رضخت الجماعة السلفية للدعوة والقتال، لمطالب سكان عرش آث جناد وأطلقت، فجر أمس، سراح المقاول المختطف المدعو ''إبارار الوناس'' 33 سنة، بعد تسعة أيام من الاحتجاز، وهذا دون دفع فدية، ولا أي مقابل آخر· وتأتي هذه العملية بعد مرور يوم فقط على المسيرة الشعبية الحاشدة التي نظمت بمدينة فريحة والتي شارك فيها نحو 2000 مواطن، ونظرا للهبة الشعبية القوية، والتضامن الكبير الذي ساد بين المواطنين منذ تاريخ الاختطاف، حيث رفع السكان التحدي أمام الإرهابيين، وتجندوا ضد كل المخاوف والتهديدات وحققوا أهدافهم كاملة· لم تجد الجماعة السلفية للدعوة والقتال أي حل آخر غير الرضوخ لمطالب عرش آث جناد، وأخلت سبيل المقاول الشاب ''الوناس إبارار'' الذي أُختطف ليلة 3 جويلية المنصرمة، وهذا دون دفع الفدية المطلوبة والمقدرة بثلاثة ملايير سنتيم، وحسب ما علمته ''الجزائر نيوز'' من عائلة الرهينة، فقد تم إخلاء سبيله بحدود الرابعة صباحا على حافة الطريق الوطني رقم ,12 وبالضبط في المكان المسمى ''شعوفة'' التابع إداريا لبلدية مقلع، والواقع على بعد 25 كلم شرق مدينة تيزي وزو، حيث اتصل المختطفون بعائلته في الساعة الثالثة صباحا وأعلمهم بمكان تواجد ابنهم، حيث انتقل أفراد العائلة رفقة أعضاء خلية الأزمة، واسترجعوا الوناس· وحسب ما أكده شقيقه الأكبر رشيد، فالمختطف يعاني أوضاعا نفسية محبطة، تستدعي القلق، وذهنيا جد مرتبك، ولا يقوى حتى على الكلام· وفي السياق ذاته، علمنا من مصادر مقربة من العائلة أن الوناس تم نقله مباشرة إلى منزله، وساعة بعد ذلك تم تحويله إلى وجهة مجهولة لتلقي العلاج كونه يوجد في حالة صحية مقلقة، وكذا للابتعاد عن الضغط الشعبي والعائلي· وتعد هذه العملية ضربة أخرى موجعة يتلقاها التنظيم الإرهابي في تيزي وزو من طرف السكان، وتضعهم في أوضاع جد حرجة، وتصعب عليه كيفية الحصول على الأموال، بعدما أصبح تنظيم أبو مصعب عبد الودود يعتمد بالدرجة الأولى على الاختطافات للحصول على الأموال، وتعد هذه الهبة الشعبية الكبيرة التي انفجرت بفريحة لكسر شوكة الإرهاب ووضع حد لظاهرة في حادثة هي الثالثة من نوعها في تيزي وزو بعدما قام سكان إفليسن في نوفمبر 2008 باقتحام غابات أزفون وميزرانة وحرروا التاجر المختطف، نفس الأمر قام به سكان بوغني الذين تضامنوا مع التاجر المختطف المدعو ''حساني علي'' 38 سنة، واقتحموا غابات آث كوفي وثنزا وحرروا الرهينة دون دفع فدية· القصة الكاملة للهبة الشعبية التي فجرها عرش آث جناد لتحرير المقاول المختطف في ليلة 3 جويلية المنصرمة وبحدود العاشرة والنصف ليلا، أقدمت جماعة إرهابية متكونة من ثمانية عناصر مسلحة على تنفيذ حاجز مزيف على مستوى الطريق البلدي الرابط بين فريحة و وبالضبط في المكان المسمى ''ثيغيلت علي أويحيى''، وقامت باختطاف الشاب المقاول المدعو ''إبرار الوناس'' 33 سنة، الذي كان على متن سيارته من نوع ''فولف ''5 كان عائدا من عرس أحد أقربائه، لكن أحد سكان قرية ثالة تفانة التي تبعد بحوالي 200 متر من مكان العملية، كان على متن سيارته وشهد على بعد 50 مترا عملية الاختطاف وقام على جناح السرعة بإخبار سكان قرية ثالة تفانة، الذين انتقلوا فور تلقيهم الخبر إلى موقع العملية لكنهم لم يجدوا المختطفين، وحسب شهادات سكان المنطقة، فقد قام أزيد من 30 مواطنا بالخروج في مركباتهم لمطاردة المختطفين ودامت العملية إلى غاية منتصف النهار الموالي، حيث عثروا على سيارة المختطف في المكان المسمى ''لاكريت'' المحاذية لغابات ميزرانة· وبعد ذلك قامت لجنة قرية أزرو التي ينحدر منها المقاول المختطف بالاتصال ب 55 قرية يتضمنها عرش آث جناد والتي تتواجد في ثلاث بلديات وهي فريحة، أغريب وثيميزار، وتم عقد اجتماع عام بقرية أزرو أسفر عن تنصيب خلية الأزمة لمتابعة هذه القضية، وتم تعيين شخصين من كل قرية كممثلين· والقرار الأول الذي اتفق عليه عرش آث جناد هو مطلب إطلاق سراح الرهينة دون دفع أي مقابل، والعملية الأولى التي قامت بها خلية الأزمة هي توحيد صفوفها وتنظيم أنفسهم وبعدها العمل على كسب تضامن شعبي قدر المستطاع كي يستطيعوا من خلاله الذهاب بعيدا في هذه القضية، وهو الأمر الذي حققوه حيث لقوا دعما وتضامنا ومساندة قوية من طرف كل قرى عرش آث جناد، وكذا العديد من المناطق التابعة لولاية تيزي وزو، وأول عملية احتجاجية قامت بها خلية الأزمة هي الدخول في إضراب عام عن العمل في اليوم 6 جويلية، حيث شلوا كل الحركة التجارية والخدماتية بثلاث بلديات يتضمنها عرش آث جناد، كما قاموا بالاعتصام أمام مقر البلدية، مطالبين بإطلاق سراح الوناس، والتنديد بعمليات الاختطاف، تبعتها فيما بعد تهديدات السكان للجماعة المختطفة باقتحام غابات المنطقة بالأسلحة ومطاردة الإرهابيين، وهو ما فعلوه في اليوم السابع حيث أقدم العشرات من السكان على إطلاق وابل من الرصاص في السماء في غابات أباران القريبة من المنطقة والمحاذية لغابات تيفزيرت، وهذا كإنذار أولي موجه للإرهابيين يؤكدون من خلاله أنهم ليسوا خائفين ومستعدون لمواجهتهم بالأسلحة، لكن السكان تريثوا قليلا وفضلوا أن يكون الحل سلميا لتجنب ما لا يحمد عقباه، حيث قدموا مهلة إضافة للإرهابيين مدتها 24 ساعة، لكن الجماعة المختطفة تمسكت بمطلب دفع عائلة الرهينة فدية ثلاثة ملايير سنتيم مقابل إطلاق سراحه، وهو الأمر الذي أثار تذمر وغضب عرش آث جناد، الذين قرروا رفع التحدي أمام الجماعة السلفية للدعوة والقتال، وجددوا لهم رفضهم المطلق لدفع الفدية، حيث عقدت خلية الأزمة اجتماعا آخر، وقررت الخروج أول أمس السبت في مسيرة سلمية حاشدة عبر شوارع مدينة فريحة كآخر حل سلمي، قبل أن يدخلوا في مواجهة ساخنة مع الإرهابيين، ولم يجد المختطفون أي حل أمام هذا الضغط الرهيب الذي فرضه السكان، إلا الاستجابة لمطالبهم والرضوخ لهم حيث أفرجوا عن ''الوناس إبارار'' بالتخلي عن مطلب دفع الفدية· وتأتي هذه العملية بعد تأكد السلفية أن السكان مستعدون للذهاب بعيدا معهم، وتأكدوا من ذلك خلال المسيرة الأخيرة التي لقيت استجابة واسعة من طرف سكان ولاية تيزي وزو الذين انتقلوا بالمئات إلى فريحة للتعبير عن مساندتهم المطلقة مع عائلة الرهينة وقرية أزرو، وكذا للتنديد بالأعمال الإرهابية وبعمليات الاختطاف التي تستهدف سكان منطقة القبائل في حالة عدم الرضوخ لمطالبهم· منزل الوناس يغص بالمواطنين دقائق فقط مباشرة بعد سماعهم خبر إطلاق سراحه الإفراج عن المختطف ''الوناس إبارار'' خلق فرحة عارمة بين أوساط سكان عرش آث جناد، وبالخصوص سكان قرية أزروا وعائلة الضحية، وحسب ما كشفه أفراد عائلته خلال حديثهم مع ''الجزائر نيوز''، فالمواطنون توافدوا بأعداد هائلة دقائق فقط بعد سماعهم خبر إطلاق سراح الوناس، رجالا وشيوخا، نساء وعجائز وحتى الأطفال، وكان الكل في حالة من السعادة، معتبرين ذلك بانتصار العرش وانهزام الجماعة الإرهابية، وأفضل من ذلك فقد دخل العديد من المواطنين منزل الوناس مرفقين بالحلويات والبيض واللبن ومختلف أنواع الفواكه والمشروبات، مباركين للعائلة عودة الوناس سالما معافى إلى ذويه بعد تسعة أيام من القلق والذعر والأسى والاستياء والخوف، وهي مشاهد تعبر عن التضامن والأخوة السائدة في منطقة القبائل، التي لا تزال إلى يومنا هذا مقدسة بين العائلات القبائلية· والدة الوناس تتنفس الصعداء وتصرح أنها ولدت ابنها من جديد أكد أحد أفراد المختطف أن والدة الوناس هي الأكثر تأثرا بعملية اختطاف ابنها، ومنذ ليلة 3 جويلية وهو تاريخ اختطافه وهي تعيش على جمر، ولم تستطع حتى النوم، ولا الأكل، ودموعها لم تتوقف للأسى والحزن الشديدين على فقدانها لفلذة كبدها، وأكدت أنها كانت تحسب الأيام بالثواني، تنتظر أخبارا جديدة عن ابنها أو متى سيعود إليها سالما معافى، وأضاف، أن الدعوات لم تفارق لسانها، لكن وفور سماعها خبر إطلاق سراح ابنها، ظهرت وكأنها تعيش حياة جديدة، تحولت دموع الحزن إلى دموع الفرح والسعادة، وأكد محدثنا أن والدة الوناس صرحت لهم قائلة ''هذا اليوم غير عادي، أحس وأنني ولدت الوناس من جديد''· سكان آث جناد يصرحون: قهرنا الاستعمار الفرنسي خلال الثورة التحريرية·· فكيف للإرهاب أن يخيفنا؟ اغتنمت ''الجزائر نيوز'' فرصة تواجدها بفريحة وبمنزل ''الوناس إبارار'' بقرية أزرو وتحدثنا إلى المواطنين حول الهبة الشعبية الكبيرة التي فجروها، وكذا حول شجاعتهم في تحدي الجماعة السلفية للدعوة والقتال، حيث أكدوا أنهم ليسوا خائفين من الإرهاب، ولا من تهديداتهم ولا أسلحتهم، وأجمعوا في شهاداتهم التي كانت بنبرة سخط وتحدي، أن منطقة آث جناد لا تزال شاهدة إلى يومنا هذا على بطولات مجاهديها الذين قهروا الاستعمار الفرنسي وجرعوه هزائم كبيرة، على غرار معركة ''ثاشيفونت'' التي وقعت يوم 29 مارس ,1959 والتي قتل فيها أزيد من 300 جندي فرنسي مقابل استشهاد 26 مجاهد، ''عرش آث جناد قهر الاستعمار الفرنسي خلال الثورة التحريرية، فكيف للجماعة السلفية للدعوة والقتال أن تخيفنا؟'' بحسب تصريح أحد المجاهدين، وفي نفس السياق يقول مواطن آخر في الخمسين من عمره ''إذا أراد درودكال أن يتعلم دروسا في الرجولة والشجاعة والتحدي ما عليه إلا تنفيذ عمليات الاختطاف في منطقتنا، فنحن لا ولن نخاف منهم ولا من أتباعه المجرمين، وسنقف في وجوههم مهما كان الثمن''، وهذا ما أكده العديد من السكان في تصريحاتهم، مشيرين إلى أنهم لن يسكتوا على مثل هذه التجاوزات ويتحدون الجماعات الإرهابية كلما يقدمون على تنفيذ عمليات الاختطاف أو عمليات إرهابية أخرى، وبحسبهم، فالشعب الجزائري حر يعيش كما يشاء وله كل الحق بحرية تامة وليس من حق الإرهابيين أن يحرمه من هذه الحرية· هذا، وغادرنا قرية أزروا تحت ترديد السكان عبارة ''لا للإرهاب'' و''كفى من ظاهرة الاختطافات''، ''اليوم وغدا الوحدة والتضامن بين الشعب موجودان واللعنة على الإرهابيين''·