مراصد ثقافية إعداد: جمال بوزيان توثيقا للإبداعات وتكريماً لأصحابها ومتابعة النقاد لها.. أخبار اليوم ترصد قصص الكُتّاب تواصل أخبار اليوم رصد قصص الكُتاب وتنشر مقاطع منها توثيقا للإبداعات وتكريما لأصحابها وبهدف متابعة النقاد لها وقراءتها بأدواتهم وأيضا لاطلاع القراء الكرام على ما تجود بها قرائحهم. أتُراكَ أنتَ قصة بقلم: الكاتبة نهاوند سعود الجزائر كُنتُ أنا قطعة سكر وأنت الحليب فذُبنا لكني كنتُ لا أحبُ مذاق الحليب الأبيض إن لم تمازجه قطرات قهوة تُغيرُ لونه وتضفي عليه نُكهتَه الخاصة وكحصان متمرد يقفز على الحواجز بلا مبالاة لتتساقط الواحدة تلوى الأخرى.. هذا أنت. كُنتُ أرى فيك وجهي وملامحي والنشرات الجوية وأحوال الطقس النفسية في سقوط المطر وتهاطل الثلوج والشمس الحارقة والرياح الهادئة أو الهوجاء في تعابير ملامحي الصباحية والمسائية كنتُ دائما أبدو في الليل أجمل بكثير وأنا أسبح في نور الشمس كان الليل يمنحني إشعاعا يتدفق من أعماق نفسي فتصبح بشرتي البيضاء أكثر نضارة وضياء. وحين أكلمك في الهاتف كان صوتي نغما ينطلق من سماء الوجد من فوق السموات ترتيلا ووحيا بأني في شوق لرؤية عينيك التي هي شعاع مقدس لي ويجب أن أشعر بدلالات نظراتك المحملة بالاعتذار المحملة بأكياس الحنان المتوفي بين بياض عينيك واخضرارهما لم يكن يستهويني اللون الأخضر يوما حتى زارني هوس الألوان وأصبحتُ أشتري كل شيء أخضر أصبحت غرفتي حديقة من الاخضرار بكافة تدرجاته أتُراها عيناك هي التي ألهمتني عشق هذا اللون دون أن أدري؟ وأصبحتُ أسبح في نور عينيك دون أن أنتبه للون الأخضر الذي يجرفني بشدة إليه وأستشعر جمالياته في كل شيء حقيقة الناس فيما يخفونه عنا كذلك اللون الأخضر كم كان يخفي عني من جمال ومن قبح أيضا. طرتُ كحمامة إلى حنفية الماء.. أغسل رجلي جارتي.. يا جارتي اسعفيني ضمدي جرحي نجود.. نجود لِمَ تركتِ الزجاج متناثرا على أرضية المنزل..أفتح الهاتف أقرأ آخر رسالة القمر ينير الليل وأنتَ تنير حياتي ..تخرج فراشة من رواق منزلي وأظل أمسك رجلي وأمشي من غرفة لغرفة عساني أسمع صوتك مجددا. أجمع الزجاج المحطم وأفتح النوافذ للفراشة التي دخلت مصادفة وتحوم لتجد مخرجا أرى ظلك بعيدا..هل أنت بخير يا أخي؟ ظلك ينبئني بأنك متعب.. لا.. لا لست متعبا إطلاقا إذن ما هذا الشحوب الذي أراه واجما على محياك؟ إنه أرق فقط عابر من قلة النوم وكثرة السهر.. إذن عليك أن تنام. بهاء الدين: ما بها رجلك؟ وما هذه الضمادة؟. نجود: آه..لقد جُرِحتُ بالزجاج المكسور. بهاء الدين: هل تؤلمك؟ نجود: لا..قليلا الجرح ليس غائرا. بهاء الدين: انتبهي لنفسك المرة القادمة. نجود: أجل.. لا تخف. جارتي تطرق الباب تسأل عن حال الجرح المفتوح عن قدمي التي أتوكأ عليها. نجود: هل تشربين قهوة ساخنة؟. الجارة: إن أمكن نجود: هي حاضرة سأسكبها في الفناجين أبحث عن فناجين بلون مذهب في خزانة الأواني أحمل فناجين فضية. جارتي الحنونة: أي شيء تحتاجينه أنا هنا في خدمتك حتى لو احتجتِ شيئا من السوق فسأرسل أبنائي لشرائه لك. نجود: شكرا لك يا خالتي مريم حقا لَمْ تقصري معي كفيتِ ووفيتِ. الجارة: متى يا ابنتي نحتفل بزفافك. نجود: ربما في هذا الصيف. الجارة: ربي يسعدك ويهنئك يا بنيتي. نجود: جميعا آمين إن شاء الله ولبناتك أيضا. تسمع نجود صوت بهاء ينادي.. ربما موعد دوائه أو خروجه للعمل كان رغم مرضه يفرض هيبته واحترام الجميع.. حتى في لحظات صمته وهدوئه نجود وهي تربط منديلا مزركشا على رأسها نعم بهاء هل تحتاجني؟ بهاء: أختي أرجوك أريد أن تكوي ملابسي لأجدها مساءً جاهزة عندي مواعيد وسأسافر غدا إن شاء الله. نجود: غدا لماذا؟ أرح نفسك أخي كفاك تعبا. بهاء: العمل يفرض عليَّ ذلك أتعثر في الرواق خرجت الجارة لتترك الباب مفتوحا وقهوتها على الطاولة ما تزال ساخنة يخرج بهاء وخلفه عطره الزكي بملابسه الأنيقة مسؤول الأمن في البلاد يجب أن يكون كذلك في هيئة مميزة تدعو إلى الاطمئنان لا الريبة.. يتصل رقم مميز أيضا أرد.. ألو.. ألو.. من..؟ من معي؟ الصمت يخيم..ينقطع الاتصال أسهو قليلا ترى من المتصل؟ أعود لغسل الأطباق والكؤوس وسقي نباتات الشرفة.. ألمح ظلا ًيرقبني من بعيد أمام وكالة هاتفية.. ينتابني شعور غريب أنه هو المتصل أعود مسرعة إلى الداخل أغلق باب الشرفة.. قال أخي: يجب أن لا أثق في الغرباء نحن دائما نحكم عن غيرنا بافتراضات خاطئة . أسمع ظلك من جديد يتدحرج في الدرج على سلالم الساعات والانتظار ماذا يريد منا النهار إن حضر؟ وماذا يريد منا الليل؟ أغير أغطية الأفرشة لأضع بدالها ألوانا زاهية وأعطر الورود الاصطناعية التي تقف في جمود في زوايا المنزل طال غيابك أصبحت أنسى طعم مذاق السكر..أنسى هداياك الثمينة فأرمي بها دون انتباه في سلة المهملات يأتي صوت جارتي: بمثل قديم البعيد عن العين بعيد عن القلب متى تأتي من سفرك هذا؟ هل ألمانيا هي أجمل من بلدنا؟ هل هي ساحرة إلى هذا الحد؟ الذي يجعلك تؤجل كل مشاريعنا طال ارتباطنا ولم تتقدم أنت خطوة واحدة تظل تماطل.. تماطل أخيرا هذا الصيف هو زواجنا وبداية حياتنا لي يا رياض أكره تحويل العلامات إلى المدينة وعكس التيار الموجب إلى السالب تراك تأتي الأيام المقبلة هل ستحنُ لبلدك ولي ربما..يدفعك شوق جارف أن تطير بجناحين وتأتي وتصنع المستحيل الذي تهاب منه ومن تحققه فلا تكون جبانا أرجوك.. أرتب مكتبة أخي أعثر على كتاب يستهويني لقراءته ربما أجد فيه شيئا يسليني في وحدتي وصمتي. أفتح الصفحة الأولى تجتاحني الكلمات والعبارات مع سيل جارف من العواطف والمؤثرات النفسية. يوم آخر.. وآخر أظل أرقب القمر في زمن لم يعد ينتبه إلى القمر أحد تصدني كلمات إلى الوراء تجعلني أتراجع إلى الخلف آلاف السنين كان عليك من البدايةأن تخبرني بأن الحياة هي لك وحدك والموت لغيرك.. لم أعهد هذه الأنانية فيك أصبحت صنفا جديدا من البشر الذي لم أرهم من قبل ولم أصادفهم في طيات كتاب حياتي أرهقني حضورك وأتعبني غيابك ماذا أقول إن أنت لم تستوعب حضوري وغيابي؟ أظل أعد الأيام بعد أن نسيت حساب الأرقام من سنوات الدراسة الأولى كيف شكلتني أن أعد الانتظار شيئا مهما في حياتي عذرا لن أنتظر ثانية لن أنتظر. إذن هذه أنا وهذه كلماتي لك.. يغريك غيابي لمواعيد شوق جديدة.. أخطأت ففي الغياب رحلة عذاب تبعدني عن حدائقك المعلقة بمشاهد عديدة حين أدخل غرفتي أرى طيفك يتردد كحلم عبر هنا وهناك.. بل هناك وهناك..ما أجمل الرحلة إلى دفاترك التي تركتها منذ أشهر عديدة أتراك تذكرني كما أذكرك أم أنك عطلت عجلة حياتي وتمر أنت في سرعة البرق لتحقق عجلة حياتك العبور في الطرق الوعرة وتتجاوز كل المطبات.. فراغ..فراغ حياتي أظل معك كحلم كطيف كرؤيا تكرر تتجدد لها دائما تعطيني رقما مغلقا غير صالح للاستعمال لِمَ دائما تعطيني عناوين منسية وصناديق بريد لا تفتح وقد أصابها الصدأ كلما غيرت عنوانك كلما غيرت رقم هاتفك كنت دائما لا تستقر ولا تحب الهدوء ولا السكينة لا يمر شهر إلا وغيرت كل شيء حولك أتراك حولتني أنا أيضا أم أنك حقا ستأتي في موعدك الموعود ولا تأجيل للوعود أخي مسؤول الأمن..جففتُ ملابسك كويتها حتى أصبحت تبدو جديدة أنيقة كانت هوايتي كي الملابس الآن أصبح الضجر يُخيم على نفسي وزوايا البيت..ربما الجراثيم الآن تنقلت عبر الغرف التي لم أستطع نفض غبارها هذا اليوم ربما لأني أشعر بأني كالشمس لا تريد أن تشرق في سماء الدار. دخل بهاء الدين كالعادة يخفي إرهاقه من العمل أسرع أحضر له الغداء بإتقان لا تظن يا أخي إني أحضره بملل بل بكل حب فعندما أضع لك لوازم مائدة الغداء فهذا تعبير عن ودي واحترامي لك فهو نوع من أنواع التعبير الفعلي أذكر يوما أخي بهاء حين كنت أبكي وأصرخ قلت لأمي وأبي إن بهاء لا يحبني ولا يولي لي اهتماما ينسى دائما أن له أختا حينها أمي ظلت تقنعني بأني أختك العزيزة إلى قلبك إلا أن كثرة انشغالاتك جعلتك لا تسأل عني أو تذكر حتى وجودي في البيت كان ذلك يحز في نفسي كثيرا بعدك عني يا أخي وجفاؤك لكن كلمة واحدة جعلتني أغير كل ما كنت أفكر فيه قلت لي إن لك كلية واحدة سليمة والأخرى مريضة فلو احتجتها لقدر الله كنت سأمنحها لكِ لتعيشين بها كانت هذه الكلمات قد جعلتني أخجل من كل دمعة نزلت ليس لي حلم عظيم في الحياة إلا أن أكون أما.. أما وفقط رياض أغرتك ألمانيا أخذت شبابك وأحلى أيامك بعيدا عني لتتركني معلقة في رمح الليل أنتظر وتختصر المسافة بيننا في رسائل عبر البريد الإلكتروني رسائل موجزة تحكي فيها عن كل ما أنجزته في أيامك وما الذي ينتظر لتنجزه خارج قاموس مخططاتك؟ أنا خارج مذكرتك عد كفاك الآن اغترابا ففي الغربة موت للأحباب كنت دائما أربط ألمانيا ب النازية كنت أراها بشكل وضعه هتلر ليتركه أثرا للبشرية أتراك أصبحت تحمل صفة هذا الجنس الذي يدعي الأفضلية والتميز والتفوق على الأجناس أتُراك أصبحت آريا..؟ سواحلك لا حد لها قبعتك التي ترتديها في آخر صورة وصلتني تدلُ أنك تغيرت صوتك الذي أسمعه الآن يدلُ على أنك لست رياضا الذي أعرفه.. رياض ابن عمي الذي أحترمه وبيننا صلة دم ورحم وقومية الآن أنت تضرب القومية في عقر دارها بسهم نبالك الطائشة. قاطعت بهاء ثم قاطعتني وأصبحت تتحجج بكثرة الأشغال أي عبث هذا الذي تعبثه بي؟ أرجوك توقف وافتح نواميسك التي تسير عليها واقرأ لي ما بدا لك وما تريد أن تقوله من هذه الأحكام والنواميس التي لا تريد خرقها رياض يا ابن عمي يا من خرقت كل القوانين وتجردت من كل التزام فهل تلتزم معي الآن ببنودنا التي وضعناها معا منذ خمس سنوات من الانتظار يدخل صديقاتي يحضرن إلى المنزل بعد أن حاولت إضافة جماليات عليه من زينة ووضع مزهريات متعددة الأشكال والألوان وأطعم الأسماك التي في الإناء الزجاجي التي تتباهى في الماء بألوانها وأشكالها الجميلة حتى أني أشعر أحيانا أنها تعرض جمالها عليَّ لأغار منها وأسكب ماءها على الأرض واتركها ترتجف حتى الموت. هل هذه قسوة بُعدك رياض علمني القسوة علمني أن أكسو المنزل كسوة قاتمة من الستائر والأرائك أن أنفض غبار الزرابي بشدة وعنف.. أن أحملك مسؤولية تعبي الوحيد. تلتف الصديقات حولي يوشوشن في أذني لمعرفة آخر أخباري مع رياض.. لا يوجد رياض في حياتي الآن كان ظله الطويل وطيفه المختفي المتجول في رحاب البيت وهما فقط ولا وجود له الآن. علمتني الحياة أن أضع الورد مع كلماتي حتى لو كانت جارحة وبعيدة عن كل مجاملة وتملق. تختار صديقتي سهى موسيقى.. يرقصن على أنغامها تتعالى الضحكات والأصوات يتحررن من كل حزن وعقد يفرحن بما هو آت يشربن العصائر التي أعددتها يتناول الحلويات التي أتقنت صنعها من أجلهن يتصل بهاء قد يتأخر في المجيء فهو مشغول دائما تنتهي الحفلة مع الصديقات يقبلنني تتكاثر الثرثرة والأصوات ولا أعي ما يقلنه لي وما يتمنين لي يخرجن دفعة واحدة تتلاشى أصواتهن شيئا فشيئا وتغيب وهن ينزلن أدراج السلالم أبقى مع حزني أحطم الآنية التي تحضن الأسماك أكسرها تتساقط الأسماك تتراقص رقصة الموت الأخيرة تتساقط دموعي عليها لأني وحيدة رغم كثرة من حولي أخرج مسرعة إلى الشرفة أرى الطيف مجددا يمر الشارع يرفع رأسهيتأمل بدقة متناهية تفاصيل وجهه كانت دموعي تتساقط من أعلى إلى أسفل من أعلى إلى أسفل العمارة أدخل ترى من هذا الشخص ولِمَ دائما يقف أمام العمارة ويراقب شرفتي؟ هل يريد شيئا أم يعرف بهاء؟ ربما هو صديقه الذي يحكي عنه دائما.. ربما يرن الهاتف أرد.. ألو..ألو لا أحد صمت مطبق ترى من هذا الذي يترقب ويرصد تحركاتي إنه يحمل سرا يجب أن أفهم هذه النظرات الغريبة التي كلما خرجت إلى الشرفة وجدته يرسلها عبر فضاءات الهواء؟ نزلت إليه مسرعة كان يحاول الفرار لكني واجهته ووقفت أمامه وقلت: ماذا تريد؟ قال: أنا معجب بك وأريدك زوجة..! ابتسمت معجبة هذا جميل.. قال: بل أنا متيم يا سيدتي وأريد أن أتقدم لأخيكِ بهاء لطلب يدك قلت له وأنا مغادرة الخطى ولكن ألا تعلم أني مرتبطة.. سمعت قوله: وإني سأتقدم لبهاء كان بصوته إصرار.. عدت إلى المنزل أفكر في العاشق الجديد ولا رسائل من رياض. كان الليل حالك السواد دون قمر..أستيقظ فجأة على صوت أناة بهاء الدين عاوده الألم كليته المريضة أصبحت عاطلة عن العمل كانت تتثاقل بسبب الفشل الكلوي تجعله يتلوى من الألم أسرعت إلى الهاتف رقم الطبيب تتسارع ضربات قلبي.. بهاء.. بهاء تحمل قليلا..أخي تحمل يجب أن تقاوم هذا الألم الفظيع ارفع السماعة أيها الطبيب الطبيب لا يرد..أُسرع بالماء لبهاء أرش وجهه أسمع صوت الطبيب الغارق في النعاس أرجوك أن تحضر حالا بهاء عاوده الألم بهاء يا أخي لا تعلم كم أحبك.. كم أحترمك.. كم أخاف عليك.. حياتي دونك لا تساوي شيئا.