فيما كان الزواج في السابق حلم المرأة الأول، ورغبتها الفطرية في الاستقرار وفتح بيت تتفوق على كلّ رغبة أخرى، فان بعض النسوة اليوم، استغنين او أجلن التفكير في الزواج، وقدمن أحلاما وأهدافا أخرى على الزواج. يقول المثل الشعبي:"بلاصة لمرا في دارها"، أي في بيت زوجها بين أولادها، حتى أن فكرة الطلاق او الانفصال والعودة إلى بيت الأولياء لم تكن مطروحة تماما، لكنّ بعض النسوة، خاصّة ممن يدّعين التحرر، والتخلص من قيود المجتمع البالي، وغير ذلك من الأفكار، المستمدّة من الحركة النسوية الغربية، كلها جعلت بعض النسوة يفضلن تأخير الزواج، وتحقيق بعض الأهداف والطموحات، من شراء بيت وسيارة وحتى مجوهرات والارتحال والنجاح في الحياة العملية، وربما الوصول إلى مناصب عالية، ثمّ يأتي الزواج بعد ذلك، وقد لا تفكر فيه المرأة إطلاقا، بل تفضل بعد ذلك كله أن تعيش العنوسة الاختيارية، بحجة أنها لا تريد لرجل أن يتحكم فيها. هكذا تعيش النسوة الغربيات، او اغلبهن، فقد تخلص المجتمع الغربي تماما مما سماه قيودا، وعوض أن يسمو إلى مرتبة الإنسان، نزل إلى مرتبة أدنى من الحيوان، فلم يعد يؤمن لا بالزواج ولا بالأخلاق ولا بالشرف او الكرامة، ولا شيء من هذا، وصارت كل هذه المبادئ أشياء قديمة تدعو إلى السخرية، وان كان الغرب المسكين تخلص من ذلك كله لأنه لا يجد دينا صحيحا يؤمن به ويحكم تصرفاته وقراراته، فان لبنا نحن المسلمين ديننا الذي نصدقه ونعود إليه في كل أمورنا، لهذا فان تصرفات تلك النسوة تبقى بعيدة كل البعد عما يمليه علينا ديننا، واغلبهن في النهاية يندمن على أنهن أضعن سنوات عمرهن دون التفكير في الزواج. تحكي لنا ربيعة عن صديقتها التي شارفت على بلوغ الأربعين ولم تتزوج، وكان القرار في البداية قرارها بعدم الارتباط، وفضلت أن تعمل وان تحقق كل ما تريده، قبل أن ترتبط، لكنها وفي وقت تزوجت كل صديقاتها وأنجبن أطفالا، بقت هي وحيدة، خاصّة بعد أن توفي والداها، وتزوّج أخوها الأصغر، فأحسّت حينها بفراغ رهيب جعلها تفكر لأوّل مرة في الارتباط، لكنّ الوقت كان قد تأخر او كاد، فالرجل اليوم، تقول لنا ربيعة، يحب الفتيات الصغيرات السن، حتى وان شارف على بلوغ الستين من عمره وأراد الزواج، فانه يبحث عمن تكون في سن ابنته، وكل ما بنته في النهاية رأته ينهار أمام عينيها فلم تعد قادرة لا على العمل ولا على الاستمرار في تحقيق أحلام، صارت مع الوقت تراهم سرابا ليس إلاّ". اتجهنا إلى الطبيب النفساني "ك. م" والذي وضح لنا الأمر، خاصة وان حالات كثيرة صادفها لنسوة جئنه يشتكين فشلهن، ورغم انه تحفظ عن ذكر عينات المرضى الذين زاروه، إلاّ انه شرح لنا اغلب الأسباب التي تجعل المرأة تختار العزوف عن الزواج، ومن ثمة تندم على ذلك القرار، يقول: "اغلب النسوة اللائي يفضلن العيش لوحدهن، عادة ما يكنّ قد تعرضن إلى محاولات عاطفية فاشلة في بداية حياتهن، ثم يحاولن أن يعوضن ذلك بالعمل او النجاح او تجميع المال او أي شيء، ويحسبن بذلك أنها خير طريقة للنسيان، إلى أن يمضي بهن الوقت سريعا، فلا يدركن حجم الخطأ الذي قمن به إلاّ متأخرات، كما أنّ للتربية الأسرية، والمحيط الاجتماعي دوره في الأمر، حيث أننا لا نجد هذه الظاهرة في الأحياء الشعبية مثلا، لأنها مازالت تقدس الزواج وتعتبر المرأة ناقصة ما لم ترتبط، وما لم تلتحق ببيت زوجها، لكن بعض العائلات التي ترد أن تعيش على الطريقة الغربية، تترك لأبنائها وبناتها الحرية في اختيار طريقة الحياة التي تعجبهن، وفلا تفرض عليهن أمراً، وقد لا تنصحهن، بل قد يلعب الأولياء دورا عكسيا، فعوض أن يدعوا بناتهم إلى التعقل والى الزواج، يحرضوهنّ على تركه، بحجة انه يقيدهن، بل قد يتخذون من النمط الغربي مثالا مصطفى مهدي