صيام الفتاة لأول مرة في عاصمة الزيانيين من الأحداث المهمة التي لا تمر بهدوء، بل هي مناسبة لا بد من الاحتفال بها، من خلال بعض الترتيبات التي تقوم بها عائلة الفتاة، كنوع من التشجيع والتحفيز لأداء واحدة من أعظم العبادات، ورابع ركن من أركان الإسلام الخمسة لأول مرة؛ فما إن يبلغ الطفل أو الفتاة سن سبع سنوات، حتى تبدأ تشجيعات الأولياء لحثه على تعلم تأدية تلك العبادة. ومن أروع ما يقدَّم للفتاة في مدينة تلمسان، جعلها عروس بيتها وحيِّها في يوم جميل، من خلال ارتدائها الشدة التلمسانية، وتحضير طبق خاص بها للمناسبة، وتجوالها في حيّها، لترسم على وجهها وذاكرتها سعادة تُحفر، وتبقى أنيسة لها حتى عند بلوغها سنا متقدمة، حسب شهادة التلمسانيات. واحدة من أجمل تلك العادات التي يتم رصدها غرب الوطن وبالتحديد بولاية تلمسان، عادة جعل الفتاة الصائمة لأول مرة، عروسا في يومها الأول؛ حيث يتم تنظيم مجموعة من الترتيبات احتفاء بهذا اليوم الجميل. وحول هذا الموضوع كان ل"المساء" لقاء مع الخالة أمينة مزيان، إحدى المهتمات بالثقافة التلمسانية، وواحدة من "الشدادات" التي تهتم بلباس شدة العروس، والتي لها تقنيتها الخاصة لشد مجموعة المجوهرات من الذهب واللؤلؤ على رداء الشدة للعروس التلمسانية، والتي لها بقلب عاصمة المدينة، محل لتقديم تلك الخدمة للعرائس. وقالت أمينة مزيان الملقبة بالخالة ميمي بالحي، إن صيام الفتاة لأول مرة في تلمسان، مناسبة عظيمة تتقاسم فرحتها الفتاة مع عائلتها؛ حيث تبدأ الترتيبات أسبوعاً قبل اليوم المنتظر؛ إذ يتم كراء الشدة وجمع جميع المجوهرات الخاصة بها. وخلال اليوم المنشود يتم دعوة أفراد العائلة من المقربين، لحضور دعوة الإفطار على شرف الفتاة الصائمة. ويتم تحضير وجبة خاصة من الحريرة، واللحم المحمر بالبرقوق، والبوراك، وسلطة الفلفل المشوي، وتحقيق كل رغبات الفتاة الخاصة في الأكل. وفي الصباح الباكر تُلبَس الفتاة الشدة التلمسانية بكامل تفاصيلها، وتتزين كالعروس بأحمر الخدود، ويتم اصطحابها إلى أقرب مصور فوتوغرافي كعادة يعتمدها الكثيرون بالرغم من تطور تكنولوجيات التصوير عبر الهواتف الذكية، إلا أن ذلك الجزء من التقليد لا يمكن تفويته، إذ يتم خلال تلك الخرجة التجول بالفتاة بين أزقة الأحياء والدروب الضيقة، ليتم زيارة بعض الجارات ليلقين عليها السلام وتقبيلها كنوع من الافتخار بجميل صيامها وجمال شكلها، وتقديم التشجيعات لها من طرف كبيرات السن والمباركة لها بهذا الحدث الجميل. وعند عودتها للبيت تجتمع النسوة لتحضير الفطور مباشرة بعد صلاة الظهر؛ لإتمام كل التحضيرات. وأوضحت المتحدثة أن تلك التحضيرات هي نوع من تحفيز الفتاة للصيام أول مرة، حيث يبقى لها ذلك اليوم ذكرى، يذكرها باستعدادها للصيام، وتأدية واحدة من أهم العبادات، التي تتعلم من خلالها الكثير من أمور دينها، كالصبر، وتحمّل مشقة الصبر خلال الأيام الحارة، أو جوع الأيام الباردة، أو تعب الأيام الطويلة، وتدرك أنها قريبا ستبلغ سن فريضة الصيام، إذ يحدثها حينها كبير العائلة بكل تلك التفاصيل المتعلقة بدينها الحنيف. وتتعالى الزغاريد بتلك البيوت مباشرة بعد أذان المغرب، ويكون إفطار الفتاة على حبات التمر وكأس الحليب، ليباشر أهل البيت تهنئة الفتاة بالمناسبة، ونجاحها في صيام أول يوم لها. ويتم ترديد الصلوات على النبي محمد في الكثير من المرات، الى أن يتجه رجال البيت نحو صلاة المغرب قبل الالتفات حول مائدة الإفطار. وفي الأخير أكدت أمينة مزيان أن الكثير من العائلات لاتزال تهتم بهذه التفاصيل الاحتفالية كنوع من العادات والتقاليد الجميلة، التي بالرغم من صعوبة تأدية بعضها بسبب الغلاء المعيشي وتراجع القوى الشرائية، إلا أنه يتم الحرص على تأديتها بشدة؛ خوفا من زوالها، إذ لكبار السن في تلك العائلات الدور الرئيس في الحفاظ على ذلك الموروث، ونقله للأجيال المقبلة.