بقلم: الدكتور عثمان عبد الرحيم القميحي عرف ابن تيمية عبر التاريخ ومن خلال تراثه الزاخر بالربانية الصافية، والإيمان العميق، وقوة الصلة بربه، والتوكل على الله والتسليم بقضائه مع رسوخ علمى، ونظر قوى، واستحضار مشهود لمقاصد الشريعة والتنزيل، غير أن ابن تيمية كان له موقف احتار فى تفسيره الكثير فى ضوء ما ذكرناه من صفات ربانية وهو موقفه من نتيجة المعركة مع التتار في هجومهم على الشام فقد كان يرى _ جازمًا- أن المسلمين منتصرون لا محالة وأن الهزيمة ملحقة بالتتار وكان مستبشرًا بذلك ومتفائلاً لدرجة أنه كان يقسم على ذلك الأمر فقد كانت السنون - من عام (699ه) إلى (702ه) - من أصعب الأوقات على أهل الشام، قتل، وإفساد، وتخريب، وسبي، ونهب، وفي وقت يفرُّ فيه من البلد أعيانه، من قضاة وعلماء وغيرهم، فلم يبق في دمشق من أكابرها إلا القليل، وازداد الأمر سوءًا بتأخُّر استجابة الجيش المصري لنجدة إخوانهم في الشام.. يقول ابن كثير: (وقلق الناس قلقًا عظيمًا، وخافوا خوفًا شديدًا، واختبط البلد لتأخُّر قدوم السلطان ببقية الجيش، وقال الناس: لا طاقة لجيش الشام مع هؤلاء المصريين بلقاء التتار لكثرتهم، وإنما سبيلهم أن يتأخروا عنهم مرحلة مرحلة، وتحدَّث الناس بالأراجيف)[5]. ويقول ابن تيمية عن حال الناس عند قدوم التتار: (فزاغت الأبصار زيغًا عظيمًا، وبلغت القلوب الحناجر، لعظم البلاء... وظن الناس بالله الظنون، هذا يظن أنه لا يقف قُدَّامهم أحد من جند الشام حتى يصطلموا أهل الشام... وهذا يظن أنهم يأخذونها، ثم يذهبون إلى مصر فيستولون عليها، فلا يقف قُدَّامهم أحد، فيحدِّث نفسه بالفرار إلى اليمن ونحوها. وهذا - إذا أحسن ظنه - قال: إنهم يملكونها العام كما ملكوها عام هولاكو سنة ثمان وخمسين، ثم قد يخرج العسكر من مصر فيستنقذها منهم، كما خرج ذلك العام، وهذا ظن خيارهم... وهذا قد استولى عليه الرعب والفزع، حتى يمر الظن بفؤاده مرَّ السحاب، ليس له عقل يتفهم، ولا لسان يتكلم..وهذا قد تعارضت عنده الأمارات، وتقابلت عنده الإرادات. فهذه الحادثة (أطلع فيها النفاق ناصية رأسه، وكشر فيها الكفر عن أنيابه وأضراسه، وكاد فيه عمود الكتاب أن يجتثَّ ويخترم، وحبل الإيمان أن ينقطع ويصطلم، وعقر دار المؤمنين أن يحلَّ بها البوار، وأن يزول هذا الدين باستيلاء الفجرة التتار... فى هذا الوقت العصيب المدلهم، وابن تيمية يسعى لطمأنة الناس، والرفع من معنوياتهم، وتبشيرهم بالمستقبل، وحضِّهم على الجهاد، والصبر والثبات، ووعدهم بالنصر فى المواجهة القادمة مع التتار، ويلتقيالأمراء، ويسافر إلى السلطان، ففي جمادى الأولى سنة (700ه)، لما جاءت أخبار بقدوم التتار، (خرج الشيخ تقى الدين ابن تيمية - رحمه الله تعالى-... إلى نائب الشام في المرج فثبَّتهم، وقوَّى جأشهم، وطيَّب قلوبهم، ووعدهم النصر والظفر على الأعداء)، وسار إلى مصر وأقام فيها ثمانية أيام، واجتمع بالسلطان والوزير وأعيان الدولة يحثهم على الجهاد والخروج إلى العدو، وقوَّى جأشهم وضمن لهم النصرة هذه الكرة[9]. ولكن التتار عادوا، ولم يَغزوا هذا العام. وفى عام (702ه) لما وصلت الأنباء بتهديد التتار لبلاد الشام كان له مواقف مشابهة، يقول ابن كثير: (وكان الشيخ تقي الدين ابن تيمية يحلف للأمراء والناس إنكم في هذه الكرة منصورون، فيقول له الأمراء: قل: إن شاء الله، فيقول: إن شاء الله تحقيقًا لا تعليقًا. إن ابن تيمية لم يكن عالمًا بالغيب ولا مطلعًا عليه، وإنما باعتباره عالمًا كان مؤمنًا بأن الصراع إذا وصل إلى هذا الحد من الاحتدام والاصطلام الذى يبذل فيه المسلمون كل ما لديهم من قوة وجهد في سبيل نصرة الحق ودحض الباطل فهم بلا شك منتصرون لا محالة طالما أنهم لم يقصروا في شيء مما في أيديهم، وأن استجلاء قصص الصراع بين الحق والباطل لتشير وتقطع بأن الحق سينتصر في النهاية مهما تمدد الباطل وانتفش، وهذا ما قصده ابن تيمية. وكما قال ابن تيمية نحن نقول: سينتصر مرسي بإذن الله تحقيقًا لا تعليقًا.. لأن تلك طبيعة الصراع (فأما الزبد سيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) سينتصر لأنه في هذه المرحلة رمز للثورة التي قطع الجميع بأنها من عند الله وليس لأحد فضل فيها إلا الله سبحانه وتعالى بعد أن تعرضت لكل أنواع السرقة والاضطهاد، ولو أراد الله لهذه الثورة أن تموت لماتت يوم موقعة الجمعة ولماتت يوم أن تهيأت الأمور لفوز شفيق حتى كاد يجزم الناس أن النتيجة قد زورت لشفيق وأرادوا وأراد الله. سينتصر مرسى ليس لأنه (د. محمد مرسى) ولكن لأنه رمز للشعب الطاهر النقي، الذي أراد أن تسود الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، ولأن الباطل انتفش وأصبحت له أدواته، والحق ليس معه إلا الله، وقطعًا سينتصر الحق بمعية الله تعالى، سينتصر مرسي في النهاية بإذن الله تحقيقًا لا تعليقًا لأن الله أراد لدينه أن يسود، ومصر من أهم أسباب الابتعاث الحضاري لأمتنا التي تلاعب بها الشرق والغرب، والتاريخ شاهد على ذلك.