انطلاق رحلات الحبّ إلى مهْوى الأفئدة رسالة إلى الحجّاج.. ها هم حجاجنا الميامين قد بدأوا في حزم أمتعهم شادّين الرحال إلى بيت الله الحرام راجين من الله تكفير الذنوب والآثام والفوز بالجنة دار السلام. إنها رحلة العمر وإن شئتم قلنا رحلة الحب إلى مهوى الأفئدة.. ومع انطلاق رحلات الحبّ إلى مهْوى الأفئدة فهذه رسالتي إليهم: حجاجَ بيت الله الذين أنابوا إلى ربِّهم واستجابوا لنداء الخليلِ إبراهيمَ حين أذّن بأمر ربّه في الناس بالحج لينطلقوا من ديارهم ويتخلَّصوا من معوقات الدنيا ويهرعون إلى الله وحده بعد أن تلقَّوا الدعوةَ منه الدعوةَ التي آثرهم الله بها وألقاها إلى قلوبهم وأفئدتهم فتحركوا شوقًا ومحبةً واستجابةً لأمر الله فانبعثوا مُلَبِّين دعوةَ خالقهم وسيدهم: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك. يا راحلين إلى منى بقيادي * هيجتموا يوم الرحيل فؤادي سرتم وسار دليلكم يا وحشتي * الشوق أقلقني وصوت الحادي حجاج بيت الله: إنكم تتوجهون إلى بيت ربكم وحرماته إلى أمكنة فاضلة تؤدون فيها عبادة من أفضل العبادات لا تريدون بذلك نزهة ولا فخرا ولا رياء بل تريدون عبادة تتقربون بها إلى الله وتخضعون فيها لعظمته. وتعظمون شعائر الله فالحجّ تهذيب للنفس وتطهير للقلب وغسل لأدران الشر وهو تلاق اجتماعيّ وتعارف إسلاميّ واجتماع للنفوس المؤمنة على مودة ورحمة وروحانية في ظل البيت المقدس وفي الأماكن المطهرة. فكونوا خير سفراء لبلدكم في تلك الأماكن الطاهرة والتزموا بالخلق الإسلامي الرفيع في التعامل مع اخوانكم الحجاج أنتم اصطفاكم الله واختاركم وجعل أفئدتكم تهوي إلى تلك الأماكن الفاضلة تحقيقا لدعوة سيدنا ابراهيم عليه السلام عندما دعا الله قائلا: فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم . إبراهيم:37. وعظموا شعائر الله لتجنوا في نهاية رحلتكم ثمرة التقوى. قال تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب . الحج : 32 واعلموا-حجاج بيت الله-أنّ المسبحة والسواك والهدايا ليست هي المطلوبة منكم وإن كانت مستحبة ومندوبة. كما ذكر ذلك الشيخ محمد سيدي عبد الواحد بن عاشر وهو يوصي الحاج: وسَل شفاعة وختما حسنا * وعجّل الأوبة إذ نلت المنى وادخل ضحًى واصحب هدية السرور إلى الأقارب ومن بك يدور بل المطلوب-يا رعاكم الله-أن ترجعوا وقد بدأتم مع الله حياة جديدة وفتحتم صفحة بيضاء. فقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه . يا حادي العيس ترفق واستمع * منّي و بلّغ إن وصلت عنّي وقف بأكناف الحجاز ناشدا * قلبي فقد ضاع الغداة منيّ وقل إذا وصلت نحو أرضهم * ذاك الأسير موثق بالحزن عرّض بذكري عندهم عساهم * إن سمعوك سائلوك عني قل ذلك المحبوس عن قصدكم * معذب القلب بكل فن يقول أمّلت بأن أزوركم * في جملة الوفد فخاب ظني زودكم الله التقوى ويسّر لكم الخير حيث كنتم وجعل حجكم مبرورا وسعيكم مشكور وذنبكم مغفورا وقسم لنا مما قسمه لكم وتمم لكم مرادكم وردّكم بعد قضاء أوطاركم مبرورين مسرورين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..