أدوميم (شمال القدس) المعروف بأنه جزء من مشروع ئي 1 . ووصفه بأنه مشروع مأساوي لأنه يعني شطب فرصة تحويل القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية. وقال بما يثلج صدور الفلسطينيين: أجل عاصمة. أنا بالطبع أعترف بأن القدس هي عاصمة لدولة إسرائيل. ولكن الولاياتالمتحدة أيضا في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب حرصت على أن يكون الوضع النهائي لمدينة القدس هو أنها تحتوي عاصمتين لدولتين. يشار إلى أن هذه هي المرة الأولى الذي يتحدث بها مسؤول أمريكي بهذا الوضوح عن دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية. وطبعا ونحن نستمع لكلامه يجب ألا ننسى المثل القائل إن الحكي خاصة الأمريكي ما عليه جمرك فلا تأخذوا بكلامه المعسول فالإدارة الأمريكية كاذبة ولو صدقت القول ولن تصدقه. وحاول السفير تبرير عدم تنفيذ إدارته تعهداتها الانتخابية بإعادة القنصلية إلى القدس الشرقية فقال: واضح أن إدارة الرئيس بايدن تريد إعادة فتحها لكن إسرائيل تعارض ذلك بشراسة والفلسطينيون يطالبون بذلك بحدة وكلاهما يبالغان في إعطاء الموضوع هذا الحجم. أعطوه أكثر من حجمه . وهو بذلك إنما يعترف ضمنيا بأن قرار إعادة القنصلية إلى مقرها في القدس الشرقية بيد دولة الاحتلال وليس واشنطن. وأحبط السفير الأمريكي اي آمال وأمنيات فلسطينية لعقد مؤتمر السلام الدولي الذي يدعو إليه الرئيس أبو مازن بالإعراب عن أسفه إن الظروف الحالية لا تتيح للإدارة الأمريكية عمل شيء لتحريك المفاوضات حتى منتصف السنة المقبلة. وقال: سأكذب إن قلت إن لدينا خطة سلام يمكننا أن نبدأ دفعها. فإن سألتموني عن إمكانية عمل شيء لتحريكها في المستقبل أقول: أجل ممكن. ولكن همي اليوم هو الحفاظ على شروط تمكن مستقبلا من العودة إلى مفاوضات على أساس حل الدولتين. لأن البديل عن ذلك هو حل الدولة الواحدة. وهذه كارثة للجميع . وصدق السفير في ما قاله: إن الدعم الاقتصادي مهم ولكن قيمته تختفي من دون التقدم نحو حل الدولتين. فعلى الإسرائيليين أن يفهموا أنه لا يمكن شراء الفلسطينيين بالمال. بالمختصر المفيد فإن الاوضاع ملتهبة ومتفجرة ورمضان على الأبواب وتهديدات المستوطنين بمزيد من الاقتحامات للمسجد الأقصى والاستفزازات واستمرار إجراءات سلطات الاحتلال لتهويد القدس قد تشعل الارض ونأمل ذلك. حتى الحل الاقتصادي ما عاد ينفع بعد سنوات طويلة من المعاناة لم يسمعوا خلالها سوى دعوات التهدئة ولا يتلقون سوى الحقن المخدرة. تركتم القدس وشأنها وأصبحتم فقط تلعبون دور عداد للمستوطنين الذين يقتحمون المسجد الاقصى يوميا (100 90 80 50 الخ). وتتم الزيارات التي أصبحت فرضا على تلاميذ المدارس اليهود بسن قانون في الكنيست يفرض عليهم زيارة الهيكل المزعوم على فترتين صباحية ومسائية. وهذه خطوات تمهد الطريق أمام تنفيذ المخطط التهويدي لتقسيم الأقصى مكانيا كما قسم زمنيا ولن ننتظر طويلا. وللتذكير فقط فإن الإجراءات في الأقصى لم تبدأ بالأمس بل تعود إلى اليوم الثاني لسقوط القدس في حرب وهدم حارة المغاربة وغيروا اسمها لحارة اليهود في البلدة القديمة. والحديث عن القدس ليس لرمزيتها الدينية رغم أهميتها فحسب بل لمكانتها الوطنية إذ أصبحت عنوان ورمز القضية الفلسطينية. حان لنا أن نخجل من أنفسنا ونحن نرى الأقصى يتسرب من بين أيدينا وليس لدينا حيلة سوى طرق أبواب الآخرين طلبا للمساعدة دون فائدة. لم يعد الاستجداء ينفع ولم تعد هناك آذان صاغية وحسب قول الشاعر لقد ناديت لو أسمعت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي. الظروف مواتية جدا ولن يقبل شعبنا بقاء الحال على ما هو عليه لا حلول سياسية ولا تحسن في الأوضاع المعيشية والحال الوحيد المتواصل هو قتل شبابنا وسرقة المزيد من الأرض وأنتم لا حول لكم ولا قوة. خلاص طفح الكيل وللصبر حدود.