(درء الحدود بالشبهات) من قواعد الفقه المهمة التي يُعتمد عليها في قضايا كثيرة، حيث يقول الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر إن الحدود جمع حد، وهو عقوبة مقدرة بتقدير الشارع على جرائم معينة كالزنى والسرقة والحِرابة، وغير ذلك مما هو معروف في الفقه الإسلامي، والشبهة هي ما لم يتبين كونه حراماً أو حلالاً أو هي ما يشبه الثابت وليس ثابتا· وأوضح الدكتور عبد الفتاح إدريس أن معنى قاعدة (الحدود تدرأ بالشبهات) أن إقامة الحدود بما في ذلك القصاص، مشروطة بأن يكون السبب الذي يترتب عليه الحد ثابتا يقينا، فإن كانت شبهة فلا يقام الحد، سواء كانت الشبهة في الفاعل كمن وطئ امرأة أجنبية ظناً أنها زوجتُه، أو في المحل بأن يكون فيه شبهة حق كمن يسرق مال أبيه أو في الطريق الذي يثبت به الحكم، كأن يكون حراماً عند قوم حلالاً عند آخرين، ففي هذه الصور الثلاث شبهة الفاعل، وشبهة المحل، وشبهة الطريق لا يقام الحد تمسكاً بهذه القاعدة· وأشار الدكتور عبد الفتاح إلى أن الأصل في هذه القاعدة قول النبي صلى الله عليه وسلم (ادرءوا الحدود بالشبهات)، وما روي من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، (ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرجٌ فخلوا سبيله فإن الإمام لأنْ يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة) رواه الترمذي، وهذه الأحاديث وإن كان في سندها مقال، فإن العلماء متفقون على العمل بمضمون القاعدة انطلاقا من حديث الرسول، صلى الله عليه وسلم (الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهة فمن ترك ما اشتبه عليه من الإثم كان لما استبان أترك، ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان، والمعاصي حمى الله، من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه) أي أن ترك المرء ما اشتبه عليه أفضل· الجهل بالحلال والحرام وقال عبد الفتاح: من جهل أحرام هذا الشيء أم حلال؟ فالأفضل له أن يبتعد عنه، ومن جهل أفرض هو أم غير فرض؟ فحكمه ألا يوجبه، ومن جهل أوَجب الحد أم لم يجب؟ ففرضه ألا يقيمه، لأن الأعراض والدماء حرام لقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام) وأما إذا تبين وجوب الحد فلا يحل لأحد أن يسقطه، لأنه فرض من فرائض الله تعالى· وأضاف: يتفرع على قاعدة (الحدود تدرأ بالشبهات) من الأحكام، لو تزوج إنسانٌ امرأة يعتقد حلها له، ثم بانت أنها لا تحل كأن تكون أخته في الرضاع، وجب فسخُ العقد ولا حدَّ عليه لوجود الشبهة، ومثال ذلك لو تزوج إنسانٌ بغير شهود أو ولي، فلا يجب الحد، لاختلاف العلماء في جواز عقد النكاح بغير شهود أو بغير وليّ· تجنب الشبهات وقد اشترط الشافعية في الشبهة التي تُسقط الحد أن تكون قوية وليست مجرد وهم، لأن الشريعة الإسلامية حثت على تجنب الشبهات ووجوب الاستبراء منها، لقوله صلى الله عليه وسلم، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه· ومن لطائف هذه القاعدة: إذا زفت للزوج امرأة غير زوجته، وقيل هذه زوجتك فوطئها يعتقدها زوجته لا حد عليه، كأن وجد على فراشه امرأة ظنها امرأته فوطئها، أو اشتبه عليه ذلك لإصابته بمرض العمى فلا حدَّ عليه· والنائم مرفوع عنه القلم فلا حدَّ عليه ولو أقر أنه ارتكب ما يستوجب الحد في حال نومه، ولا يُلتفت إلى إقراره لأن كلامه ليس بمعتبر· وأما السكران فعليه حد الزنى والسرقة والشرب والقذف إن فعل ذلك في سكره، لأنه تسبب في هذه المحرمات بسبب لا يُعذر فيه وهو شرب الخمر وهي من المحرمات، فأشبه من لا عذر له مثل النائم والمجنون· * اشترط الشافعية في الشبهة التي تُسقط الحد أن تكون قوية وليست مجرد وهم، لأن الشريعة الإسلامية حثت على تجنب الشبهات ووجوب الاستبراء منها، لقوله صلى الله عليه وسلم، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه·