* شوفانمان: "من غير المجدي أن نتمسّك بماض أليم"! تشير العديد من المعطيات السياسية والاقتصادية إلى أن النّظام الفرنسي يكون قد قرّر طيّ صفحة التشنّج في العلاقات بين باريس والجزائر وفتح صفحة جديدة أساسها البراغماتية السياسية والمصالح الاقتصادية بعيدا عن جراح الماضي، في محاولة للالتفاف على مطالب الأسرة الثورية والسياسية والإعلامية والجمعوية الداعية إلى اعتراف فرنسي رسمي بمجازر الاستعمار بالجزائر، والاعتذار عنها· ويرى متتبّعون أن السلطات العليا في فرنسا استغلّت زيارة وزير الخارجية مراد مدلسي قبل أيّام لباريس لبعث مزيد من الإشارات (الإيجابية) في اتجاه (المستعمرة السابقة)، وضمن هذا السياق يأتي الملتقى الذي أعلن البرلمان الفرنسي المعروف باسم الجمعية الوطنية عن تنظيمه يوم السبت 17 ديسمبر، كمحاولة (ذكية) من السلطات الفرنسية لدفع العلاقات الجزائرية الفرنسية باتجاه التطبيع، ليس حبّا في الجزائر طبعا وإنما بحثا عن حماية المصالح الفرنسية والحصول على امتيازات اقتصادية جديدة في ظلّ الأزمة المالية الخانقة التي يعيشها الاقتصاد الفرنسي وتحتّم عليه الحفاظ على أسواقه التقليدية مع البحث عن أسواق جديدة· ويبدو ملتقى السبت رسالة غزل فرنسية جديدة للجزائر، حيث سينظّم تحت عنوان (التعاون الجزائري الفرنسي وآفاق تطويره)، ومن المقرّر أن يتمحور هذا الملتقى الذي ينظّم تحت شعار (الجزائروفرنسا في القرن ال 21) حول عد من المواضيع التي ستنشّطها شخصيات سياسية وطنية وفرنسية· كما ستتناول نقاشات هذا اللّقاء عديد المجالات على غرار الاقتصاد والنمو والتشغيل وتهيئة الإقليم ومستقبل التعاون الثقافي والعلمي بين البلدين والبعد الإنساني والاجتماعي في العلاقات الجزائرية-الفرنسية والجيوسياسة في العولمة وسينشّط كلّ من وزير البيئة وتهيئة الإقليم السيّد شريف رحماني والوزير الأوّل الأسبق السيّد سيد أحمد غزالي ورئيس الدبلوماسية الجزائرية الأسبق السيّد الأخضر الإبراهيمي محاضرات حول المواضيع المدرجة في هذا اللقاء· وسيتدخّل في هذا اللّقاء النّائب جون بيار رافاران ووزير أوّل فرنسي سابق، كما سيتمّ إشراك رجال اقتصاد ورؤساء مؤسسات ومثقّفين ونساء ورجال الثقافة، فضلا عن مهنيي وسائل إعلام البلدين· وقال جون بيار شوفانمان رئيس ما يسمى بجمعية فرنسا-الجزائر إنه (ينتظر من هذا الملتقى إعطاء ردود على محاور التعاون التي يمكن لفرنساوالجزائر أن يحرزا فيها تقدّما بشكل هادئ)، مضيفا أن (الفرنسيين والجزائريين رجالا ونساء سيتناولون بإرادة حسنة وكفاءة عالية ما يمكن تحقيقه في مجال الاقتصاد وتهيئة الإقليم والعمران، وكذا في الميادين الجامعية والبحث والثقافة كذلك والتاريخ)· شوفانمان قال في حديث مطوّل لوكالة الأنباء الجزائرية إن الأمر يتعلّق (بأن نتوصّل بيننا إلى أكبر قدر من التشاور حول الرّهانات الجيوستراتيجية التي تخصّنا)، معتبرا أن الوضع العالمي الرّاهن (على قدر كبير من الصعوبة وفي بعض المناطق على قدر من الخطورة ممّا يحتّم علينا تدريجيا إيجاد مقاربات جديدة وتكثيف الأعمال المشتركة). ودعا هذا الوزير الفرنسي الأسبق إلى (تحريك الأمور) بين فرنساوالجزائر (للتوجّه سويا) نحو المستقبل، قائلا بالحرف الواحد: (يجب تحريك الأمور بين فرنساوالجزائر)· وحسب المتحدّث فإن (الجزائروفرنسا بلدان كبيران مطالبان بأن يكونا قادرين على تحمّل الماضي بأكمله والتوجّه سويا نحو المستقبل)، مؤكّدا أنه (يتفهّم أثر الذاكرة الأليمة على الجزائريين)· وزعم شوفانمان (أنها ذاكرة أليمة بالنّسبة للجميع)، مشيرا إلى أنها تجد مصدرها في جوهر النّظام الاستعماري ذاته وعيبه الأصلي اللذين افسدا العلاقات بين بلدينا بشكل مستمرّ)· وبالنّسبة للمترشّح للرئاسيات الفرنسية القادمة شوفانمان (هناك مشاعر قوية تطبع العلاقات الفرنسية الجزائرية يبدو لي إيجابيا ويكون من المؤسف إهماله)، مؤكّدا أنه من جهته يبقى (وفيا للالتزام المتعلّق بالتوجّه سويا نحو المستقبل والعمل على إقامة الصداقة والتعاون بين بلدينا اللذين يطلاّن على نفس البحر وتربطهما علاقات إنسانية متميّزة). كما اعتبر رئيس جمعية فرنسا-الجزائر أنه بإمكان الجزائر أن تساهم في إقامة هذا الصداقة (من خلال بعض القرارات الرمزية)، وقال أيضا إنه (عمل ضروري ولا مناص منه وصعب وإلاّ فإن الذاكرة الأليمة قد تستعمل وتنتج اليوم أيضا أثارا سياسية غير عقلانية من حيث مصالح الجزائروفرنسا على حد سواء)، واسترسل يقول: (بدلا من البحث عن أسباب أحداث الماضي البعيد وعند الآخرين من الأجدر أن نخدم بلدينا بالتوجّه سويا نحو المستقبل، وأن نبحث عن الأمور الإيجابية عند الآخر ويمكن استغلالها للمصلحة المشتركة)، زاعما أنه (من غير المجدي أن نتمسّك بماض أليم). وبخصوص ملف تنقّل الأشخاص بين فرنساوالجزائر قال السيّد شوفانمان إنه قام سنة 1999 عندما كان وزيرا للداخلية بمنح الحقّ في الإقامة الذي يسيره قانون (ريزيدا) وحقّ تنقّل الأشخاص (الذي سهلّته بشكل كبير)، مضيفا أن عدد التأشيرات الممنوحة من طرف فرنسا للجزائريين انتقل خلال ثلاث سنوات (1999-2002) من 50000 إلى 250000 تأشيرة، وذكر قائلا: (أعلم أن هذه السياسة قد شدّدت من طرف الحكومات التي توالت بعد سنة 2002)، معتبرا في هذا السياق أن (تأشيرات حوّلت من أجل تغذية هجرة غير منتظمة) ومضيفا أن (الأجانب غير المقيمين مثل المقيمين عليهم احترام القانون الجمهوري)، حيث أن الجمهورية (يجب أن تبقى في الاستماع للتطوّرات التي غيّرت مميّزات الهجرة الجزائرية في فرنسا). وحسب وجهة نظر المتحدّث (يجب التركيز أكثر على تسهيلات التنقّل تأشيرات دخول متعدّدة واستقبال الطلبة الذين يريدون العمل في فرنسا بسهولة أكبر، وسيكون هذا أيضا فرصة لهم من أجل التكون والحصول على كفاءات تستفيد منها الجزائر فيما بعد)· وقال شوفانمان في ختام حديثه: (من جهتي أنا مرتاح لمساهمة الجزائريين ومزدوجي الجنسية في بناء هذه الهوية الأورو-متوسطية التي تعتبر عنصرا أساسيا لمستقبل متقاسم)·