جهات مجهولة حاولت استغلال الوضع القائم لأغراض مشبوهة نجح التحدّي والمقاومة التي أبداها سكان منطقة القبائل عموما، وبوجه خاصّ سكان منطقة فريحة، في مواجهة ابتزازات الجماعات الإرهابية والإجرامية العاملة على استنزاف أملاك المواطنين بغير حقّ، في تحرير ثالث ضحّية اختطاف دون أيّ مقابل. حيث استعاد عرش »إث جنّاد« فجر أمس الشابّ "لونّاس" المختطف منذ الثالث من شهر جويلية الجاري، إذ اضطرّت الجماعة المنفّذة لعملية الاختطاف إلى الرّضوخ لرغبة المواطنين وتنديداتهم الشديدة اللّهجة التي لم يسبق للسكان وأن وجّهوها لمهدّدي أمن واستقرار المنطقة. الضحّية "لونّاس" البالغ من العمر 38 سنة، أطلق سراحه فجر أوّل أمس في حدود الساعة الرّابعة، وذلك بضوا حي »إث جنّاد«، ولحسن الحظّ لم يتعرّض لأيّ مضاعفات صحّية لكنه كان في وضعية يرثى لها وفي حالة نفسية صعبة، حسب ما أوردته مصادر مقرّبة، ولتفادي المزيد من الضغوط فضّلت عائلة "لونّاس" إبعاده من القرية ليرتاح. ولأن ظاهرة الاختطافات باتت خطرا حقيقيا وعائقا كبيرا في وجه التنمية المحلّية وتهديدا مباشرا لأمن وسلامة المواطنين وممتلكاتهم، اقترح بعض أعضاء خلية الأزمة تنظيم مسيرة يشارك فيها كلّ سكان ولاية تيزي وزو من مختلف مناطقها، وهو الاقتراح الذي يبقى في الفترة الحالية فكرة مستبعدة رغم تشجيعها من قبل الكثيرين. وكانت خلية الأزمة قد تركت الفكرة مجرّد اقتراح قد ينظّم مستقبلا بعدما ركّزت اهتمامها على تحرير الضحّية وإعادته سالما، إلاّ أن أطرافا مطّلعة أكّدت إمكانية تنظيم هذه المسيرة كون الولاية بأكملها في حاجة ماسّة إليها مادامت طرقاتها خطرا على مستعمليها وأمنها مغتصب من طرف الجماعات الإرهابية والإجرامية. ومن المنتظر أن يشارك في تنظيمها ممثّلون عن الأعراش الثلاثة الذين عرفوا هبّات شعبية ضخمة لتحرير رهائنهم من أيدي المختطفين، والتجمّع الشعبي ستحتضنه مدينة تيزي وزو على الأرجح يوم السبت المقبل. *** "لونّاس" اختطف على بعد 500 متر من منزله »سمعنا صراخه ورأينا سيّارته تخرج من القرية بسرعة جنونية، حاولنا اللّحاق بهم لكن انعدام وسائل الدفاع عن أنفسنا والرّغبة في استعادته دون أذى حالا دون إجهاض مخطّطهم« تلك هي التصريحات التي أدلى بها سكان قرية »آزرو» ل »أخبار اليوم«، والذين لايزالون تحت وقع الصدمة من عملية الاختطاف التي طالت أحدا من خيرة أبنائهم الذي اختطف غدرا من وسط القرية وعلى بعد أمتار قليلة من مسكنه العائلي، حين كان عائدا إليه قبل أن يتفاجأ بحاجز مزيّف نصب له خصّيصا في إحدى المنعرجات بطريق القرية، الطريق الذي لم يكن خطرا أو غابيا أو حتى خاليا كتلك الطرقات التي تعتمدها الجماعات الإرهابية والإجرامية لتنفيذ اعتداءاتها من اختطافات وسرقة وغيرها، ما زاد من حيرة السكان وأهله. »لونّاس« لم يشفع له مرضه الخطير والمزمن ولم تتمكّن صرخاته من إيصال أهل قريته إليه وإنقاذه من الجماعة المسلّحة المجهولة الهوية التي تمكّنت من الفرار إلى خارج القرية على متن سيّارة الضحّية التي تمّ التخلّي عنها بمنطقة »لاكريب« بتيڤزيرت. وصرّح ممثّلو خلية الأزمة ل »أخبار اليوم« بأن بعض الشباب قاموا بتعقّب أثار المركبة لكن قلّتهم وانعدام أيّ سلاح للدفاع عن أنفسهم وإنقاذ الضحّية حال دون التمكّن من مواجهتهم واقتصرت محاولتهم على استرجاع المركبة فقط، ورغم إطلاق سراحه إلاّ أن الحيرة لاتزال قائمة وعلامات الاستفهام حول هوّية المختطفين وتمكّنهم من دخول القرية تعقد لسان الكثيرين الذين حاولوا تناسي الأمر بمشاركة عائلة الضحّية فرحتهم بعودته. ** 3 ملايير سنتيم.. مجرّد إشاعة فنّد أعضاء خلية الأزمة كلّ ما نشر وتداول بين المواطنين ووسائل الإعلام المختلفة بخصوص قيمة الفدية البالغة 3 ملايير سنتيم، والتي أوردتها مصادر وصفت نفسها بالمقرّبة لعائلة الضحّية. حيث أكّد المتحدّثون أن الجماعة المتبنّية لعملية الاختطاف لم تتّصل بعائلة الضحّية إلاّ صبيحة يوم الاعتداء لإعلامهم بتواجد »لونّاس« كرهينة لديهم وانقطعت المكالمة التي تلقّاها الشقيق الأكبر، على أن يتمّ الاتّصال بالعائلة لاحقا لتحديد مبلغ الفدية دون تحديد هوّية الجهات المختطفة، إن كان الأمر يتعلّق بالجماعات الإرهابية أو الجماعات الإجرامية. هذه الأخيرة التي باتت تمثّل خطرا كبيرا بالولاية لممارستها لنشاطاتها الإجرامية تحت غطاء وباسم الإرهاب. وتبرأت تنسيقية لجان قرى العرش وكذا خلية الأزمة من المعلومات المتداولة بخصوص هذا الشأن، وأكّد المتحدّثون أن هدف المنطقة هو استعادة الشابّ، خاصّة وأنه يعاني من داء خبيث ومزمن يتطلّب خضوعه المستمرّ للعلاج والمعاينة وكلّ التجاوزات تضرّ بعائلته المتواجدة في حالة يرثى لها، وهناك أطراف تحاول استغلال الوضع لأغراض مجهولة لدى العامّة. وعليه، تقرّر يوم أوّل أمس خلال المسيرة السلمية المنظّمة بمدينة فريحة من أجل التنديد بظاهرة الاختطاف والمطالبة بإطلاق سراح الضحّية، عدم تقديم أيّ تصريح لممثّلي وسائل الإعلام الذين حضروا لتغطية المسيرة، ما جعلنا نضطرّ للتنقّل إلى القرية التي يقطن بها الشابّ المختطف والتحدّث لأعضاء لجنتها أو أقارب المعني بالأمر، وبشقّ الأنفس وبالكثير من الإلحاح تمكنّا من مقابلة أعضاء خلية الأزمة الذين تحدّثوا إلينا وبكثير من التحفّظ، وذلك -حسبهم _ أن كلّ ما ينقل بغير موضوعية من شأنه إلحاق الأذى والضرر بالشابّ المختطف وإمكانية تصفيته غير مستبعدة، لكن التمسّك بإطلاقه في أقرب الآجال وبدون مقابل قرار لا يتنازل عليه، وذلك مواصلة للتحدّي الذي رفعه الأهالي ضد الجماعات الإرهابية وكلّ الحاذين حذوها. حيث قرّر سكان القرى ال 55 التابعة لعرش »إث جنّاد« الذي يضمّ كلاّ من بلدية فريحة، أغريب وتيميزار، الانتفاض والاتّفاق على كلمة واحدة والوقوف وقفة رجل واحد لرفع التحدّي والسّير على خطى عرشي »أفليسن« و»بوغني« اللذسن واجها لغة التقتيل والسلاح التي ينتهجها الإرهاب بلغة التحدّي والرّفض والمواجهة وعدم الاستسلام لرغباته. ** "لونّاس" ثالث مختطف يحرّره سكان منطقة القبائل تحدّث الكثير عن الحالة الصحّية الحرجة للشابّ المختطف، أهل القرية صرّحوا لنا بأنه مصاب بمرضين مزمنين أحدهما خطير وخبيث وحالته تزداد سوءا يوما بعد يوم. الوضعية الصحّية التي تحدّثت عنها وسائل الإعلام وبإسهاب دفعت بالكثير من المواطنين القاطنين بعدّة ومختلف المناطق التابعة للولاية إلى المشاركة في مساندة عائلة الضحّية في محنتها وضمّ صوتهم إليها لتحريره قريبا. ويعدّ الشابّ »لونّاس« ثالث رهينة يتحرّك سكان الولاية لتحريرها والمطالبة بإطلاق سراحها هبّة شعبية تضامنية، بعدما حوّلها سكان عرش »أفليسن" إلى قضية مبدأ ورفع تحدّي للجماعات الإرهابية وانتفاض ضد كلّ ما يمسّ بأمن واستقرار المنطقة، حيث أكّد أحد أعضاء خلية الأزمة أن العرش غير متعوّد على مثل هذه الأحداث، لكن واقتداء بالمناطق السالفة الذكر فإنه لن يتمّ تسليم أيّ سنتيم للجهات المتبنّية لعملية الاختطاف. هذه الأخيرة التي لم يبق لديها أمام الغضب والانتفاضة الشعبية من خيار آخر سوى الاستسلام وإعادة الضحّية سالما ليواصل علاجه. ** جزاء الإحسان.. يتمتّع الضحّية المختطف، والذي يعمل كمسيّر مؤسسة مقاولاتية بمكانة خاصّة وثقل كبير وسط سكان القرية إن لم نقل العرش برمّته، وقد أكّد أبناء قريته أنه معيل المحتاجين ومساند المرضى والمساكين، محبّ للخير ومساهم في نشره، ما شهدت قرى المنطقة مشروع بناء مسجد إلاّ وكانت له مساعدة ومساهمة في تجسيده، لم يمنعه المرض الذي داهمه في عزّ شبابه من فقدان الأمل أو الاستسلام لليأس، خصال وصفات كثيرة تمّ تداولها بين سكان القرية الذين تأكّدوا من أن الضحّية سيكون جزاؤه الفرج لأنه شخص من خيرة رجال المنطقة، وكان لإمام القرية دور كبير في جعل الأمل قائما في استعادة الضحّية سالما معافى لأهله وقريته. ** خطر حقيقي أصبحت ظاهرة الاختطافات خطرا حقيقيا يحدق بسكان منطقة القبائل، أمر لا يختلف عنه اثنان أن خطرها على رجال الأعمال وأصحاب الثروات والمستثمرين غيّر كثيرا الخارطة التنموية للولاية، وذلك لعزوف المستثمرين عن إنجاز المشاريع في المناطق النّائية التي تبرمج إلحاقها بالركب التنموي. والمتتبّع لملف الاختطافات منذ انطلاقه بمنطقة القبائل كمصدر تمويل جديد بعد جفاف المنابع الخارجية للجماعات الإرهابية، وبالاستناد إلى القضايا التي تفصل فيها العدالة بذات الشأن، يتّضح أن الظاهرة أخذت أبعادا جدّ خطيرة، حيث أصبح ينتهجها أفراد نفس الأسر لحلّ الخلافات المالية وقضايا الإرث أو حتى الانتقام وتسوية الخلافات الشخصية واستعمالها باسم السريات والكتائب الإرهابية المنضوية تحت لواء الجماعة السلفية للدّعوة والقتال، وذلك لفتح القضايا ضد مجهول أو جماعات إرهابية للإفلات من العقاب، إلاّ أن الكثير من قضايا الاختطاف المسجّلة من هذا النّوع توصّلت مصالح الأمن إلى اكتشاف الواقفين وراءها.