عادة ما تكون سيارة الأجرة الخلاص للبعض من الزحمة والاكتظاظ اللذين تعاني منهما حافلاتُ النقل، خاصّة بالنسبة للأشخاص الذين يحبون السرعة ويريدون تجنب المشاجرات والمشاحنات، لكن يبدو أنّ أمر سيارات الأجرة ليس بأفضل حال من الحافلات، بل أسوأ. كنا متجهين من ساحة كنيدي بالأبيار إلى ساحة أودان، ولما يئسنا من حضور الحافلة اتجهنا إلى محطة سيارات نقل الأجرة، والتي كانت بدورها مكتظة بالمسافرين، لكننا مع ذلك انتظرنا دورنا معهم، أو بالأحرى انتظرنا بينهم، حيث أنهم لم ينتظموا في طابور، وانتظرنا أوّل سيارة أجرة متجهة إلى أودان تأتي لندرك النظام الذي كانوا يعتمدون عليه، تدافع الجميع إليها، وراح كل واحد يحاول أن يدخل، رغم أنّ المسافرين الذي كانوا بداخلها لم ينزلوا بعد، وهو موقف أشبه بما يحدث في الحافلات يوميا، وقد حاول أحد الشبان أن يستعمل القوة مع شيخ كان يريد ركوب السيارة التي لم يبق بها وخلال ثانيتين إلاّ مكانين شاغرين، همَّ الشاب صاحب العشرين ربيعاً بالركوب ولكن الشيخ لم يسمح له، بل راح يصرخ ويشتم، ويتهمه بأنه لا يملك ذرة واحدة من التربية، لكن الشاب دافع عن نفسه بأن قال إنه قدم الأول إلى المحطة، وهاهو ينتظر مدة دون أن يتمكن من ركوب سيارة أجرة واحدة، وأنه كان في كل مرة يترك مكانه لهذا الشيخ وتلك العجوز، وأنه آن الأوان إلى أن يركب، ولما بدا كلام الشاب مقنعا، اكتفى الشيخ بأن تذمر، ووقف يحادث نفسه، أما السيارة فقد كانت قد ذهبت، فلم تحمل لا الشيخ ولا الشاب. وإذا كان هذان الشخصان قد أنهيا شجارهما بهذه الطريقة، فإن شجارا آخر حضرناه، هذه المرة في ساحة أودان، وفي نفس اليوم، ونحن عائدون، ورغم أنّ المحطّة كانت منظمة، أو بدت كذلك، حيث كان المواطنون يصطفون في انتظار سيارة الأجرة، وللأول الحق في اختيار وجهة الطاكسي أو قد يفرض السائق على المواطن الاتجاه، فيذهب بآخرين، ربما كانوا في آخر الصف، وهو ما حدث مع امرأة هرولت إلى سيارة الأجرة، ولما أخبرت السائق أنها ذاهبة إلى الأبيار أجابها بأنه ليس نفس اتجاهه، وأنه ذاهب إلى حيدرة لأن الطريق المؤدية إلى الأبيار فيها الكثير من الازدحام، فأتت فتاة أخرى لتركب السيارة، لكن المرأة لم تتركها واتهمت السائق بأنه أعجب بالفتاة لذلك غير وجهته، ثم وصفت الفتاة بالفاجرة، ثم راحتا تتبادلان الشتائم والملاسنات الكلامية الجارحة، إلى أن دخلت المرأتان في شجار جعل كل المسافرين حائرين، فلم يستطيعوا لا التدخل ولا الحيلولة بينهما، خاصّة وأنّ كلتيهما استعملت اليد في الانقضاض على الثانية، فحولتا المكان إلى فوضى حقيقية، قبل أن تتدخل عجوز مسنة للتفريق بينهما.