موجة الكراهية تتمدّد في أوروبا العنصرية تحت قبة البرلمان الفرنسي أدت الفوضى داخل البرلمان الفرنسي يوم الخميس الماضي إلى رفع الجلسة. والسبب في ذلك أن النائب غريغوار دي فورناس عن التجمع الوطني الحزب اليميني العنصري وجّه كلاماً عنصرياً باتجاه زميله النائب الفرنسي من أصول أفريقية كارلوس مارتينز بيلونغو من أحزاب التجمع اليساري التعددي المعارض الذي يقوده السياسي زعيم اليسار جان لوك ميلانشون وذلك أثناء نقاش يتعلق بمساعدة قارب لاجئين في البحر الأبيض المتوسط. ق.د/وكالات أدلت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن بتصريحات بعد الفوضى داخل البرلمان تستنكر الحادث وقالت لا يوجد مكان للعنصرية في ديمقراطيتنا . ودعت مكتب البرلمان إلى أن يتخذ قراراً بشأن العقوبة اللازمة بينما طالب تحالف نوبيس الذي ينتمي إليه النائب بيلونغو بطرد النائب العنصري من البرلمان. وقال التحالف في بيان: التجمع الوطني أظهر وجهه الحقيقي اليوم... وهذا الافتراء العنصري هو سمة من سمات اليمين المتطرف: وصم حسب لون البشرة وتقسيم الشعب الفرنسي . ورغم أن أوساطاً مراقبة اعتبرت أن النائب العنصري لم يكن يوجه الكلام إلى زميله بل للاجئي القوارب فإن الفوضى التي حصلت مؤشر إلى حالة من الاحتقان داخل البرلمان الفرنسي آخذة في التزايد منذ الانتخابات التشريعية في جوان الماضي. *يمين متطرف صاعد في أوروبا فرنسا لا تشكل استثناء في أوروبا لجهة الصعود الصاروخي لليمين المتطرف الذي حسّن مواقعه بشكل كبير خلال العقد الأخير وبات يحكم مباشرة كما هو الحال في إيطاليا أو يشارك في الحكم في غالبية الدول الأوروبية. وهذا أمر له عواقب خطيرة وينذر بتطورات سياسية واجتماعية كبيرة تحدد مستقبل القارة ككل. الأمر الأكثر خطورة هو أن اليمين التقليدي الذي شكّل في العقود الأخيرة سدّاً في وجه اليمين المتطرف آخذ بخسارة رصيده وتسرب قواعده بشكل تدريجي نحو اليمين المتطرف. وهذا الواقع شكّل ضغطاً على اليمين التقليدي الذي أخذ بدوره ينحو منحى عنصرياً كي يجاري الموجة وهو ما نلحظه يتبلور بقوة في دول كبرى مثل فرنسابريطانياوإيطاليا. يشكل تسلم اليمين المتطرف للحكم في إيطاليا مصدر خطر كبير على الوضع في فرنسا لأسباب عدة أولها التطبيع مع الفاشية إذ إن حزب رئيسة الوزراء الإيطالية الجديدة جورجيا ميلوني يتبنى عقيدة الحركة الاجتماعية التي أسّسها بينيتو موسوليني وبالتالي عاد هذا التيار الفاشي ليحكم أحد أكثر بلدان أوروبا انفتاحاً. ومن شأن ذلك أن يشجع الأحزاب المتطرفة الأخرى لتنسج على منواله. ولذلك يبدو اليمين المتطرف في فرنسا متأهباً لتوظيف كل ما يمكن أن يخدم أجندته كما حصل أخيراً في قضية الطفلة الفرنسية لولا التي تمّ العثور عليها مقتولة ووجهت التهمة إلى شابة مهاجرة تعيش في فرنسا بشكل غير شرعي. وعلى مدى عشرة أيام قبل العثور على جثة الطفلة عاشت فرنسا حملة إعلامية شديدة وتوظيفاً سياسياً عنصرياً من قبل اليمين المتطرف حتى إن أهل الضحية طالبوا ب التوقف فوراً عن استخدام اسم وصورة ابنتهم لأغراض سياسية سواء في التجمعات العامة أو على الإنترنت. وكان حال وسائل الإعلام المستقلة أن هذه المأساة باتت قضية سياسية رئيسية . ومنذ اكتشاف الجثة أظهر استطلاع قام به التلفزيون الفرنسي أن ما يقرب من ستة من بين كل عشرة أشخاص يعتقدون أن أولئك الذين يعيشون في فرنسا من دون إقامات شرعية يجب أن يوضعوا رهن الاعتقال الإداري. ومن المعروف أن المواقف السياسية من مثل هذه الجرائم ليست جديدة في عالم السياسة بل الجديد هو أن حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بات يملك الآن كتلة كبيرة من النواب في البرلمان. وهذا من شأنه أن يشكل أداة توظيف سياسي مثالي. وإذا لم تحصل تطورات تقود فرنسا في اتجاه معاكس تماماً فإن فرصة مارين لوبان للوصول إلى الرئاسة عام 2027 ستكون كبيرة. فالناخب الفرنسي الذي جرّب اليمين التقليدي والوسط واليسار لن يجد أي حرج في تجريب اليمين المتطرف الذي يضع مسألة الهجرة على رأس جدول أعماله. تشكل حرب روسيا على أوكرانيا فرصة ملائمة للتطرف في أوروبا فقد بدأت النزعات اليمينية المتطرفة بالانتعاش يغذيها خطاب شعبوي متعاطف مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي تناصره أحزاب اليمين المتطرف وتتعاطف معه علانية ومثال ذلك حزب مارين لوبان في فرنسا. والأمر ذاته في ما يخص قوى اليمين الأميركي وخصوصاً الاتجاهات التي تدور في فلك الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي سبق له أن عمل على تنظيم هذه القوى تحت اتجاه واحد بقيادة مستشاره ستيف بانون. هذا التطرف من شأنه أن يفاقم النزاعات الدولية ويزيد من حدة التوترات الموجودة في أكثر من مكان في العالم. ولا شك في أن قوى اليمين المتطرف في الاحتلال تجد ذلك فرصة ذهبية من أجل تصعيد سياساتها العنصرية ضد الشعب الفلسطيني. ومن غير المستبعد أن تزداد وتيرة الاستيطان ويرتفع منسوب القمع والقتل والتهجير ولأن المقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي فإن احتمالات الحرب عالية جداً.