سئل يوسف عليه السلام: لم تكثر من الصيام وأنت على خزائن الأرض؟ فقال لأعاني الجوع وأشعر بالجياع. إن حكمة الصيام أن يقود لرقة القلب وتحريك الشفقة في نفسك، فإن من يذوق طعم البلاء يكون على أهل البلاء أكثر عطفًا، لذلك جاءت الصدقة ملازمة لصيام رمضان، فلو لم تجد في نفسك حبًّا للصدقة في رمضان فعطفك قليل وصيامك قليل. رمضان يرفع مذلة الفقير، فلا يقول الفقير أعطني، بل يسمع الغني في ضميره صوت الفقير أعطني، ثم لا يسمع رجاء بل أمرًا أعطه. إذا لم يحرك فيك الصيام والجوع حب المساكين، فأنت لم تستفد كثيرًا من صيامك. هدف الجوع الاختياري أن تتذكر أصحاب الجوع الإجباري. أنا أدعوك في رمضان أن تخرج من بيتك وتزور أي حيّ فقير، انس أنت من وابن من.. اترك سيارتك واخلع بدلتك، وامش وسط البسطاء المحرومين.. اذهب وأنت صائم جائع، وليس بعد الإفطار، وقد امتلأت البطون بالطعام، اذهب بروحك وإنسانيتك، اذهب واستجمع كل ما أوتيت من رحمة، اذهب واطرد ساعات الأنانية عن نفسك، واستجمع كل إيمانك، اذهب وأكثر من ذكر "لا حول ولا قوة إلا بالله" رحمة بهم، وكذلك أكثر من ذكر "الحمد لله" لرحمة الله بك عندما أعطاك، اذهب واسأل نفسك أيهما أحب إلي: البخل أم العطاء.. البذل أم المنع...حب الأنا أم حب الناس؟ دعني أسألك: هل أنت تحب العطاء؟ أوحي الله لإبراهيم عليه السلام: أتعرف لماذا اتخذتك خليلًا يا إبراهيم؟ فقال لم يا رب؟ فقال لأنك تحب العطاء أكثر مما تحب الأخذ. صدقني.. إن لذة العطاء أحلى بكثير من لذة الأخذ.. إن الفلاسفة دائمًا لديهم قدرة فائقة على نقض الأفكار أو المسلمات، لكن الحقيقة التي اتفق عليها أغلب الفلاسفة أن سعادة الإنسان في العطاء أحلى من سعادته في الأخذ. كان رسول الله جوادًا، وكان أجود ما يكون في رمضان فهو كالريح المرسلة.. هذا حديث رائع، فالجود أعلى درجات الكرم والعطاء، فالجواد درجة أعلى من السخي ومن الكريم، ثم هو أجود ما يكون في رمضان، ثم هو كالريح المرسلة.. لماذا الريح المرسلة؟ الريح لها ثلاث خصائص: أولاها: التتابع والاستمرارية، وثانيها السرعة، وثالثها: الشمول والعموم. إن الكل يعطي في رمضان، ولكن شتان بين عطاء وعطاء، شتان بين عطاء مشوب بحذر وبخل وحساب، وعطاء الريح المرسلة.. العطاء السريع المستمر الشامل. بقلم: عمرو خالد