من منا لا يعرف سوق الحراش الذي ذاع صيته واشتهر داخل وخارج العاصمة واستحوذ على العديد من مدمني التجوال عبر الأسواق لأغراض متعددة على رأسها البحث عن الثمن البخس لاسيما وأن السوق يضمن ذلك الشرط، إلى جانب سوق العصافير الذي يقع على بعد أمتار قليلة من سوق البضائع والذي يعتبر وجهة عشاق العصافير ويعرف اكتظاظا منقطع النظير من طرف الشبان خاصة وأن تربية العصافير باتت لدى البعض دماء جارية في عروقهم· نسيمة خباجة وبعد أن ضمن سوق الحراش كل تلك الحاجيات أصبح من بين الأسواق التي تجلب العديد من الزبائن، فمن عرض السلع إلى الملابس إلى مستلزمات البيت ليختتم كل هذا وذاك بمملكة العصافير التي تجتذب عددا هائلا من الزبائن بعد أن تلوح تغاريد وزقزقة العصافير لهم من بعيد للإقبال عليها وكأنها سر لاجتذاب الزبائن· رغم انتشار العديد من الأسواق إلا أن سوق الحراش يبقى المفضل لدى غالبية الزبائن خاصة وأنه يتفرع إلى فروع عديدة توفر حاجيات المواطنين من بضائع وملابس وكل ما يحتاج إليه المرء منا في حياته اليومية بكل جزئياتها وتفاصيلها· وعادة ما تعقد الرحلات إليه خلال العطلة الأسبوعية خاصة في يوم الجمعة الذي يعتبر يوم راحة يأبى أغلب العاصميين قضاءه في التجوال والتبضع بما لذ وطاب من السلع، وفي جولة لنا عبر السوق نهاية الأسبوع الماضي لاحظنا الإقبال المتزايد على السوق من طرف العائلات سواء في الجناح المخصص لبيع السلع والخضر والفواكه أو الجناح المخصص لبيع الملابس خاصة وأنه عرف بأثمانه البخسة· اقتربنا من بعض المواطنين فأبانوا ارتياحهم من السوق الذي بات الوحيد الذي يحفظ لهم ماء وجوههم في ظل الالتهاب الذي تشهده الأسواق الأخرى منهم العم عثمان البالغ من العمر ثمانون سنة قال إنه ألف منذ سنين ارتياد السوق للتبضع منه ورغم كبره ونقص صحته التي نهشتها السنين لم يستطع تطليق السوق وبقي يرتاده وهو في ذلك السن وتتحقق له نشوى كبيرة بعد التبضع منه ببعض الحاجيات التي لا توفرها أسواق أخرى وينفرد بها السوق عن غيره من الأسواق على غرار بعض أنواع الحلويات كحلوى (السميد) التي هي نوع من الحلوى تمزج بين طعم الدقيق وحلاوة السكر وهي على ألوان زاهية متنوعة كالأحمر والأصفر، بحيث كان يتذكر جيدا اقتناءها لأبنائه منذ صغرهم، ولازال يجلبها لهم حتى وهم متزوجون وقال إن عشرته مع السوق هي عشرة طويلة ولا يفرقهما إلا الموت، وأضاف أنه يزور السوق بصفة أسبوعية كعادة لا يستطيع الاستغناء عنها· حتى هواة العصافير كان لهم القسط الوافر من الاهتمام بعد أن راح تجار العصافير إلى تخصيص مساحة واسعة مفتوحة على الهواء، فسوق الحراش لبيع العصافير يرتاده محبو تربية هذه الكائنات الجميلة والفضوليون بالآلاف، بحيث يقام على مساحة مكشوفة تسع لعدد كبير من العارضين ومن الشارين وحتى الفضوليين، وتخصص تلك المساحة أسبوعيا، ويوفر السوق كل الأنواع التي يبحث عنها الزبون إلى جانب طعامها والفيتامين الذي يقيها من الأمراض وأنواعا شتى من الأقفاص والكماليات التي تزينها، بعضها مصنوع محليا والبعض الآخر مستورد حتى من الصين· كما تعرض أشرطة للبيع سجلت عليها تغريدات الحسون والكناري لتلقينها لصغار الطيور في الأقفاص، وتعمر هذه الأسواق منذ عشرات السنين كون تربية عصافير الزينة وفي مقدمتها (الحسون) أو (المقنين) كما يسمى محليا والكناري والببغاء تستهوي الكثيرين في الجزائر حتى صار بعضهم مدمنا ولا يستطيع مفارقتها· ويكسب باعة العصافير أموالا كبيرة ومنهم من احترف المهنة وصار يشتغل بسجل تجاري رسمي، اقتربنا من أحد البائعين فقال إنه أمضى أكثر من خمس سنوات في تلك التجارة وأخبرنا أن ميل أغلب الجزائريين من هواة العصافير يتعلق بطائر الحسون الذي استحوذ على اهتمامهم، وهو الأكثر شهرة وانتشارا في الجزائر، ويقدر العارفون بشأن العصافير أن عدد العائلات التي تملك عصفورا منه على الأقل بنصف مليون عائلة أغلبها بالمدن· ويعشق عدد كبير من الجزائريين من مختلف الأعمار ومن الجنسين هذا الطائر لتغريده الفريد ولقدرته على التكاثر داخل الأقفاص وتناسله مع طيور أخرى في مقدمتها الكناري ليضيف أن سر الإقبال يعود إلى جمال شكل الحسون وألوانه الزاهية المنتشرة بطريقة بديعة على كامل ريشه· وهو الأكثر طلبا في سوق العصافير المغردة، ويحبذ المربون الطائر الذي فقس وتربى في القفص على الذي يتم اصطياده من البراري ، كون الأول قريبا من الإنسان ولا يخشاه ويعود إلى القفص حين يجوع أو يعطش حتى إذا طار خارج البيت لساعات لأنه لم يألف الأكل والشرب خارج الأواني التي توضع له بقفصه، ولا يبخل الباعة أبدا على مستوى السوق بإسداء تلك المعلومات إلى المشترين من هواء العصافير بالنظر إلى خبرتهم الطويلة في ميدان تجارة العصافير وفي عالمهم الخاص بهم· ليبقى سوق الحراش واحدا من بين عشرات الأسواق الجزائرية التي استقطبت اهتمام الكثيرين تارة للبحث عن الأثمان البخسة والمحافظة على القدرة الشرائية وأخرى للاستمتاع بسوق العصافير أو مملكتهم الخاصة التي خصص لشتى أنواعها فضاء واسع للمهتمين بتلك الهواية كيف لا وهو الطائر الذي يضرب به المثل في الجمال والزهد في الأكل، وقد غنى المطرب العاصمي الراحل الباجي أغنية يردد فيها كثيرا عبارة (المقنين الزين) الذي يحرمه القفص من الحرية والانطلاق وفي آن واحد تعتبر تغريدته منبع تفاؤل وأمل لمربيه·