في الزمن الردئي الذي آلت إليه النّوادي الجزائرية، تعود بذاكرة الكثير من المتتبّعين الذين عايشو الزمن الجميل لكرتنا الجميلة إلى سنوات العزّ إن صح التعبير وفيه كانت الكرة الجزائرية سيّدة العرب و(العجم)، بما كانن تفعله أقدام لاعبينا في المحافل الدولية، حيث كان فيه اللاّعب الجزائري المحلّي مضربا للمثل في طريقة أدائه المميّزة، الممزوجة بالإبداع الفنّي والأداء الرّجولي وهو ما سمح لمنتخبنا الوطني بالولوج إلى العالمية، حيث بات ينظر إليه كما ننظر اليوم إلى منتخبات غانا وكوت ديفوار. لكن هل تساءل أحدكم عن تركيبة البطولة الوطنية في تلك الأيّام؟ إن المتصفّح لتلك التركيبة يجد في طيّاتها فريقا اسمه (ديناميكية بناء الجزائر) أو (DNC)، فريق كان يعرف باسم (برازيل الجزائر)، العدذد من لاعبيه صنعوا أفراح الجزائريين، فريق حتى وإن كان يفتقر إلى اللاّعب رقم (12) إلاّ أن الكلّ كان ينتظر مبارياته أين حلّ وارتحل كون الفرجة والمتعة مضمونتين من لاعبين طواهم الزمن والقلّة القليلة من يتذكّر أسماء من صنعوا مجد الديناميكية. (أخبار اليوم) وكما عوّدتكم دائما ها هي تعيد نبش (قبر) هذا الفريق الكبير وتسرد لكم مسيرته الكروية، كما ارتأينا أن نستضيف في هذا العدد أحد نجومه الكبار محمد خلوفي. برازيل الجزائر الذي اغتالته أيادي السياسة ديناميكية البناء، جيل الهندسة، اتحاد البناء، تعدّدت الأسماء والاسم واحد، ذلكم هو الفريق الذي ظلّ على مدار عشرية الثمانينيات، عشرية الزمن الجميل لكرة القدم الجزائرية قبلة لعشّاق اللّعبة الأكثر شعبية في الجزائر وفي العالم أجمع. الديناميكية دون اللاّعب رقم 12 حتى وإن كان يفتقر هذا الفريق إلى اللاّعب رقم 12 وهو الجمهور كون الفريق كان ملكا لمؤسسة البناء، إلاّ أن ذلك لم يقلّل من شأن نادي الديناميكية نظرا لأداء لاعبيه المميّز، حيث كان يطلق عليه اسم (برازيل الجزائر). من لم يشاهد لاعبي الديناميكية وهم يداعبون الكرة أكيد أنه لن يشاهد مستقبلا فريقا متكاملا ومتجانسا في جميع خطوطه الثلاثة، ورغم الداء والأعداء الذي تعرّض له فريق الديناميكية على مدار السنوات التي كان يتحف بها الجمهور الرياضي الجزائري بلوحات فنّية كروية جميلة، يصعب أن يرسمها عباقرة اللّعبة في الجيل الحالي، وهو ما جعل فريق الديناميكية يصل في النّصف الأوّل من عشرية الثمانينيات إلى أعلى هرم الكرة الجزائرية، حيث استطاع أن يقهر أعتى وأقوى النّوادي الوطنية آنذاك، ممّا مكّنه من الصعود على منصّة التتويج بكأس الجزائر أمام (العملاق) الذي كان لا يقهر آنذاك فريق النّصرية، بفوزه بكأس الجزائر عام 1982، كما حرم عنوة من الوصول إلى معانقة الكأس للمرّة الثانية عام 1984 أمام مولودية وهران. قد يتساءل أحدكم كيف جاء ميلاد فريق الديناميكية أو هندسة الجزائر، تابعوا مايلي قرّاءنا الأعزّاء لتتعرّفوا على ذلك. 1969 تاريخ إنشاء فريق الديناميكية يعود ميلاد فريق ديناميكية بناء الجزائر إلى نهاية عشرية الستينيات، وكان ينتمي إلى الجيش الوطني الشعبي، وظلّ كذلك إلى غاية ميلاد الإصلاح الرياضي عام 1977، وهو الإصلاح الذي أعطى لكرة القدم الجزائرية دفعا قويا وأخرجها كما يقال من الظلمات إلى النّور. ومن بين ما نصّ عليه قانون الإصلاح الرياضي الذي ألحّ على تطبيقه الرئيس المرحوم هواري بومدين، أن يتمّ إدماج النّوادي الرياضية في الشركات الوطنية، حيث أدمج فريق نصر حسين داي في شركة الملاحة البحرية، وفرق مولودية وهرانوالجزائر ووفاق سطيف في شركة سوناطراك، وفريق شبيبة القبائل في شركة إلكترونيك والكهرو منزلية، وشباب بلوزداد في فريق الشركة الجزائرية لصناعة السيّارات ورائد القبّة في شركة الحديد والصلب واتحاد العاصمة في شركة الكهرباء والغاز. وبما أن الشركة الوطنية للبناء التي كانت قبل عام 1977 تحت وصاية الجيش الشعبي الوطني، من بين كبريات الشركات الوطنية، فقد تحوّل الفريق إلى جمعية رياضية متعدّدة الرياضات، من بينها فريقا لكرة القدم أطلق عليه اسم فريق ديناميكية بناء الجزائر. فبعد أن لعب خلال الموسم الأوّل في القسم الثاني استطاع في الموسم الموالي الارتقاء إلى القسم الأوّل نظرا للإمكانيات المادية التي سخّرت له، حيث كان الفريق أقرب إلى حدّ كبير إلى النّوادي المحترفة الكبيرة، وهو ما مكّن النّادي من بسط سيطرته على الصعيد المحلّي لينافس النّوادي الكبيرة، على غرار شبيبة القبائل ومولودية الجزائر الذي كان لا يقهر آنذاك. نجوم من ذهب لفريق من ذهب واصل فريق ديناميكية البناء فرض وجوده في قسم الكبار، وهذا بلاعبين سحروا الجماهير الجزائرية بأدائهم الفنّي الرّاقي، يقودهم كلّ من حميد بن بوثلجة ومحمد خلوفي وجنادي وأولمان وعبد القادر حرّ والحارس سعدود وغيرهم من اللاّعبين الكبار الذين صنعوا مجد الديناميكية خلال عشرية الثمانينيات. لم يكتف مسيّرو فريق الديناميكية الذي كان على رأسهم أحد الضبّاط السامين في هرم الدولة بأبناء الفريق الذين ترعرعوا بين أحضانهم، بل راحوا يستقدمون لاعبين كبار، حيث لعب للفريق كلّ من علي بن شيخ وشعبان مرزقان ومحمود فندوز والحارس عبد الرزاق حرب، وجميع هؤلاء كانوا ضمن المنتخب الوطني لكرة القدم. لكن حتى وإن فشلت سياسة الاستقدمات إلاّ أن الفريق لم يفشل في السياسة التي كانت منتهجة داخله، حيث واصل تألّقه إلى أن تمكّن من الصعود على منصّة التتويج بكأس الجزائر. خمسة مواسم لا تنسى من مسيرة الديناميكية تعدّ المواسم الممتدّة من عام 1979 إلى 1984 راسخة في مسيرة الديناميكية، فحتى وإن تغيّرت تسميته في عام 1983 إلى جيل الهندسة إلاّ أن ذلك لم يغيّر شيئا من قوّة الفريق، حيث حافظ على تماسكه. فبعد أن حرم في عام 1979 من التأهّل إلى المباراة النّهائية لكأس الجزائر، ومن اللّقب الوطني في تلك السنة وحتى في السنة التي تلتها إلى أن جاءت صائفة عام 1982. حيث استغلّ زملاء محمد خلوفي المدرّب الحالي لفريق شبيبة الشرافة، نشوة الفرح بالفوز التاريخي للمنتخب الوطني على المنتخب ألمانيا في مونديال ؤسبانيا ب (2/1) لينتزع كأس الجمهورية من أيدي لاعبي النّصرية بملعب 5 جويلية بهدفين لواحد، وهو التتويج الذي سمح لفريق الديناميكية من تمثيل الجزائر في منافسة كأس الكوؤس الإفريقية، حيث حقّق نتائج باهرة، ولولا التحكيم الذي خذله في الدور ربع النّهائي لفعلها في هذه المنافسة الذي شارك فيها لأوّل مرّة. ورغم المحن والدسائس التي تعرّض لها فريق الديناميكية بعد تتويجه بكأس الجزائر عام 1982 إلاّ أنه واصل على درب الكبار، ولم يشكّل تأهّله إلى المباراة النّهائية لكأس الجزائر عام 1984 بالمفاجأة، لكن المفاجأة كانت بخسارته الكأس أمام مولودية وهران بملعب أوّل نوفمبر باتنة بمناسبة تدشين هذا الملعب بهدفين لواحد بعد الوقت الإضافي. ويرى المتتبّعون لشأن كأس الجزائر أن خسارة فريق الدينامكية لنهائي كأس الجزائر عام 1984 كان بفعل الانحياز الفاضح للحكم الرئيسي إلى فريق (الحمراوة)، خاصّة باحتسابه لهدف التعادل لمراد مزيان في آخر دقيقة من عمر المباراة وهو في وضعية تسلّل واضحة، وهو الهدف الذي أثّر على معنويات أشبال زملاء الحارس سعدود وسمح لفريق مولودية وهران بإضافة الهدف الثاني والانتصار في الوقت الإضافي، ما حرم لاعبي الدينامكية من تذوّق حلاوة التتويج للمرّة الثانية بكأس الجزائر، وهو الإخفاق الذي كان بمثابة ضربة خنجر في صدر الفريق. بداية الانهيار.. ثمّ الاندثار كما سبق الذّكر منذ قليل، حرمان فريق الدينامكية عنوة مع سبق الإصرار والترصّد من تذوّق حلاوة التتويج للمرّة الثانية في تاريخ النّادي عام 1984 بعد تتويج عام 1982، شكّل منعرجا حاسما في تاريخ الفريق، حيث نزل في تلك السنة إلى القسم الوطني الثاني، وهو النّزول الذي زاد من محن الفريق. ومع مرور المواسم والتحوّلات السياسية والاقتصادية التي كانت تشهدها الجزائر مع بداية منتصف الثمانينيات، كانت رياح التغيير تصيب الديناميكية أو فريق الهندسة كما كان يسمّى في آخر مواسمه. ومع نزول الفريق إلى القسم الجهوي في موسم 87/88 بات جليا أن أيّام هذا الفريق في الخارطة الكروية الجزائرية باتت جدّ معدودة، وهو ما حدث في صائفة عام 1989. وبما أن الفريق ولد مع ميلاد الإصلاح الرياضي عام 1977 كان من البديهي أن يرحل وإلى الأبد من نهاية الإصلاح الرياضي عام 1989، بانسحاب المؤسسات الاقتصادية من تمويل الجمعيات الرياضية. وبعد الإمضاء على شهادة وفاة فريق الدينامكية انتهت نهائيا مسيرة فريق برازيل الجزائر، وهي السنة التي بدأت تفوح منها رائحة (الخيانة) في الكثير من النّوادي الكبيرة كالنّصرية والمولودية العاصمية وحتى الوهرانية ووفاق سطيف واتحاد الحرّاش، بولوج أشخاص لا علاقة لهم بالنّوادي الكروية، حيث جعلوا الفرق الجزائرية مطية لتحقيق الرّبح السريع، ممّا خلق جوّا من الفوضى العارمة. وبما أن الدولة تحوّلت إلى أشبه بالمتفرّج من المدرّجات كان من البديهي أن تفقد الكرة الجزائرية هيبتها، وها هي اليوم الأندية الجزائرية تتحوّل إلى أضحوكة حتى عند أقزام إفريقيا. تلكم هي مسيرة فريق الدينامكية الذي يستحقّ أكثر من هذه الوقفة لأنه قدّم الكثير لكرة القدم الجزائرية لكن مصيره كان كمصير سنمار، لكن من اغتال فريق (الديناميكية) مع سبق الإصرار والترصّد؟ ذلكم هو السؤال الذي سيبقى يطرح نفسه كلّما ذكر اسم فريق (الديناميكية).