بتبني الجزائر سنة 2011 لبرنامج هام في مجال تطوير الطاقات المتجددة يمتد على مدى العشريتين المقبلتين فإنها تكون قد انطلقت في مسار طموح للانتقال نحو الطاقات البديلة والنظيفة، فعلاوة على البعد البيئي أو حتى الحرص على تنويع المصادر الطاقوية وتقليص نسبة الطاقات الاحفورية فإن الجزائر تسعى أيضا إلى تمديد عمر احتياطاتها من المحروقات لبعض السنوات وكذا استغلال طاقتها الشمسية الهائلة وطاقة الرياح من أجل المساهمة في الاستجابة للاحتياجات الداخلية من الكهرباء وتصدير جزء من هذه الطاقة نحو البلدان الأوروبية· وسبق لرئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة أن عبر عن هذه الإرادة بشكل واضح، حيث أكد على الأهمية التي يجب إيلاؤها لتنويع موارد التموين الطاقوي للبلاد من خلال وضع برنامج وطني للطاقات الجديدة والمتجددة· في هذا الصدد، أكد رئيس الدولة خلال ترأسه لاجتماع مصغر مع وزير الطاقة والمناجم السيد يوسف يوسفي خصص لتقييم القطاع أنه (إذا أردنا بطبيعة الحال مواصلة توسيع وتجديد احتياطاتنا من المحروقات فإنه يتحتم علينا أيضا تنويع موارد التموين الطاقوي للبلاد من خلال وضع برنامج وطني للطاقات الجديدة والمتجددة)· خيار طاقوي·· أما الاحتياجات الطاقوية الحالية للبلاد فيتم تلبيتها من المحروقات سيما الغاز الطبيعي الذي يظل أهم مصدر طاقوي مستعمل فيما أن اللجوء إلى مصادر الطاقة الأخرى فلا يتم إلا إذا تعذر استعمال الغاز الطبيعي· كما أن هذا الخيار الطاقوي للجزائر قد عززته حقيقة أن الغاز الطبيعي يعد مصدر الطاقة الأرخص للمستهلك أما على المدى الطويل فإن الانتقال من خيار الاستهلاك الطاقوي الحالي سيكون إشكالية سيما فيما يخص توازن العرض والطلب على هذا المصدر الطاقوي الذي ما فتئ يتزايد الطلب عليه سواء داخليا أو في السوق الدولية· ولإبراز ذلك فإن نسبة الاحتياجات الداخلية للجزائر من الغاز الطبيعي مرشحة لبلوغ 45 مليار متر مكعب سنة 2020 قبل أن تصل عتبة 55 مليار عشر سنوات من بعد وسيكون هذا التطور الهائل في الطلب المحلي مصحوبا بكميات ضخمة يجب تصديرها والتي تكون إيراداتها ضرورية لتحريك عجلة الاقتصاد الوطني· في ذات السياق ستتراوح نسبة استهلاك الكهرباء في ذات الفترة بين 75 و80 تيراواط ساعي سنة 2020 وما بين 130 و150 تيراواط ساعي سنة 2030· ويتوقع البرنامج الوطني لتطوير الطاقات المتجددة الذي أقره مجلس الوزراء في فيفري الأخير إنتاجا ب22000 ميغاواط من الكهرباء من مصادر متجددة سيما الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الموجهة للسوق الداخلية فضلا عن 10000 ميغاواط إضافية للتصدير نحو البلدان المجاورة خلال السنوات ال20 المقبلة· وذلك يوازي 40 بالمائة من إجمالي إنتاج الكهرباء بحلول سنة 2030 وضعف الطاقة الحالية للحظيرة الوطنية لإنتاج الكهرباء· ومن أجل تحقيق هذا الهدف خلال هذه المدة يتطلب الأمر توفير استثمارات بقيمة ب120 مليار دولار نصفها من القطاع العمومي· كما تتطلب عملية تجسيد هذا البرنامج إشراك المستثمرين الخواص والأجانب· 100 ألف منصب شغل·· كما أن هذه السياسة الطاقوية ستتدعم من خلال تطوير صناعة محلية للمناولة التي تمكن بالتالي من إنشاء ما لا يقل عن 100000 منصب شغل· وفي المجموع فإن 67 محطة شمسية بنظام الصفائح الضوئية الفولطية والشمسية الحرارية وبطاقة الرياح الهجينة مع الغاز الطبيعي أو الديزل تكون موزعة في إطار هذا البرنامج على عشرين ولاية من الجنوب والهضاب العليا وحتى شمال البلاد من شأنها رفع التحدي ونقل الجزائر إلى عصر الطاقة النظيفة وستبلغ الطاقة الإجمالية المؤكدة لهذه المشاريع 2357 ميغاواط في أفق سنة 2020· وقد استحوذ فرع الطاقة الشمسية بنظام الصفائح الضوئية الفولطية على حصة الأسد من هذا البرنامج من خلال 27 مشروعا تبلغ طاقتها الإجمالية 638 ميغاواط· كما تم تخصيص ذات عدد المنشآت لإنتاج الكهرباء بالتقنيات الهجينة بين الطاقة الشمسية والديزل وتوربينات الغاز الموجهة لمناطق الجنوب غير الموصولة بالشبكة الوطنية للتوزيع· أما الطاقة الشمسية الحرارية التي تتوفر على عدد محدود من المحطات (6) مقارنة بالفرعين الآخرين فتحظى بأكبر قدر من الطاقة الخاصة بالبرنامج حيث يبلغ إجمالي طاقتها 1350 ميغاواط· فيما يستحوذ فرع طاقة الرياح (7 مشاريع) على نسبة 260 ميغاواط أكبرها ب50 ميغاواط وأصغرها 20 ميغاواط· وقد تم إسناد مهمة السهر على إنجاز هذا البرنامج إلى مجمع سونلغاز الذي يتوفر على محطة هجينة (طاقة شمسية وغاز) بحاسي الرمل (150 ميغاواط) ومشروع حظيرة طاقة رياح ب10 ميغاواط· في هذا السياق أصدرت شركة الكهرباء والغاز (سونلغاز) ثلاث مناقصات تتعلق بثلاثة من تلك المشاريع ويتعلق الأمر بمشاريع مصنع للسلسيوم ومحطة شمسية حرارية بطاقة 150 ميغاواط وكذا المركز الوطني لتقييس التجهيزات الشمسية· حتى وإن كان البرنامج الوطني لتطوير الطاقات المتجددة يتمحور بشكل أساسي حول الطاقة الشمسية بشقيها (الصفائح الضوئية الفولطية والحرارية) إلا أنه لا يستبعد طرق فروع أخرى على غرار الطاقة الحرارية الباطنية للأرض· وتتوفر الجزائر على إمكانيات كبيرة من الطاقة الحرارية الباطنية للأرض إلا أن استغلالها يتطلب تحكم تقني واقتصادي جيد· في هذا الصدد، شرع مجمع سونلغاز في دراسة خاصة بتقييم هذه الإمكانيات وتحديد مردودية استغلالها· مزيد من الإجراءات·· كما تنوي السلطات العمومية اتخاذ مجموعة من الإجراءات لمرافقة تجسيد البرنامج الوطني لتطوير الطاقات المتجددة وتتعلق أساسا بتخفيض الرسوم الجمركية عند استيراد تجهيزات تتعلق بصناعة الطاقات المتجددة والإعفاء من بعض الرسوم سيما الرسم على القيمة المضافة لفائدة منتجي الكهرباء من مصادر غير احفورية وتسهيل عملية الحصول على العقار الصناعي· وبالموازاة مع تجسيد هذا البرنامج الطموح شرعت الجزائر في مسار واسع للتعاون الدولي في ذات الميدان، حيث تعتبر المشاركة في مبادرة ديزارتاك أكبر مثال على ذلك· فقد تم في مطلع شهر ديسمبر ببروكسل التوقيع على مذكرة تفاهم بين مجمع سونلغاز والمؤسسة الألمانية (مبادرة ديزارتاك)· ومن بين أهم محاور الشراكة الاستراتيجية المتوصل إليها بعد عديد الأشهر من المشاورات بين الجزائر وأصحاب مشروع ديزارتاك يوجد على الخصوص تعزيز المبادلات في مجال الخبرة التقنية ودراسة السبل والوسائل الكفيلة بولوج الأسواق الخارجية والترقية المشتركة لتطوير الطاقات المتجددة في الجزائر وعلى المستوى الدولي· وترمي مبادرة ديزارتاك من خلال استثمار ضخم تناهز قيمته 500 مليار أورو إلى أن تتمكن في ظرف 40 سنة من إنشاء شبكة واسعة من التجهيزات الخاصة بطاقة الرياح والطاقة الشمسية على مستوى منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط·