أردت اليوم تحريك تاريخ قد وُضع على الهامش غصبا، فتغلبت الحسابات الضيقة على روح المسؤولية، وجُعل مما يُنتفع به، فزاعة نستعملها في أحلك الأوقات وأصعبها، مجانبا هذه المقدمة الطللية، أعود إلى ما بُني على أسُسها المكسورة فيما جُرب تهديمه، وبالتحديد، في شهر جانفي 2000 وقبل أيام قليلة من كأس إفريقيا للأم التي جرت مناصفة بين غانا ونيجيريا، حينما شد منتخبنا الوطني الرحال إلى بلاد السامبا وبيلي، البرازيل من أجل إجراء تحضير جدي لنهائيات كأس أمم افريقيا. منتخبنا الوطني الذي كان يعيش أزمات كبيرة سواء على مستوى الفاف، على مستوى وزارة الشبيبة والرياضة أو على مستوى المدربين، وهنا مربط الفرس. منتخبنا قد تجرع خسارة تاريخية يشهد لها التاريخ وإن كانت في الحقيقة هزيمة ودية، لكنها تبقى رسمية، كانت بسبعة أهداف مقابل لا شيء (7-0) أمام فريق فاسكو دي غاما البرازيلي، حامل لقب بطولة البرازيل أنذاك وقبلها بطل العالم للأندية أمام ريال مدريد فيما كانت تسمى بطولة الأنتركونتينونتال والتي كانت تجري بين بطل أمريكا الجنوبية وبطل أوروبا. الهزيمة قد خلقت جوا إعلاميا بغيضا، وهجوما ساخنا على رفقاء صايب موسى ودزيري بلال، هذا الأخير، الذي ذاق المرارة مع فريقه سيدان الفرنسي (درجة أولى) للالتحاق بالفريق الوطني. وتوالت المساءلات من الصحافة والتنبأ بمشاركة كارثية بعد هزيمة نكراء للمنتخب الوطني وبأي نتيجة، بسبعة أهداف مقابل لا شيء. الضغط الذي رُمي على المنتخب الوطني، حمله ناصر سنجاق على عاتقه في مناصفة نسبية مع مساعده سعيد حميمي (الله يرحمو ويوسع عليه)، فكانت الخطوات مثقلة نحو كوماسي المدينة التي جرت فيها مقابلات منتخبنا في الدور الأول. سنجاق شكل منتخبنا خلال شهر واحد ومن ثم دخل في مغامرة حقيقة مع المنتخب الوطني وضغوطات كبيرة جدا بعد تلك الهزيمة التاريخية. بجيل جديد من الشباب أمثال ياسين سلاطني، معمر ماموني ومولاي حدو مع نوع من أصحاب الخبرة أمثال موسى صايب ومحيي الدين مفتاح، صنع منخبنا أيضا الفارق مع أرقام لامعة في الهجوم أمثال تاسفوات الذي كان هدافا مع فريق غانغون الفرنسي (درجة أولى)، فريد غازي الذي كان في أول موسم له مع تروا الفرنسي (فريق تاع حومة كيما بارادو) صاحب المشاكل العويصة مع ألان بيران الفرنسي بسبب الصيام، وفوزي موسوني المتألق مع فريق شبيبة القبائل في كأس الكاف. دور أول في القمة، أداء جميل جدا، تمريرات قصيرة، مراوغات ممتعة من دزيري (أنقصها فيما بعد بسبب تغير طريقة اللعب في الجزائر) والذي سجل هدفا رائعا جدا خارج منطقة 18 أمام الغابون في الدور الأول (ممكن Farid 19S يدبرهولنا)، وكذلك سوسبانس، لأن الجزائر كانت محتاجة لنقطة وحيدة حققتها أمام جنوب افريقيا التي كانت تمتلك منتخب قوي جدا حقق كأس إفريقيا 96 وكان موسوني في الموعد بهدفه الشهير أمام جنوب إفريقيا. وبدأت الظروف تتغير للناخب الوطني وللاعبين أمام الكامرون، شوط أول دخله اللاعبون برهبة وكانت ثنائية حملت إحداهما توقيع صامويل ايتو، لكن المنتخب الوطني بإرادة لاعبيه ومدربه استطاع الرجوع في المباراة بأداء راقي جدا مثلما عودنا به في الدور الأول، تمريات قصيرة، لعب سريع على الجناحين عن طريق معمر ماموني ومولاي حدو، والوسط عن طريق نصر الدين كراوش، قلص المنتخب النتيجة، لكن كرة موسى صايب وجها لوجه وأمام شباك فارغة لم تدخل.... تبقى تلك المقابلة تاريخية لأن المنتخب الوطني قدم فيها أداء راقي جدا يضاهي أداء منتخب الثمانينات. لكن للأسف، تم تدمير كل ما بُني، وأُقيل ناصر سنجاق الذي توجه بعدها لشبيبة القبائل، وحلت بعدها المهازل المعروفة مع جداوي. اللاعب الجزائري في فترة التسيعينات كان متوترا جدا وسريع الغضب نظرا للفترة الدموية التي عاشتها الجزائر، لكنه في المقابل كان يتحمل الضغووط بصفة كبيرة مع حب كبير للمنتخب الوطني ومعه علم الجزائر. أن تنهزم بسبعة أهداف مقابل لا شيء ثم تقوم بذلك الأداء في كأس إفريقيا وتكاد تقصي الكامرون التي حققت كأس افريقيا في تلك الدورة والدورة الموالية، فهذا الأمر لا يقوم به أي فريق خصوصا وأن الفترة كانت خلال شهر واحد، فهنا أرفع القبعة للاعبين ومعهم المدرب لهذه الإرادة الكبيرة. فأي منتخب حصل له ذلك، كان سيحل مباشرة دون أي انتظار. الآن ومع رياح التغيير التي تمس الجزائر، بنسمات غربية، أصبح مفهوم الإرادة ملخصا في النقود، وأصبحت الانتقادات مبررا للفشل، على الرغم من أنها علميا هي مبرر للنجاح. منتخبنا الوطني قد أعطى مثالا حيا للنقد البناء، والدفع من خلاله نحو الأمام، لا الوراء كما يجري الحال. والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح، ما هو السبب في تغيير عجلة الانتقاد وسباحتها عكس التيار؟: هل هو محاولة فاشلة للتقليد الغربي؟ أم هي جاذبية مزيفة للثقب الأسود؟ أم فقط محاولة لمحاكاة سفينة تيتانيك؟ اليابان وألمانيا خرجا صفر اليدين بعد الحرب العالمية الثانية، هما الآن أكبر القوى الاقتصادية في العالم. الصين غيرت مفاهيم الاقتصاد في العالم الثالث وجعلت من الرداءة سلعة تباع وتشترى. باولو روسي، توقف عن اللعب ثلاث سنوات بعد فضيحته مع جوفنتوس لكنه عاد وحقق كأس العالم مع منتخب إيطاليا سنة 82 مع لقب هداف كأس العالم لنفس السنة. فمن اشتهى الأزاد وهو ببغداد.... فليأخذ معه زادُ. المشكل العويص، هو أن تنتقد ولا تكون مؤهلا لذلك، فتصبح الإرادة نتاجا لا معيارا، فتختلط مفاهيم الفزياء، ويظهر ضوء النجوم ممتزجا مع أشعة الشمس، وتصبح الجاذبية قوة طاردة، فيختلط الحابل بالنابل، عندها، إقرأ على حلم التقدم، التطور والازدهار... السلام وإلى الله ترجع الأمور! * العضو: usmb_forever