إلى زمن غير بعيد ظلت الأغنية رسالة المجتمع التي تعبر عن همومه، وتطلعاته، وحتى عواطفه، وما يجري فيه من أحداث· فالأغنية وإن اختلف الكثير حول حكمها إلا أن الجميع يشهد أنها أرّخت، ومثلت آراء معارضة، وعبرت في الكثير من المناسبات· لكن الأغنية الجزائرية باختلاف طبوعها اليوم تعرف تدهورا خطيرا، حيث غزت موجة من الإصدارات الجديدة سوق الأشرطة لتجعله مكبا للنفايات لا ساحة لتقديم فن من الفنون، خاصة وأن هذه الإصدارات في أغلبها هي عبارة عن تسجيلات مباشرة لحفلات يحييها فنانون في الملاهي أو العلب الليلية لتعرض على شكل أشرطة أو سيديهات فيما يعرف ب (اللايف)، أي أن الحفلة تكون كاملة دون أي حذف أو تصرف فتعلو فيها صيحات (التبراح) أو ما يعرف ب (الرشقة)، ناهيك عما قد يصدر من كلام مخل في مثل تلك المجالس· وكانت أكثر هذه الإصدارات انحطاطا أغاني الراي التي وصلت إلى حد من التفاهة جعل المستمع إليها يستمع من أجل اللحن فقط ولا يبالي بالكلمات على حد تعبير إحدى الفتيات التي قالت (إنها تقبل على شراء كل الألبومات رغم تأكدها من مدى تفاهتها وتدني المستوى الأخلاقي فيها في بعض الأحيان)، وأضافت طالبة جامعية أن أغلب المغنيين اليوم (يغنون من أجل الغناء وليس لديهم أي هدف أو رسالة يريدون إيصالها والهدف الوحيد الذي يضعونه نصب أعينهم هو كيفية تحقيق أكبر نسبة من الأرباح في كل ألبوم دون المبالاة بما يقدمونه وما يترتب عليه من نتائج)· وهو ما لاحظناه حقا عند سماعنا لبعض الأغاني التي لا تليق إلا بمستوى الملاهي الليلية لكنها للأسف تباع في أكثر المحلات احتراما، وتدخل في أوساط العائلات، وتقام على نغماتها الأعراس والمناسبات العائلية· وفي هذا يؤكد أحد باعة الأشرطة أن مستوى الفن الجزائري يتدنى من سنة إلى أخرى (فكل ألبوم يتأمل فيه بعض الخير يجده أسوأ مما سبقه من ألبومات)، ورغم ذلك تلقى هذه الألبومات رواجا كبيرا لتبقى حصة الأسد لأغاني الراي نظرا للشعبية التي يعرفها هذا الطابع في أوساط الشباب خاصة ما يعرف بسيديهات (اللايف) التي تعرف إقبالا كبيرا من الفتيات قبل الفتيان على حد تعبير البائع· وفي ظل غياب الرقابة على مثل هذه الإنتاجات التي لا ترقى إلى وصفها بالفنية، تبقى هذه الإصدارات رائجة مع وجود من يسيء استعمال حرية الإنتاج الفني التي يتمتع بها· وتبقى الأغنية الجزائرية الأصيلة غائبة عن الساحة الفنية، فالأغنية الجزائرية وإن كانت تعرف منذ انطلاقتها بعض الانحراف في الذوق إلا أنها كانت في السابق مجرد حالات شاذة كأغاني المازوني مثلا، لكنها وعلى العموم كثيرا ما وصفت بالحكمة على غرار طابع الشعبي الذي يعد مدرسة تخرج منها الحكماء، كما عرفت أغنية الراي - وإن كانت لم ترق إلى مستوى الطابع الشعبي - في وقت سابق موجة من الأغاني التي سميت آنذاك بأغاني (الرجلة) والتي تعالج بعض الظواهر المتفشية في المجتمع كالفقر، والهجرة غير الشرعية، والمخدرات·· وغيرها من الظواهر الاجتماعية·