بقلم: محمود الريماوي أضحى العالم العربي (والإسلامي) مكشوفاً وفي مرمى الاستهداف الإسرائيلي كما لم يكن من قبل فقد شملت الاعتداءات الإسرائيلية دولاً منها لبنان وسورية والعراق وتونس والسودان واليمن والأردن وإيران فضلاً عن استهداف جنود مصريين في الحدود إضافة إلى محاولات تغلغل شبكات الاستخبارات الصهيونية في تركيا وماليزيا وما خفي أعظم. والحاصل أنّ الوحش بات يتمدّد ويتضخّم وتستبدّ به نوازعُ مسعورةٌ للانتقام من كلّ من يعترض عليه أو يقف في طريقه متمتّعاً بدعم أوتوماتيكي شامل من الدولة العظمى ومن دول غربية منها بريطانيا وألمانيا وفرنسا. وإن مضت 45 عاماً على البدء باتفاقيات سلام فالثابت أنّ هذا العدوّ يزداد توحّشاً كلما جنح الآخرون إلى السلم معه وإلى درجة لم يعد فيها أركان أقصى اليمين الحاكم في تلّ أبيب يخوضون في مسألة السلام فكلّ مرامهم هو التطبيع معهم مع الزعم أنّ خلافهم وصراعهم ينحصران مع إيران ووكلائها في المنطقة فلا مشكلة جِدّية لهم مع العرب والعالم العربي ولا مع فلسطين والفلسطينيين. ومع ذلك حربهم الرئيسة هي مع أطفال غزّة ونسائها الحرب التي يقول زعيمهم نتنياهو إنّها لن تتوقّف وذلك بعدما أثبتت الأطراف الإقليمية والدولية عجزاً ووهناً بالغين في التعامل السياسي مع التحدّي الجسيم الذي يمثّله هذا الاحتلال على الأمن والسلم في العالم ممّا يُحفّزه على مزيد من التوحّش. على أنّ أطرافاً أخرى تبقى منغمسةً في الصراع فأميركا تعتبر أنّ من حقّ الاحتلال أن يدافع عن نفسه وبالتالي فإنّ من حقّه أن يبقى إلى الأبد. وبينما حرصت إيران أن تبقى بعيدةً عن المجرى المباشر للصراع عقوداً مع شنّ حرب خطابية لا تتوقّف إلا أنّها تعرّضت لاعتداءات إسرائيلية متتابعة على خلفية طموحاتها النووية مع إصرار كلّ من تلّ أبيب وواشنطن على أن تنفرد الدولة العبرية دون سواها في الشرق الأوسط بامتلاك أسلحة نووية كما شُنَّت مئات الضربات على مراكز إيرانية في سورية خلال آخر عشر سنوات من غير أن تتمكّن من الردّ أو أن تُقرّر الردَّ. وقد جاءت الحرب الإسرائيلية على غزّة بمثابة فرصة للردّ على سلسلة طويلة من الاستهدافات الإسرائيلية ومن هنا جاءت مشاركة حزب الله في الحرب للتذكير بوزن إيران وفاعليتها وقد ظلّت تلك الحرب منضبطةً في مستوى مناوشات يومية في الاتجاهين وقد رهن حزب الله توقّف الحرب عبر الحدود اللبنانية بتوقّف الحرب الإسرائيلية على غزّة وهذا أفضل ما فعله وهو ما رفضه الاحتلال وما رفضته معه واشنطن التي تدّعي حرصها على وقف إطلاق النار في غزّة فيما جنحت تل أبيب إلى التصعيد باستهداف القنصلية الإيرانية في دمشق في رمضان الماضي (افريل 2024) ما أدّى إلى مقتل قادة كبار في الحرس الثوري وقد أدّى ذلك إلى تغيير طفيف في قواعد الاشتباك إذ أطلقت إيران صواريخَ من أراضيها للمرّة الأولى فيما عادت تل أبيب للردّ بإطلاق صواريخ مماثلة على الأراضي الإيرانية. وقد استغلت تل أبيب قبل أيّام إطلاقَ صاروخ على الجولان السوري المُحتلّ أدّى إلى مصرع 12 طفلاً وفتىً من أبناء الجولان من أجل توسيع نطاق الحرب باستهداف القائد العسكري البارز في حزب الله فؤاد شكر. وبعد مُضيِّ نحو ست ساعات استهدفت إسرائيل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنيّة في مكان إقامته في طهران وحيث كان يقيم في مكان اعتاد الإقامة فيه خلال زياراته إلى طهران كما أوضح القيادي خليل الحيّة مُبيناً أنّ الاحتلال لم يُحقّق اختراقاً بهذا الاستهداف. وواقع الحال أنّ هناك تقصيراً إيرانياً فادحاً في تأمين هنيّة الذي كان قادماً يترأس وفدا للمشاركة في تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان إذ ليس من الفطنة الأمنية المواظبة على إنزال الضيف الخاص في مكان معلوم وبخاصّة أنّ هذا الضيف يتعرّض لتهديدات علنية. وينسحب التقصير على تأمين القائد العسكري في حزب الله فرغم اشتداد وتيرة التهديدات الإسرائيلية إلّا أنّ الرجل المُستهدَف واظب على الإقامة في مكان بعينه وهناك استُهدِف كما استُهدِف من قبله نائب رئيس حركة حماس صالح العاروري الذي كان يواظب على العمل في مكتب معلوم وشبه علني في أطراف الضاحية الجنوبية لبيروت. *المواجهة الكبرى من الواضح أنّ الأداء الإيراني في مواجهة الاحتلال تغلب عليه طبيعة مليشياوية ومن غير دفع قدرات جيش نظامي إلى المواجهة سواء في مستوى التسليح أو الخبرات التقنية أو القدرات الاستخباراتية وقد تمّ الوقوع في حبائلِ مناورة أو مكيدة أميركية بإعلان مسؤولين أميركيين طوال يومين قبل استهداف فؤاد شكر أنّ بيروت خطٌّ أحمر وأنّ واشنطن حذّرت تل أبيب من استهداف العاصمة اللبنانية. مع ذلك استُهدِفت بيروت وأَبلغ الإسرائيليون نظراءَهم في واشنطن بالاستهداف قبل وقوعه على ما أوردته قناة سي أن أن. وعليه إذا كان هناك ردٌّ من طهران على استباحة الأراضي الإيرانية فلا بدّ أن يكون ردّاً متكاملاً بقدرات عسكرية ظاهرة مع تأمين ما يمكن تأمينه من غطاء دولي وأخذ العبرة من النتائج الضعيفة لإطلاق الصواريخ في افريل الماضي ردّاً على قصف القنصلية الإيرانية في دمشق إذ إنّ الأثر المعنوي غير قابل للتحقّق من دون نتائج قويّة وملموسة للردّ المُنتظر. *تلّ أبيب ماضيةٌ في التصعيد بغطرسة في جميع الأحوال تلّ أبيب ماضيةٌ في التصعيد بغطرسة ظاهرة (الذراع الممدودة والمتّجهة نحو أيّ هدف في الشرق الأوسط) مدعومةً من واشنطن وعواصمَ غربية وأبرز مظاهر التصعيد هو المُضيُّ في الحرب على غزّة ورفض الدعوات الدولية والإقليمية لوقفها حتّى تلك التي تصدر عن أصدقاء الاحتلال ومحاولة استدراج حرب أوسع من أجل التغطية على الحرب ضدّ غزّة ومن أجل تظهير صورة تلّ أبيب مركزاً لإمبراطورية عصرية صغيرة فائقة التسلّح تقرّر وحدها مصير الشرق الأوسط واتجاهاته وسبق أن دعا بنيامين نتنياهو القادة العرب إلى الصمت إزاء ما يجري في غزّة إذا ما أرادوا الحفاظ على مواقعهم. ليس مطلوباً بالضرورة خوض الحرب (لوّح الرئيس التركي أردوغان بتدخّل عسكري وحسناً فَعل) بل المطلوب الصمود السياسي والتوقّف عن التطبيع المجّاني والكفّ عن التعامل مع دولة الاحتلال دولةً مثل بقية الدول الغربية فإذا عزّت منازلة هذا الوحش ففي الأقلّ لا بدّ من لجمه وترويضه حتّى لا يستبيح ما تبقّى من دول وديار.